قالت له

قالت له: بيني وبينك طريق طويل، فقد مضت سنوات ونحن نتناوب الرضا والغضب، وسنبقى في نوبات الرضا نتحدّث عن الغزل والقمر والشعر، وفي نوبات الغضب نتحدّث عن الغيرة والعتب. فماذا عمّا بينهما؟

فقال لها: نتحدّث عن العقل والفلسفة.

فقالت: وما جديدك فيهما وقد قرأت وتساءلت كيف نظنّ أنّ الموت نهاية الحياة التي نتشبّث بها وندافع عن كلّ تفصيل نظنّه يختصر الوجود فيها، ونكتشف لاحقاً أنه أمر من أمور عابرة صارت جزءاً من ماضٍ بلا ذاكرة أحياناً، وعندما نستغرق في التفكير بالحياة سنستحضر الموت، فتصغر القضايا الكبيرة في عيوننا ونتفكّر بما بعد الموت، ونثق بوجود ما بعده، ونريد ألّا نكون من الخاسرين. فكيف نكون الشخص نفسه في الحالتين؟

فقال لها: ليست مشكلتك وحدك ولا مشكلتنا ولا مشكلة جيل زمان أو مكان. إنها مشكلة الإنسان منذ الأزل إلى الأزل. بعض من الله وبعض من الشيطان، واختراع الفلسفة وفرح بالدين، لأنهما ينظمّان توزانه بين الله والشيطان. وعند التدقيق في ما نصفه بالشيطان نجده هو الحياة وليش الشرّ، والله في نفوسنا هو السموّ والخلود لا الخير فقط. ففي وصفنا الشيطانَ ندخل الفرح عنده والحزن عند الله، فكلّ ما يمتّ للحياة دنيا، ودنيويّ يعني في لاوعينا شيطاناً. وكلّ ما يمتّ لله آخرة، وكلّ دنيوي لا يتعلّق به. بينما الله في الحقيقة دنيا وآخرة لمن آمن بهما. والله دنيا لمن لا يؤمن بالآخرة، فكيف نقيم التوازن في داخلنا إذاً؟

قالت له: أتعتقد أن علينا ربط الشيطان بالشرّ والله بالخير فتستقيم موازنينا؟

فقال لها: ونرتاح من كثير من الضياع حتى لو لم تكتمل المقاييس، ولن تكتمل لاستحالة الاكتمال إلا عند الذين اتّخذوا أحادية مطلقة لحياتهم. الله والخير أو الشبطان والشرّ. والبشر الطبيعيون ليسوا من هؤلاء ولا من أولئك.

فقالت: وهل هذا الربط لله بالخير وللشيطان بالشرّ يجعلك أقرب إلى الله أم أقرب إلى الشيطان؟

فقال لها: إذا كان الشيطان هو كلّ ما يتصل بالحياة، والله هو العلاقة بالآخرة، فقد كنت في منتصف الطريق بينهما. أما بلغة الشرّ والخير فقط فأنا قريب جدّاً من الله، وما يبعدني عن الخير وقوع في لحظة انفعال أو سوء تقدير لا سوء نيّة.

فقالت: والحبّ، أين يقع؟

فقال لها: في المقياس الأول بين الشيطان حياة والله آخرة. الحبّ شيطان.

فقالت: لو كان عذرياً؟

فقال: يصير شيطاناً يحاول التوبة.

فقالت: وفي مقياس الله خير والشيطان شرّ؟

فقال لها: يصير الحبّ هبة إلهية والعذريّ منه ملائكي والجسديّ منه آدميّ.

فقالت: أتستطيع منحي قبلةً ملائكية؟

فقال: لك قبلة الجبين، إنّما لا تطلبي من شيطاني ألّا يستشعر ضوء الخطر.

فقالت: دعها رمياً في الهواء فأتلقاها كي لا يفسد شيطانك هذه اللحظة مع الله.

فقال: سأرسمها وأدعك تقعين مع شيطانك في الشكوك.

وكتب على كفها رسم شفاهه بقلم حُمرتها ومضى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى