الدبلوماسيون الإيرانيون… وحوار حزب الله ــ القوات
هتاف دهام
يحرص حزب الله على الخصوصيات اللبنانية كلها. لن يتصرف بمنطق ثوري يغيّر هذا الواقع إذا لم تكن الظروف ناضجة لإنتاجه. أكد الأمين العام لحزب الله في خطابه الشهر الماضي أن «القوات اللبنانية كحزب هي قوة أساسية سياسية موجودة في البلد ولها تمثيلها في مجلس النواب، ولها أناسها ولها قواعدها».
وفق المعنيين في حزب الله أُعطي الكلام أكثر من حجمه. تشخيص السيد نصر الله واقعي. سلّم حزب الله بـ «القوات» عندما قبل «المساكنة» السياسية والتعايش على أكثر من مساحة مشتركة معها في البرلمان ومجلس الوزراء، وأكثر من ذلك عندما جمعت طاولة الحوار الوطني في 2006 الأمين العام لحزب الله ورئيس حزب القوات سمير جعجع.
لم تنضج الظروف السياسية لدى الطرفين للوصول إلى مرحلة التفاهم. لم تتلقف معراب مبادرة السيد نصر الله بأية رسالة حسن نية، إلا بحدود الكلام الإيجابي الذي صدر عن النائب جورج عدوان.
حاول الدكتور جعجع إيهام الرأي العام أنه كان قوة الدفع وراء وصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة، وهو على يقين أن حزب الله هو الثابت الوحيد في هذا المسار الطويل الذي جعله في النهاية يجاهر بدعم الجنرال، وإلا كان أبدى تأييداً له قبل سنتين ونصف، بدلاً من أن يُنصّب المنافس والمعيق الأول على ضفة 14 آذار.
الأكيد أن علاقة حارة حريك معراب محكومة بالحكيم نفسه. سعى «الزيتيون» خفية في السنتين الأخيرتين لفتح قنوات تواصل مع أصحاب الراية الصفراء، لكنهم لم يقدّموا عملياً أية إشارة جدية تثبت أنهم قادرون على التعامل مع أسباب نقزة الحزب التاريخية.
يضع جعجع إصبعه في موقع الضد أو المعادي في أية مسألة تتعلق بالمقاومة ودورها وحضورها، من خلال ديباجة العبارات الرنانة تجاه الدولة ودورها ودفاعها عن الحدود. شعارات أكثر مما هي وقائع. فهو يدرك أن الدولة ومؤسساتها والجيش لا يستطيعون في ظل الواقع الراهن الداخلي والخارجي التصدّي لأي اعتداء «إسرائيلي» في حال وقوعه.
تبحث معراب عن ندية سلبية مع الضاحية الجنوبية لكي تزيد من حجم حضورها. مارس قائدها شخصياً الكيدية السياسية على مدى السنوات الثلاث الأخيرة. كلما أطلّ السيد نصر الله، يعقد الحكيم مؤتمراً صحافياً يفند فيه الخطاب جملة تلو جملة. لا يبغي الموضوعية بالنقاش، بقدر ما يريد أن يُوحي أن القوات هي النموذج نفسه للحزب على الجهة الثانية، سواء بالتنظيم أو الإعداد أو الذهنية. وإن كانت بعض الحقائق موضوعية حول أوجه الشبه تنظيمياً.
أربعة ملفات عالقة تشكّل رادعاً أخلاقياً ووطنياً يمنع حزب الله من الذهاب إلى النهاية في العلاقة مع القوات: 1 – عدم جلاء قضية الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة. 2 – اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي وموقف عائلة كرامي. 3 – اغتيال الوزير والنائب طوني فرنجية ولو كانت محطات تلاقٍ دخلت على خط بنشعي – معراب. 4 – «إسرائيل» إذ لا يكفي أن تقول القوات في أدبياتها إن إسرائيل هي العدو… والسلام.
هناك تاريخ معين، يجب أن يقاربه حزب القوات، بموقف معين يطفئ جمره. وفق المعنيين، عندما يُحسم الأمر ويُسلم بدور المقاومة في الدفاع عن لبنان، قد تتشكل لجنة مشتركة من الطرفين تضع هذه العناوين على طاولة البحث ويتم إنهاء الغموض الذي لا يزال يكتنف موقفها.
أجرى الدكتور جعحع قراءة نقدية لمسار حزبه في المرحلة الماضية. أعلن عن دخوله غمار السياسة من خلال نظرته إلى الدولة بناء على وقائع جديدة وإن كانت كلمة «قوات» لا زالت موجودة في الترخيص الرسمي للحزب. يسجل له عدم ارتهانه للأسماء المعروفة وإدخال جيل جديد إلى حكومة استعادة الثقة بطريقة تحاكي منطق التغيير، لكنه لا يزال، في القضايا الاستراتيجية، مصراً على تقديم نفسه كرأس حربة لمشروع انهزم وتدمّر. إن مقاربته للتنظيمات الإسلامية والتكفيرية «فليحكم الاخوان» و«داعش كذبة»، لا تزال تثير الهواجس حتى عند البرتقاليين.
لا يرتبط حزب الله بأية حسابات لها علاقة بالخارج، رغم أن الجمهورية الإسلامية هي العمق الاستراتيجي الإيديولوجي الأخلاقي القيمي له. ثبت في السنوات الماضية أن أمينه العام يملك من الوزن والأهلية والرؤية والخصوصية ما يجعله مرجعاً للإيرانيين وليس منفّذاً لهم.
لكن من الطبيعي أن يكون ملف الدبلوماسيين الإيرانيين إشكالي. قضية ملتبسة تضم ثلاثة عناصر «القوات» «إسرائيل» و«إيران». لا يكفي القول إن إيلي حبيقة هو المسؤول وانتهى الأمر. يمثل هؤلاء الجمهورية الإسلامية التي تعني ما تعني لحزب الله، وكانوا ضمن مهمة رسمية على الأرض اللبنانية.
مَن يحمل سياسياً إرث القوات هو حزبها الحالي. يفترض بقائد معراب، كما يؤكد قطب بارز لـ«البناء»، جلاء الحقيقة وتقديم ما لديه بشفافية. فعندما تتقدم عناصر الثقة ولا تخبأ عن الرأي العام وعن الذين عاشوا الأحداث المأسوية، ربما تقفل القضية لمرة أخيرة.
لكن، إلى أن تنجلي الأحداث، لن يُطوى ملف الدبلوماسيين. مَن يعرف الإيرانيين يدرك هذه الحقيقة. لن يترك الإيراني حقه. سوف يبقى ساعياً وراءه. يمثل ذلك جزءاً من قيمته وإيمانه بمن يضحّي في سبيل الثورة. سوف يتحيّن الفرصة لكشف حقيقة هذا الملف عندما تدخل عناصر جديدة عليه.