كتابا سيرة جديدان للعبقريّ شابلن الذي جالس تشرشل وشرب الشاي مع آينشتاين
كتب حسونة المصباحي العرب أونلاين : مطلع خريف هذا العام، 2014، صدر في فرنسا كتابان للعبقري الكبير شارلي شابلن 1889-1977 . الأوّل حمل عنوان «جولتي حول العالم»، والثاني عنوانه «فلوتلايت». والكتابان يعكسان جليّاً عشق شابلن للكلمات، ورغبته في ألاّ يكون ممثّلا عبقريّا فحسب، بل كاتبا مشهوراً يعترف كبار النقّاد بموهبته العالية.
على هذين الكتابين علّق أحد النقّاد قائلاً: «الكتابان مثيران للإعجاب، ففيهما نكتشف طريقة شابلن في العمل، ودقّته، وسخاءه حيال الفقراء والمحرومين. كما نكتشف أيضاً، بين السطور، ذلك الألم الذي لا يفارقه البتة. ألمٌ يعود إلى طفولة مرعبة في الشوارع الباردة، وفي حانات مشبوهة وقذرة، وفي غرف كريهة».
عاش شارلي شابلن، المولود في لندن عام 1889، طفولة قاسية موسومة بالحرمان والبؤس في أبشع مظاهرهما، إذ كان والده ممثلاً فاشلاً مدمناً الكحول. أما والدته فأصيبت بالجنون بسبب شقائها وشقاء عائلتها. وفي التاسعة عشرة من عمره، غادر شارلي شابلن بريطانيا بحثاً عن لقمة العيش في الولايات المتحدة الأميركية. وهناك تمكن من أن يصنع لنفسه مجداً عالميّاً، خاصة بعدما ابتكر عام 1914 شخصيّة «شارلو» في السينما الصامتة. تلك الشخصيّة التي أضحكت الجماهير في جميع أنحاء العالم، ومن خلالها انتقد مبتكرها قضايا العصر الحديث، السياسيّة منها، والاجتماعيّة، والثقافيّة وغيرها. وازدادت شهرة شارلي شابلن بعدما أبدع أفلامه الرائعة الأخرى مثل «الوثبة نحو الذهب» 1925 و»أضواء المدينة» 1931 و»الأزمنة الحديثة» 1936 و»الديكتاتور» 1940 .
يحتوي كتاب «جولتي حول العالم» على مقالات كان شابلن نشرها في صحف أميركيّة، وفيها يصف تفاصيل رحلته إلى أوروبا عام 1931. وكان انفصل آنذاك عن زوجته الثانية ليتا غراي التي اتهمته بإجبارها أحياناً على القيام بما «ينافي الحياء» على فراش الزوجيّة. لذا هاجمته بعض الصحف اليمينيّة والمحافظة ناعتة إيّاه بـ»المتفسّخ» و»الدّاعر»! في الآن نفسه، كان شابلن يشعر بنوع من الخوف نتيجة ظهور السينما المتكلّمة. وهرباً من ذلك كله قرّر القيام بجولة في بعض البلدان الأوروبيّة لتقديم فيلمه «أضواء المدينة». وفي الثالث عشر من شباط 1931، ركب الباخرة «مويتانيا» متجهاً الى القارة العجوز. وكانت لندن، مسقط رأسه، محطته الأولى. في لندن التقى شابلن الوزير الأول وينستون تشرشل الذي استقبله بحفاوة بالغة، ومعه تحدث عن «ثورة المستقبل». كما تحدث مع شخصيّات سياسيّة وثقافية وفكريّة مرموقة، وتبادل معها الأفكار والآراء حول قضايا مختلفة. وكان الزعيم الهندي الماهاتما غاندي بين تلك الشخصيات. ولم يفوّت شابلن فرصة الجلوس مع العمال قائلاً لهم إنه «واحد منهم»، وموحياً لهم أنه يقاسمهم مخاوفهم أمام الأزمة الاقتصادية التي كانت تعصف بالعالم في تلك الفترة. وفي ملجإ للأيتام كان عرفه خلال طفولته الشقيّة، وزّع الحلوى على الأطفال. وفي برلين، التقى شابلن النجمة الألمانية مارلين ديتريش، وشرب الشاي مع آينشتاين، وعاين الأخطار المحدقة بألمانيا بسبب الصعود السريع للنازيين. وفي فرنسا، تحدث مع أرستيد دو بريان، وارتاد مراقص شهيرة أمضى فيها ساعات من المرح واللهو برفقة راقصات جميلات. ومن أوروبا انطلق إلى آسيا ليقف مذهولاً أمام أفواج الجائعين والمعدمين والعاطلين عن العمل وضحابا الأزمة الاقتصادية الذين يعدون بالملايين، لذا طالب في كتاب «جولتي حول العالم» بوجوب الاهتمام بأوضاع العمّال. وبعدما أنجز فيلم «الديكتاتور»، و»الأزمنة الحديثة»، تعرض شابلن لهجومات عنيفة من الأحزاب اليمينية في الولايات المتحدة الأميركيّة، حتى أنها اتهمته بالتعامل مع الشيوعيين، وأعدّ جهاز الاستخبارات ملفاً ضخماً حوله ناعتاً إياه بـ»البلشفي».
إسعاد الناس
في كتاب «فلوتلايت»، وهو عبارة عن رواية قصيرة بـ150 صفحة، نجد شخوص فيلم «أضواء المدينة». وفيه يروي شابلن فصولاً من طفولته الصعبة في لندن، وبدايات ولعه بالسينما. كما يستعرض فيه قصة الحب الأولى التي عاشها مع فتاة تدعى هيتي كيلي توفت إثر إصابتها بالحمى الإسبانيّة عام 1918، وكانت في عمر الزهور. ولم ينس شابلن والدته التي أصيبت بالجنون، لذا خصص لها صفحات مؤثرة جداً في كتابه المذكور. وبعدما طرد من الولايات المتحدة الأميركية عام 1952، أي في فترة الماكارتيّة، وملاحقة المثقفين والفنانين المتهمين بالانتساب إلى الشيوعية، عاد شارلي شابلن إلى أوروبا فاستقبل استقبال الأبطال في لندن وباريس، أما في روما فقذفه يمينيون متطرفون بالبندورة وعلق على ذلك قائلاً: «لا أريد التحريض على الثورة. فكلّ ما أتمناه هو أن أنجز المزيد من الأفلام لإسعاد الناس، وتسليتهم».