العروبة ورطة

واجهتُ تساؤلات في الوسط الاجتماعي والفنّي في الشام، عن السبب الذي دفعني إلى الانتماء للحزب السوري القومي الاجتماعي مؤخّراً، والبعض من هذا الوسط اعتبروا هذا الانتماء انقلاباً، لذلك أوضِحُ أنّ قراري الانتماء إلى هذا الحزب، لأن هذا الحزب يريد الحياة لسورية.

إنّ سورية تتعرّض للوحشية والغدر من قبل الذين قدّمت لهم الكثير، وهي تدفع ثمناً فظيعاً نتيجة تبنّيها فكرة العروبة. سورية كانت دائماً تحمل هموم العرب جميعاً وتشاركهم الوجع وتقف معهم، والمستغرب أنّ معظم العرب يشاركون في المخطّط التآمري الذي يضاعف من أوجاع سورية.

سورية التي خاضت حرب تشرين ضدّ «إسرائيل»، بقيت وحدها في الميدان، بعدما ذهب السادات إلى الكيان الصهيوني ووقّع اتفاقية «كامب ديفيد» وأخرج مصر من الصراع المصيري مع العدو الصهيوني. إنّ الضغط والحصار على سورية ومحاولات زرع الفتن والخراب فيها، ذلك كلّه بدأ مذّاك، وقد فشلوا في ذلك، إلى أن جاءت المصيبة المسمّاة «الربيع العربي»، إذ نجح أعداؤنا بالدخول علينا بطريقة خبيثة وماكرة… زرعوا فتنة سبّبت دماراً كبيراً لسورية التي تدفع منذ سنوات ثمن قرن كامل من الصمود والمواجهة والمقاومة والتمسّك بالحقوق والمبادئ.

شكّلت سورية على الدوام ملاذاً آمناً للجميع، فلجأ إليها من القفقاس الشركس والداغستانيون والأبخاز بعدما تعرّضوا للاضطهاد، وكذلك الأرمن عام 1915 بعدما تعرّضوا للمذابح الوحشية من قبل الأتراك، واحتضنت العراقيين بعد الغزو الأميركي للعراق، واللبنانيين بعد العدوان «الإسرائيلي»، وصوماليين وسودانيين وأفغاناً وباكستانيين وآخرين… ولم نسمع يوماً أنّ خيمة واحدة… واحدة، نُصبت في سورية لإقامة لاجئ، خيمة لا مخيماً. لكن حينما تعرّضت سورية مؤخراً للحرب والعدوان، واضطر آلاف السوريين لمغادرة سورية من جرّاء الإرهاب، أصبحنا نسمع قصصاً عن إذلال السوريين، عن عائلات لا تجد طعاماً… وعن أشخاص يموتون من الصقيع والبرد، وعن نساء يُغتصبْنَ وتُهتك أعراضهن… وبنات بعمر الورد يُبَعن في سوق النخاسة لسماسرة خليجيين تحت اسم «زواج السترة»… وصرنا نسمع عن لاجئين يبيعون أعضاءهم ليعيشوا.. وعن آخرين يُقتلون وتُسرَق أعضاؤهم…

إنّ سورية بلد الحضارة والثقافة والفنّ والإنسانية والمحبّة، وهي بلد التنوّع والتعدّد، حيث العديد من الشرائح الاجتماعية والأطياف تتّحد على المحبة والأخاء القومي.

إنّي أحمّل مسؤولية حفلة الدم في سورية لدول غربية وعربية، وأؤكد أن قناعتي صارت راسخة بأننا سوريون أولاً، وثانياً وثالثاً وعاشراً. وكلمة سوري قادرة وحدها أن تجمع كلّ السوريين.

أتمنّى في ما تبقى لي من الحياة، أن أخدم سورية وأخدم قضية هذا الحزب، الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يناضل منذ عقود من أجل أن تحيى سورية.

يا سادة يا كرام، في عام 1947 أو 1948، شاهدتُ تجمّعاً ضخماً للناس أمام سينما «السفراء» في دمشق، وحين سألتُ عن سبب هذا الحشد، علمتُ أنّ الزعيم أنطون سعاده يلقي خطاباً. وحين دخلتُ القاعة، رأيتُ الناس مسحورين ومبهورين بسعاده هذا… وما أتذكره حتى اليوم شخصية سعاده القوية، وثقته العالية بالنفس، وشموخه وهيبته وقدرته على شدّ اهتمام الناس بشكل استثنائيّ.

إنها لحظات لا تُنسى، وإنني اليوم أقول إن بلادنا أضاعت فرصة ذهبية لأنها لم تأخذ بأفكار الزعيم سعاده ومبادئه.

أعدكم بأن أقوم بكلّ ما يُطلب من أجل سورية وقضيتها، وإنني أوصي الأجيال الشابة: أبقوا عيونكم على سورية، وافعلوا أيّ أمرٍ من أجل إنقاذ سورية، ولا تتهاونوا أبداً في الدفاع عن سورية. إننّي استودعكم سورية… ولتحيَى سورية.

من الكلمة المرتجلة التي ألقاها الفنّان الكبير رفيق سبيعي خلال تكريمه من قبل الحزب السوري القومي الاجتماعي في مسرح «المدينة» ـ بيروت، في 2 نيسان 2015.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى