سينتصر الياسمين على الموت
نصّار إبراهيم
دخل بيوتنا بكامل رصانته وهيبته واحترامه وخفّة دمه ورجولته الجميلة، فمنحناه صدر البيت والقلب.
«أبو صيّاح» رفيق سبيعي ابن البلد… ابن حيّ البزورية الدمشقي العريق، صاحب النخوة والهيبة وخفّة الروح والظلّ، يرحل بعد ست وثمانين سنة من الإبداع في المسرح والسينما والدراما والغناء. اليوم، يمضي ليغفو هادئ البال في مقبرة «باب الصغير» في دمشق.
«أبو صيّاح»، ذاكرة مرحلة وأجيال كاملة، ظلّل قلوبنا كالياسمين الشامي، امتدّ على شبابيك بيوت دمشق الشام وحاراتها، هناك شرب روح الانتماء التي لم تغادر أعماقه، فأصبحت ركيزة وثابتاً في أدائه الفنّي الراقي والأصيل.
«لقد استقيت مفردات شخصية أبي صيّاح من المحيط الذي وُلدت ونشأت فيه، حيّ البزورية، لم أكن أمثّل، ذلك لأنني عشتُ تلك المفردات ورنين لهجتها يتردّد في ذهني منذ الصغر»، هكذا يلخّص رفيق سبيعي الأمر. ببساطة ووضوح. فيا ليت فناني وفنانات الـ«هِشّك بِشّك» و«بوس الواوا» اليوم ينتبهون… ويتعلّمون!
سبع وثمانون سنة، لم يهدأ ولم يتوقف ولم ينكفئ أو يتهاون، بل بقي ملازماً جبهة الفنّ والثقافة بكامل حضوره. لقد رحل بعد أن ترك لنا ثروة مدهشة وعلامات فارقة في مسيرة الفنّ في سورية والعالم العربي.
يوم الخميس 5 كانون الثاني 2017، رحل رفيق سبيعي وفي القلب جرح عميق. رحل وهو ينظر في عيون العرب حزيناً وعاتباً يغمره الوجع.
رحل وهو ينظر في عيون العرب وفي عينيه ألف سؤال وسؤال: لقد أعطيتكم عمري فنّاً وثقافة وفرحاً، ملأت بيوتكم ضجيجاً جميلاً… فلماذا أدمعتم عيون الشام؟
لقد أعطتكم الشام أجمل ما لديها، فلماذا رميتموها بأسوأ ما لديكم؟
ونحن نودّع رفيق السبيعي، «أبا صيّاح»، «الزعيم»، نقول له: هي الشام باقية، لأنها تتّكئ على إرث حضاريّ وإنسانيّ وتاريخيّ وثقافيّ هائل ومدهش. لهذا، سينتصر الياسمين على الموت.