لهذه الأسباب… لا نعوّل على مؤتمر أستانا
هشام الهبيشان
من جديد تزدحم الأحداث السياسية الخاصّة بملفّ الحرب على الدولة السورية، وسط حديث عن جولات جديدة لمؤتمرات جديدة «أستانا 1»، والواضح أنّ هذه الجولات وهذا المؤتمر لن يتمكّن من تحقيق أيّة إنجازات، وخصوصاً أنّ الأحداث العسكرية الجارية بمحيط دمشق «وادي بردى» وقطع المجاميع المسلّحة المياه عن دمشق وبتوجيه من رُعاتها، قد أثّرت سلباً على الحديث عن حلول سياسية للحرب المفروضة على الدولة السورية. وبالإضافة لما يجري في الميدان، فهناك العديد من الصعوبات والمعوقات المتمثّلة بـ«المعارضة» وداعميها، وتمسّكهم بالشروط نفسها التي أفشلت المؤتمرات السابقة.
لقد كانت المؤتمرات السابقة شاهداً على مهزلة سياسية وأخلاقية، حيث اتّضح أنّ المطلوب من وجهة نظر المعارضة الخارجية هو تسليمها السلطة، ومن هنا يبدو واضحاً أنّ استعراض مجموع اللقاءات والمؤتمرات التي عقُدت في هذا الإطار الخاص بإنهاء الحرب على سورية، نجد أنّ كلّ ما قامت به هو إشباع الإعلام بالصور النادرة عن نجاحات الدول الوسيطة في التفاوض وعن فرص للتقدّم المأمول، مع أنّ تلك الدول جميعها تدرك أنّ الوصول إلى نتائج فعلية ليس ممكناً في هذه المرحلة. وفي حال التوصّل إلى حلّ ما، فإنّه سيكون مرحليّاً أو خطوة في طريق طويل صعب ومعقّد، ستبقي سورية في معمودية النار حتى وقت غير محدّد.
لقد تعلّمنا من التاريخ دروساً بأنّ أزمات دولية ـ إقليمية ـ محلّية مركّبة الأهداف كالحرب التي تُدار حالياً ضدّ سورية، لا يمكن الوصول إلى نتائج نهائية لها بسهولة، لأنّها كرة نار متدحرجة قد تتحوّل في أيّ وقت إلى انفجار إقليميّ، وحينها لا يمكن ضبط تدحرجها أو على الأقلّ التحكّم بمسارها، فالحلول والتسويات تخضع للكثير من التجاذبات والأخذ والردّ قبل وصول الأطراف الرئيسية المعنيّة إلى قناعة شاملة بضرورة وقف الحرب. وفي هذه الحال، لا يمكن التوصّل إلى حلّ في المدى المنظور ما لم تنضج ظروف التسويات الإقليميّة والدولية.
اليوم، ومع تفاؤل البعض بقرب انطلاق مسار الحلول الغامضة حتى الآن بمؤتمر «أستانا 1»، والخاصة بالوصول إلى حلّ سياسي للحرب المفروضة على الدولة السورية، استكمالاً لمجموعة لقاءات ومؤتمرات ومنتديات واجتماعات، مروراً بمبادرات دي ميستورا وغيره، يبدو واضحاً في هذه المرحلة أنّ مسار الحلول «السياسيّة» ما زال مغلقاً حتى الآن، وخصوصاً أنّ استراتيجية الحرب التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها اتجاه سورية بدأت تفرض واقعاً جديداً، فلم يعد هناك مجال للحديث عن الحلول السياسية، فما يجري الآن ما هو إلّا حرب مستمرة وبأشكال مختلفة على الدولة السورية، فاليوم مصادقة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، على ميزانيّة وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» لعام 2017، والبالغة 619 مليار دولار أميركي، بعد أن أقرّها الكونغرس بمجلسيه، وتضمنّت بنداً يمهّد الطريق لتزويد المجاميع المسلّحة في سورية بصواريخ مضادّة للطيران مع استمرار تدريب ما يُسمّى بالمعارضة السورية ببعض دول الجوار السوري. وحديث الرئيس المنتخب ترامب عن نيّته إقامة مناطق آمنة بسورية وبتمويل ودعم خليجي، يؤكّد استمرار أميركا وحلفائها في حربهم المباشرة وغير المباشرة على سورية، ويؤكّد بما لا يقبل الشكّ في أنّ أيّ حديث عن تغيّر في رؤية واشنطن لمسار الحلّ في سورية ما هو في النهاية إلّا حديث وكلام فارغ من أيّ مضمون يمكن تطبيقه على أرض الواقع، فأميركا وحلفاؤها في الغرب والمنطقة كانوا وما زالوا يمارسون دورهم الساعي إلى إسقاط الدولة السورية بكلّ أركانها بفوضى طويلة تنتهي حسب رؤيتهم بتقسيم سورية.
واشنطن وحلفاؤها ما زالوا يمارسون نفس المنهجية والاستراتيجية بحربهم على سورية، ومن هنا سيلاحظ معظم المتابعين، وبوضوح، أنّ التعويل على الحلّ السياسي في سورية، في هذه المرحلة تحديداً، فاشل بكلّ المقاييس، لأنّ الرِّهان اليوم هو على الميدان فقط، واليوم عندما نتحدّث أنّ لا رِهان إلّا على الميدان، لأنّنا ندرك أنّ الدولة السورية ما زالت قادرة على أن تبرهن للجميع أنّها قادرة على الصمود، والدليل على ذلك قوة وحجم التضحيات والانتصارات التي يقدّمها الجيش العربي السوري بعقيدته الوطنية والقومية الجامعة، والتي انعكست مؤخّراً بظهور حالة واسعة من التشرذم لما يُسمّى بمجاميع المنظمات المسلّحة العابرة للقارات.
إنّ حالة التشرذم داخل هذه المجاميع المسلّحة، يقابلها حالة صمود وصعود لقوة الجيش العربي السوري في الميدان، واستمرار هذا الصعود من شأنه أن يضعف الجبهة الدولية الساعية إلى إسقاط سورية بكلّ الوسائل والسُّبُل.
وبالعودة إلى مسارات الحلول السياسيّة، سنقرأ من دروس التاريخ تجربة مؤتمر «جنيف» بفصوله كاملة، فقد كان هذا المؤتمر شاهداً على طريقة تعامل الأمم المتحدة والموفدين الدوليين، من كوفي عنان إلى الأخضر الإبراهيمي إلى ستيفان دي ميستورا، مع مسارات الحرب على الدولة السورية، ولقد كان مؤتمر «جنيف» امتحاناً لمؤسسة الأمم المتحدة والدول الداعمة للإرهاب على أرض سورية، لكشف نواياهم الحقيقيّة وأهدافهم من عقد هذه المؤتمرات بفصولها المختلفة، وتدرك تلك الدول أنّ أيّة تسوية فعليّة للحرب على الدولة السورية يجب أن تعكس أوّلاً تفاهماتها على مجموعة من الملفات، وبعد وصولها إلى تسويات حقيقية، عندها يتمّ الحديث عن إمكانية وضع حلّ للحرب على الدولة السورية.
اليوم، من الواضح أنّ جميع المعطيات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة تشير إلى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليميّين والدوليين، وهذا بدوره سيؤدّي إلى المزيد من تدهور الوضع في سورية وتدهور أمن المنطقة ككلّ. وهذا ما تعيه الدولة السوريّة، فمجموعات القتل المتنقّلة في سورية ما زالت تمارس علانيةً القتل والتخريب التدمير، ولدى المنظمات الدولية، بما فيها المنظمات التابعة للأمم المتحدة، أدلّة كثيرة وموثّقة على عمليات القتل والتعذيب والتخريب التي تقوم بها العصابات الإرهابية، ومن هنا نقرأ أنّ تشعّب الملفات الإقليمية والدولية وتداخل جهود الحلّ، سيعقّد مسار الحلول لحرب لا تزال تدور في فلك الصراع الإقليمي والدولي، ولهذا لا يمكن اليوم أبداً التعويل على مسار الحلول السياسية للحرب على سورية، لأنّ مصيرها الفشل، ولا بديل اليوم عن استمرار انتفاضة الجيش العربي السوري في وجه كلّ البؤر المسلّحة في العاصمة دمشق وريفها الشرقي والغربي خصوصاً، وفي جنوب سورية درعا والقنيطرة وببعض أرياف حماه وحمص وبالشمال والشمال الغربي بأرياف حلب وإدلب وأريافها وبشمال شرقي وشرق سورية بدير الزور والرقة وبعض أرياف الحسكة، وو.. إلخ. فهذه الانتفاضة والإنجازات المستمرّة هي من ستشكّل وشكّلت حالة واسعة من الإحباط والتذمّر عند الشركاء في هذه الحرب المفروضة على الدولة السورية، ما سيخلط أوراقهم وحساباتهم لحجم المعركة من جديد.
ختاماً، من كلّ ما تقدّم، نستنتج أنّ جميع المؤتمرات لا يمكن التعويل عليها كنافذة للخروج من تداعيات الحرب على سورية، ولا بديل اليوم عن الاستمرار بالحسم العسكري لتطهير أرض سورية من آفة الإرهاب. وعند القضاء على آخر إرهابي في سورية، عندها ستكون سورية جاهزة لإعلان حلول وقت الحلول، وعندها أعتقد أنّ «مؤتمر دمشق» سيكون هو الحلّ الوحيد والمكان الوحيد لإنجاز حلّ سياسي داخلي سوري يُجمع عليه معظم السوريّين، وخصوصاً مع بدء عودة بعض المعارضين إلى دمشق.
كاتب وناشط سياسي الأردن.
hesham.habeshan yahoo.com