أردوغان المأزوم وحساباته الفاشلة …
سناء أسعد
ليست هناك أية غرابة بأن يتلى، دائماً، على مسامعنا تصريح تركي مغاير لسابقه، أو أن ننتظر تصرفا مخالفا تماما، لما يصرّح عنه لاحقاً.
فهذا التقلب أساساً، هو الصيغة الجوهرية التي تتلون بها السياسة التركية، ما يجعلها تفتقد إلى استراتيجية ثابتة في جميع مواقفها، فتشرع وتستبيح كل ما يخدم مصالحها، بغض النظر عما إذا كان هناك ثمن ستدفعه يوما ما.
لكن ما أثبته أردوغان اليوم، وسط سياسته المتقلبة تلك، أن الغدر والطعن في الظهر هما صفتان ملازمتان لشخصه، لا يمكن فصلهما عنه، مهما حاول أن يظهر بمظهر الرجل الصادق الذي يمكن الوثوق به. كما إنه لا يفرق في غدره بين من خصمه وحليفه.
المثير للسخرية حقا، هو أن أردوغان ظن بأنه يكشف للعالم سرا خطيرا، عندما اتهم واشنطن بدعم التنظيمات الإرهابية وبأن لديه من الأدلة مايكفي لإدانتها، متناسيا أنه كان الشريك الفعلي والوسيط الشرعي، المعتمد أساسا لدى واشنطن، في إيصال ذلك الدعم إلى داخل الأراضي السورية. بل وأكثر من ذلك، هو يحتل المرتبة الأولى في قائمة المسؤولين عن تصدير الإرهاب والموت والجوع وكل ما يمكن وصفه بالمعاناة والمآسي للشعب السوري.
ماذا اعتقد أردوغان أنه فاعل بإطلاق هكذا تصريح؟ هل سيوقظ المحاكم الدولية النائمة لمحاسبة إدارة أوباما قبيل رحيلها؟ أم إنه سيرعب أميركا ويجعلها ترتجف خوفا، فتتوقف عن دعمها وتسليحها للأكراد؟ أم اعتقد أن هذا التصريح سيكون بمثابة صك براءة له وإنه ممن غرر بهم ويستحق أن يشمله العفو الذي يمنح لمن لم تتلطخ أيديهم بدماء الأبرياء… كل شيء ممكن ووارد في حسابات أردوغان، التي فشلت فشلا ذريعا في سورية. وجرت رياح الحرب فيها، عكس ما يحب ويشتهي تماما. والفضل الأكبر يعود بالدرجة الأولى لأسطورة الصمود السورية، جيشا وشعبا وقائدا.
من يترقب المشهد التركي اليوم، يدرك تماما أن السلطان الواهم يتخبط بأزماته المتفاقمة، داخليا وخارجيا. ويمكن القول بأن عواقب عملية الإنقلاب الفاشلة ستكون وخيمة عليه، كما لو أنها نجحت. ويفسر هذا ما افتقرت إليه سياسته من حنكة وتعقل، في كيفية درء المخاطر التي يمكن أن تخلفها تلك العملية. وقام باجراءات تعسفية وجنونية وانتهاكات صارخة لأبسط الحقوق والحريات. وشن حملة اعتقالات كبيرة وغصت السجون التركية بكل من يعارضه، حتى لو بالنية، ملفقا لهم التهم المختلفة. بل وصل به استبداه وغروره إلى سجن شخص قال إنه يرفض تقديم الشاي له. وهو الذي كان يعطي لغيره دروسا في الديمقراطية، فيما هو أبعد شخص عن ذلك. وأقصى مايسعى إليه هو أن يستاثر بحكم تركيا لوحده، من دون أن يكون هناك أي دور فاعل لغيره.
وها هي خليلته «داعش» تصفه بالطاغية الأتاتوركي وتخرق منظومة الأمن التركي وتصيبها في عمقها، فتفجر وتهاجم حيث تريد وتشاء، دون أن يكون هناك ما يعيق تحركاتها. ففي الداخل التركي الألاف والألاف ممن يحملون عقيدة «داعش» وفكره المتطرف. وهم مستعدون لتقديم العون له. ويؤكد هذا سهولة تنفيذ العمليات الإرهابية التي حدثت في تركيا وآخرها ماحدث في ملهى ليلي.
كما أن «داعش» ألحق به خسائر فادحة، سواء أكان في العتاد العسكري أو البشري، في معركة الباب. وأعداد قتلى وجرحى الجنود الأتراك هناك، يضاهي ما تم الإفصاح عنه إعلاميا بكثير. فجيش تركيا – أردوغان الذي هزم «داعش» في جرابلس بمسرحية بطولية فريدة من نوعها، ترهقه مواجهته في معركة حقيقية في مدينه الباب، فاضطر صاغرا لطلب مساعدة التحالف الدولي. وتصريح نعمان قورتلموش بأن تركيا لديها من الخبرة والقوة مايكفي لخوض تلك المعركة لوحدها، عار عن الصحة ومجرد عنتريات زائفة لا تمت للواقع بصلة. بدليل أنهم توجهوا إلى طلب المساعدة من روسيا، بعدما رفض التحالف تقديمها لهم.
أردوغان اكتشف مؤخرا أنه يغرق في مستنقع الحرب السورية وإنها ليست مجرد نزهة وبالسهولة التي تخيل، لكنه لا يريد أن يخرج منها، من دون أن يحصل على مكاسب ترضي غروره وتخفف من وطأة هزيمته وانهيار أحلامه العثماتية في سورية. إن لم يكن في الميدان، ليكن في السياسة. وهذا ما لم يحصل على الإطلاق.
ويبقى السؤال هنا: هل سيستدير أدوغان نحو سورية بشكل جدي، كما يقال، أمام إصراره على غروره وعنجهيته؟ وهل ستخرجه تلك الاستدارة، إن حصلت، من أزماته في الداخل؟ فالإرهاب بدأ يضرب أرجاء تركيا و«الربيع العربي» بدأت أجراسه تقرع فيها. وماحذر منه الرئيس الأسد مسبقا، يتحقق اليوم. ولن يكون الكرد هم الخطر الوحيد الذي يهدد الأمن القومي التركي وربما سيبدأ الجميع بعدّ الأيام المتبقية للطاغية أردوغان على كرسي الحكم.