اختبار الوحدة الفلسطينية في بيروت بتشجيع برّي لدورة «كبوجي» للمجلس الوطني عون يُنهي زيارة ناجحة للرياض بفتح ملف الهبة وعودة السياح والحوار للخلافات
كتب المحرّر السياسي
موقع لبنان كجسر للحوار عندما يتحقق الوفاق بحدّه الأدنى بين مكوناته وقواه الرئيسية يضيء فوراً شموع الأمل لتفاهمات تتسع دائرتها على جغرافيته. ففي الوقت الذي أدّت الانقسامات اللبنانية خلال سنوات بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار إلى نشوء معسكرات محلية مشابهة في أكثر من بلد عربي، ونشوء معسكرين عربيين وإقليميين بهذين الإسمين، يبدو التوافق اللبناني فرصة عربية إقليمية للعدوى المعاكسة، طالما أن أصل الانقسام اللبناني هو في التموضع الذي يتخذه اللبنانيون نحو قضايا المنطقة، خصوصاً بين خياري المقاومة والمساومة. وقد قاربت جولات المواجهة على حط رحالها نحو انتصار بائن لخيار المقاومة ومحورها وقواه في سورية من بوابة حلب، لم تكن الانتخابات الرئاسية اللبنانية بعيدة عن مناخاتها، ولا كانت المناخات التوافقية منفصلة عن التأقلم مع صورة جديدة لخريطة المنطقة، فما قبل حلب ليس كما بعدها، وفقاً لمعادلة الرئيس السوري بشار الأسد.
في سياق تأكيد معادلة أن «ما بعد حلب ليس كما قبلها»، جاءت اجتماعات أنقرة للوفود التركية الروسية لبحث الهدنة في سورية ومستقبل اجتماعات أستانة للحوار السياسي، فخسرت تركيا المهزومة في حلب محاولة التصرف كمنتصر يُملي الشروط ويحدّد المنضبِط والمنتهِك للاتفاقات. فقد حسمت موسكو الجدل ببيان مشترك مع أنقرة وصف الجماعات المسلحة التي تخرق وقف النار في وادي بردى بالجماعات الإرهابية، ودعا البيان سائر الجماعات المسلحة إلى الإسراع بحسم موقعها بين خيار الحل السياسي وخيار الإرهاب، تمهيداً لاجتماع أستانة.
في قلب هذه الصورة الإقليمية الجديدة جاء انعقاد اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني في بيروت كثمرة لتشجيع متواصل خلال عامين من رئيس مجلس النواب نبيه بري للفصائل والقيادات الفلسطينية، مقترحاً بيروت لاستضافة لقاء مصارحة ومسامحة وحوار يعيد التأسيس للوحدة الوطنية الفلسطينية، ويلاقي التحديات، ويبدو أن ما جرى في المنطقة وما تشهده فلسطين شكل الحافز الذي فرض التوقيت، فتمّت التلبية وتمّ الاجتماع، الذي تشير المعلومات المتداولة بين المشاركين فيه من قادة وشخصيات من داخل الأراضي المحتلة ومن خارجها وبتمثيل جامع لكل الفصائل، أن الأمور تسير وفقاً للتمنيات، أكثر من التوقعات، فدرجة التفاهم على الخطوط الأساسية تبدو قريبة من تحقيق نقلة نوعية في العمل الفلسطيني المشترك، معلنة نجاح اختبار الوحدة الذي تمنّى بري على المجتمعين تتويجه بالدعوة لدورة للمجلس الوطني الفلسطيني تحمل اسم المطران الراحل إيلاريون كبوجي.
على ضفة موازية، كان الاختبار الأصعب لزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فرصة لتحقيق نجاح لبناني سعودي، قابل للتحوّل إلى ما هو أبعد، في ضوء درجة الصراحة التي عرفتها المحادثات، خصوصاً تلك التي تمّت مباشرة بين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس ميشال عون، وتطرقت للوضع في سورية ولمشاركة حزب الله في الحرب، وصولاً لاتفاق على اعتماد الحوار في قضايا الخلاف ومعالجة ذيول المرحلة السابقة، سواء بقرار الملك سلمان التوجيه باعتماد بيروت وجهة سياحية أساسية للسعوديين، أو إعادة فتح ملف الهبة العسكرية السعودية للجيش اللبناني والقوى الأمنية، أو في تشجيع التفاهمات بين الوزارات المعنية في البلدين.
وفيما يزور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم قطر للقاء أميرها تميم بن حمد آل ثاني في زيارة تكتسب أهمية لكونها ستتناول قضية حساسة تتعلق بالعسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش الإرهابي، رطبت زيارة رئيس الجمهورية على رأس وفد وزاري رفيع العلاقة بين السعودية ولبنان وعدّلت بالموقف السعودي التصعيدي ضد لبنان، لكن النتائج الاقتصادية للزيارة ستتحقق عندما يتخذ قرار على مستوى دول الخليج بالانفتاح الاقتصادي على لبنان.
وعقد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في قصر اليمامة بالرياض، جلسة مباحثات رسمية مع رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، جرى خلالها استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات، وتطورات الأحداث في الساحتين العربية والدولية.
تناولت المباحثات ملفات التبادل التجاري وانتقال الأشخاص والبضائع وحركة الطيران والتمثيل الدبلوماسي على أعلى مستوياته بين البلدين فضلاً عن التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب ودعم لبنان أمنياً وعسكرياً.
وعُلم أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون طلب دعم الجيش لمواجهة الإرهاب والتحديات الأمنية الأخرى، ومن ضمن ذلك موضوع الهبة. وطلب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز متابعة هذا الموضوع مع الوزراء المختصين لمعالجته. وبالنسبة إلى التمثيل الديبلوماسي، كان الملك سلمان متجاوباً، وحرص على التشديد على دعم لبنان ومساعدته في كل النقاط التي أثارها عون.
وقد وضع رئيس الجمهورية مع الملك سلمان أسس معالجة المواضيع التي أثارها، وعلى الوزراء متابعة الموضوع مع نظرائهم بإيجابية مطلقة. ووجّه عون دعوة للملك سلمان لزيارة لبنان، معتبراً أن صفحة جديدة من العلاقات اللبنانية – السعودية فتحت، وأنها عادت الى طبيعتها، وما سمعه من الملك سلمان يؤكد ذلك.
وفي الوقت نفسه نفت مصادر الوفد اللبناني ما تمّ تداوله عن إنهاء السعودية تجميد المساعدة العسكرية.
وأكد وزير الخارجية جبران باسيل بعد لقائه نظيره السعودي عادل الجبير أن «المرحلة الجديدة تستوعب الكثير من التمايزات اللبنانية، وقد استوعبتها، ليكون لبنان عامل جمع بين إخوانه العرب».
ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» الى أن «رئيس الجمهورية يحاول من خلال هذه الزيارات استعادة ثقة المجتمع الدولي والعالم بالدولة اللبنانية بعد فراغ دام لسنوات عدة، كما يعمل عون لتحسين الاقتصاد اللبناني واستعادة رأس المال السعودي والاستثمارات والسياح الخليجيين الى لبنان مع إنهاء تجميد الهبة السعودية المخصصة للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، في إطار وضع استراتيجية دفاعية لمكافحة الإرهاب وردع الاعتداءات الإسرائيلية».
لكن المصادر شككت بـ«قدرة السعودية المالية دفع أربعة مليارات لفرنسا لتزويد الجيش بالسلاح، كما شككت في قدرة السياح أو رجال الأعمال السعوديين المالية الانفاق والاستثمار في لبنان».
واستبعدت المصادر أي جدوى لدور إيجابي للرئيس عون على صعيد تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية، معتبرة أن المملكة ليست جاهزة للانفتاح على إيران الآن، ولا حتى عقد محادثات أو مفاوضات علنية معها، إذ إن السعودية لم تقتنع بعد بهزائمها وخسائرها المالية الفادحة في المنطقة، وإن أرادت التنازل، فالأفضل أن تتنازل لروسيا مقابل ملفات تتعلق بأمن الخليج والملف السوري».
وأكدت المصادر أن طهران ودمشق لا تنظران بعين القلق حيال انفتاح عون على السعودية، إذ إن هاتين الدولتين مطمئنتان الى إدارة هذا الملف من قبل السيد نصرالله والتنسيق مع حليفه الرئيس عون الذي يذهب إلى السعودية من موقع القوة وليس الضعف، لا سيما أن الزيارة جاءت عقب الانتصارات التي يحققها محور المقاومة في سورية والمنطقة وخصوصاً في حلب».
وقالت مصادر مطلعة إن «زيارة الرئيس عون الى السعودية وقطر منسقة مع حزب الله الذي ليس لديه أي مشكلة حيال الزيارات الخارجية التي يقررها عون والتي تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة لبنان»، مشيرة الى أن «الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أعلن ثقتة الكاملة بعون، وبالتالي لا يقلق من زياراته الخارجية»، وأوضحت أن «هذه الزيارات تأتي في سياق التوافقات الداخلية التي حصلت منذ انتخاب عون». وكشفت المصادر عن «زيارات سيقوم بها عون في وقتٍ قريب الى إيران ودول أخرى من بينها سورية».
جلسة لمجلس الوزراء اليوم
وتُعقد اليوم في السراي الحكومي أول جلسة لمجلس الوزراء برئاسة الرئيس سعد الحريري للبحث في جدول أعمال من 11 بنداً أبرزها مشروع مرسوم يرمي إلى تعديل النظام المالي من مرسوم هيئة إدارة قطاع البترول المؤجل من جلسة الأسبوع الماضي وتشكيل خلية وزارية لمتابعة مختلف أوجه موضوع نزوح السوريين إلى لبنان.