هل وكيف يمكن وقف الحرب العالمية «الداعشية»؟
د. عصام نعمان
لا غلوّ في القول إن أولى الحروب العالمية في تاريخ البشرية هي حرب «الدواعش» ضد العالم بأسره، بشراً وشجراً وحجراً. فالحرب العالمية الاولى 1918-1914 لم تكن عالمية اذ دارت في معظمها في قارة واحدة، أوروبا، وشاركت فيها دول عدّة كانت في معظمها اوروبية. مثلُها الحرب العالمية الثانية 1945-1939 اذ دارت في معظمها في اوروبا ثم توسعت الى آسيا وحسمتها الولايات المتحدة الأميركية بضربة نووية أولى لمدينة هيروشيما وثانية لمدينة ناجازكي اليابانيتين، فقضى فيهما مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء.
حربُ «الدواعش» على العالم تبدو أكثر عالمية من الحربين الأولى والثانية المذكورتين، لأن أحداثها وفظائعها ومجازرها تكاد تشمل قارات العالم جميعاً، ولو بمقادير متفاوتة.
قلتُ إن «الدواعش» هم من شنَّ أولى الحروب العالمية ولم أقل «داعش». ذلك أن «الداعشية» هوية يتعدّى نطاقها منتسبي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ليشمل إرهابيين غير منتظمين يستلهمون «داعش»، لكنهم يتصرفون من تلقاء أنفسهم، فلا ترى قيادة «داعش» لاحقاً ضيراً في تبني جرائمهم المدوّية التي تكسبها، في ظنها، «سمعة» ودعاية.
أطرافُ الحربين العالميتين الأولى والثانية دولٌ، فيما اطراف الحرب العالمية الداعشية تنظيمات إرهابية و«ذئاب منفردة». واذا كانت الدول تخوض الحروب بحثاً عن مصالح وامتيازات او دفاعاً عنها، فماذا تراها تكون دوافع الدواعش لشنِّ الحروب واقتراف المجازر؟
يمكن القول إن الدول، بمسؤوليها ومواطنيها، معنيون بالحياة بكل ما تنطوي عليه من رغبات ومصالح ومنافع وموجودات في حين أن الدواعش غير معنيين بالحياة، بل بالآخرة الأمر الذي يحملهم على استخدام حياة الآخرين، بل حياتهم بالذات، وسيلةً للوصول الى أغراضهم. لذا هم أعداء الحياة بامتياز.
لا فارق كبير بين قوة العنف الذي يمارسه الدواعش، وذاك الذي يلجأ اليه بعض الدول، اختياراً أو اضطراراً. فالعنف الذي استخدمته الولايات المتحدة في ضرب هيروشيما بقنبلة نووية أقوى بلا شك من العنف الذي استخدمه الدواعش في ضرب جمهور ملعب رياضي في باريس خريفَ العام 2015. لكن استخدام العنف النووي استثنائي ويقتصر، مبدئياً، على الدول النووية فيما العنف غير النووي شائع ومحدود ويكاد يكون مقبولاً. غير أن الدواعش غالباً ما يستخدمون العنف غير النووي بوتائر ودرجات بالغة القوة بالمقارنة مع الدول عند استخدامها هذا الطراز من العنف.
المهم في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور أن الدواعش يشنّون حربهم على البشرية بلا هوادة، وفي كل مكان تطوله أياديهم، فما العمل؟ هل يمكن وضع حدٍّ لهذه الظاهرة المخيفة، وكيف؟
إنها، في الواقع، مهمة بالغة الصعوبة حتى لا نقول إنها شبه مستحيلة. ذلك أن دولاً كبرى وصغرى أسهمت في الماضي القريب، وبعضها ما زال، في تمويل وتسليح وتسهيل انتقال الدواعش وسائر الإرهابيين إلى هنا وهناك، وهنالك على مدى الكوكب الأرضي لأغراض ومصالح سياسية واقتصادية وأمنية. صحيح أن معظم داعمي الدواعش ومشغّليهم قد توقّف عن متابعة أفعاله النكراء، لكن ما حصل عليه هؤلاء في الماضي من سلاح وعتاد وأموال بلغ من الضخامة حدّاً يمكّنهم من الاستمرار في حربهم ضد البشرية زمناً غير قصير.
من الطبيعي والمنطقي أن يتمّ، بادئ الأمر، توافق أممي على ثلاثة أمور أساسية يقتضي توثيقها بقرار معلل من مجلس الأمن الدولي:
أولاً: تكريس الإرهاب، من حيث هو استخدام العنف والدين لتحقيق غايات سياسية، عدواً للبشرية مستوجباً الإدانة والعقاب وبالتالي معاقبة الأطراف التي تخالف هذا المفهوم المكرّس دولياً بأقسى العقوبات المنصوص عليها في القرارات والأحكام المتخذة في هيئة الأمم المتحدة والمحاكم الدولية ذات الصلة.
ثانياً: إقامة وكالة عالمية متخصّصة في إطار هيئة الأمم المتحدة تتمثل فيها الدول ومنظمات المجتمع المدني العالمي ذات الصفة والممارسة الأممية من أجل النهوض بمهام رصد ومتابعة تحركات وأنشطة العناصر والتنظيمات الإرهابية في العالم وملاحقتها أمام المحاكم الوطنية والدولية ذات الصلة، وتوفير المعلومات والإمكانات اللوجستية والمالية للدول والأطراف المنخرطة في صراعات ميدانية ضد الدواعش وسائر التنظيمات الإرهابية في مناطق شتى من العالم.
ثالثاً: تكليف منظمة الأونيسكو بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، موثّق بقرار من مجلس الأمن الدولي تنظيمَ مؤتمرات وندوات واجتماعات أكاديمية وأخرى أهلية على مستوى المجتمع المدني في دول شتى من العالم من اجل التوافق، بالسرعة الممكنة، على استراتيجية لبناء ثقافات وطنية وثقافة أممية لمقاومة الإرهاب بوسائل الثقافة والتعليم والإعلام والتواصل الاجتماعي لتكون رديفاً لاستراتيجيات مقاومة الإرهاب سياسياً وأمنياً على المستويات الوطنية والأممية.
الطريق الى بلوغ الأهداف المرتجاة طويلة، والتحديات كثيرة، والقدرات محدودة. ومع ذلك، فإن صراعاً تخوضه البشرية، بدول شتى منها وبمؤسساتها الأهلية، اليوم ونصرها فيه غير مؤكد، ستجد نفسها غداً، في حال تلكئها، أمام هزيمة حتمية.