ثريا عاصي تحكي الحرب على سورية
نبيل المقدم
صدر حديثاً كتاب «حكاية حرب» للزميلة الإعلامية ثريا عاصي. الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات عن الحرب التي تشنّ على سورية، كتبتها عاصي ما بين عامَي 2011 و2016 في عدد من الصحف اللبنانية. وأوّل ما يستوقف القارئ، أسلوب ثريا الرشيق والسلس الذي يشدّ القارئ من بداية الكتاب حتى نهايته.
قدّم للكتاب الإعلامي حسن حمادة، والذي يقول: «حين تكتمل معادلة الرأي والتحليل والتوقع، تكون البوصلة الصحيحة التي لا تخطئ إلا استثناء، وهذا سرّ نجاح افتتاحيات الكاتبة الراقية السيدة ثريا عاصي».
بالفعل، لا يسع قارئ كتاب «حكاية حرب» إلا أن يُعجَب بدقة التحليل عند عاصي، خصوصاً في تناولها الأزمة السورية من زوايتها القومية. فالحرب على سورية لم تقم بهدف إصلاح النظام أو تغييره نحو الأفضل. هي حرب هدفها إسقاط سورية وتدميرها باعتبارها دولة محورية في المنطقة لم تستسلم لكلّ الضغوطات الهائلة التي مورست عليها من أجل القبول بصلح مع الكيان الصهيوني، يصيب الأمة مقتلاً في حقوقها القومية. وهي لم تقبل، رغم الإغراءت الاقتصادية والسياسية كلّها، بالتخلّي عن دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين
وقَطع علاقاتها بحليفتها إيران، والتي تنطلق في عدائها لـ«إسرائيل» من موقف مبدئيّ عقائديّ أكثر منه سياسيّ. وعلى أساس هذا الموقف، تُقدّم كلّ أشكال الدعم لسورية وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان. وبسبب هذا الموقف حوصرت اقتصادياً من قبل الولايات المتحدة وأجريت محاولات لوقف نموّها العلمي والتكنولوجي، لا سيما في مجال استعمال الطاقة النووية لأغراض سلمية. وجُمّدت أرصدتها في البنوك الأميركية.
ثريا عاصي في كتابها «حكاية حرب» الصادر عن «دار أبعاد للنشر»، تحيط بهذه الأمور كلّها، وتحلّل أبعادها وتتوقع نتائجها.
قيمة الكتاب أيضاً في أنه ثريّ بالمعلومات التي جمعتها عاصي عن الحرب المقامة ضدّ سورية، من مصادر متنوّعة، وهذا دليل على مهنيّتها.
إنه كتاب دقيق وواضح ومتجانس يضع على المشرحة كلّ مكوّنات الأزمة السورية الداخلية والخارجية. ويقوّمها بشكل مفصّل ومنهجيّ. تحاول فيه كاتبته اعتماد أكبر قدر من الموضوعية، وبذلك تكون قد بنت جسوراً من الثقة مع القارئ.
وقوف ثريا عاصي في كتابها مع الدولة السورية في حربها ضدّ الإرهاب لا يعني
أنها تعفي الحكم في سورية من جردة حساب بالأخطاء التي ارتكبها، وهذا يدلّ على أن الكاتبة تكتب بعقل منفتح، ولا تتعمّد التضليل أو اجتزاء الحقائق. فمن واجب الصحافيّ أو الكاتب، في ظروف كالظروف التي تشهدها المنطقة، أن يعي رسالته جيّداً، وألّا يحاول بقلمه تبييض صفحات كثرت فيها الأخطاء، وقلّت فيها الإنجازات. وهذا ما فعلته ثريا عاصي بالضبط في كتابها. بجيث جاءت أحكامها على المشهد السوري خالية من المواقف المسبقة.
في كتاب ثريا عاصي يستوقف القارئ مقال بعنوان «السوريون القوميون». في هذا المقال توجّه عاصي تحية إلى السوريين القوميين الاجتماعيين، الذي يقاتلون المشروع الصهيوني على امتداد مساحة الأمة. تُبدي إعجابها بأفكارهم العابرة كلّ حواجز الطائفية، وتشبّثهم بعقيدتهم التي وضعها الزعيم أنطون سعاده، والتي على هديها يقاتلون المجموعات الإرهابية في سورية جنباً إلى جنب مع الجيش السوري.
وتقول: «إنّ ما حملني على تناول هذا الموضوع هو هو تواجد السوريين القوميين بشكل أو بآخر على جميع جبهات التصدّي للعدوان الذي تتعرّض له البلاد السورية. فبالأمس قرأنا بياناً بِاسم المقاومين السورييين القوميين في قطاع غزّة، كما أنّه لا يُخفى على أحد قتال السوريين القوميين دفاعاً عن سورية، بمعنى أنهم يظهرون في كلّ المشهد من سورية إلى قطاع غزّة. بل هم يكادون أن يتفرّدوا في كلّ مكان عن الأحزاب السياسية العربية الأخرى، أو ما تبقى منها، والتي تقاتل ضدّ المستعمرين».
في هذا المقال، تضع الزميلة عاصي الحقيقة في نصابها الصحيح. وتشهد بموضوعية لاستراتيجية الحزب السوري القومي الاجتماعي واضحة الأهداف، والتي لا تعترف بحدود «سايكس ـ بيكو». «الأمة السورية مجتمع واحد»، مبدأ وضعه سعاده لا يحيد القوميون الاجتماعيون عنه.
كتاب «حكاية حرب»، دراسة معمّقة، لا للأوضاع في سورية فقط، بل للأمّة كلّها، وهو يقدّم وصفاً بارعاً للأزمة السورية ومخاطر استمرارها حتى على الذين أشعلوا فتيلها.
كاتب وإعلامي