قالت له
فالت له: عندما أراك أكتفي من قول كلام كثير. عندما أسمعك أتخلّى عن كلام كثير. وكم أكون قد خبّأت في سرّي كلاماً فيسقط من النظرة الأولى والابتسامة الأولى، ومن ابتدائك بالكلمة الأولى. وتأخذني ابتسامتك بغزوٍ يجبرني على المبادلة بمثلها، ويطغى تفاوض بالنظرات يصوغ اتفاقاً على عدم إفساد اللحظة. وتكون أنت المنتصر وأنا المهزومة، لأنني جئت وقد حزمت أمري على المواجهة، وربما على أن يكون ذلك لقاءنا الأخير فأودّعك وأقول ما عندي وأمضي.
فقال لها: أليس ما تمّ بيننا في هذا اللقاء كمثل ما يتمّ في سواه؟ وهل تغيّرت ابتسامتي أو كلماتي وها أنت تقولين أقسى الكلام، لكنّك تقولينه بلغة النسبة إلى ما مضى لا الآن؟ فعل الآن تنوين قول شيء آخر كمثل لقاء الوداع.
فقالت له: كنت أخشى أن تأخذ كلامي لفحصك المنطقيّ فيضيع ما فيه من نبض عاطفة صادقة ومشاعر جميلة، وتصير قضيتك إثبات ضعفي. فهل يرضيك أنك تكتشف وتراني أقبل منك أن تختال كمنتصر مرّة أخرى؟
فقال: العكس هو الصحيح، فقد أردت إثبات ميلك الدائم للظهور كمسامح كريم وضعيف سقيم وصاحب تضحية لا تثمّن ولا تقدّر، بينما نظرتي إلى الفرح بالوصال وجميل المقال والتخلّي عن تعالي أحدنا، وبحثه عن كيف يكون شهيد الحبّ وضعيف القلب، وأنه لولا صدق حبّه وتدفّقه لصال وجال واختال، لكنه مسكين وحزين. بينما أنا أقول لك كم هو جميل ألّا أرى سخافات كثيرة بعين صغيرة، وأراك تختالين وتتغاوين فأبتسم لاكتشاف أنوثتك تستدرج النظرات والكلمات، وأراك نبضاً يتدفّق ونبيذاً يتعتّق، وأثق أنك لا ترغبين بأكثر من ثقتي تصير أوثق، فأمنحك ما تريدين لأرى كيف يكون ختام المشهد، وأنت تمتلئين غروراً وتفرحين، والأصل أن الحساب والتحاسب والعتاب والتعاتب تصلح لشراكة التجار والسياسة، لكنها في الحبّ عندما لا يكون قد صار في مرتبة العزوف والهجر والابتعاد برضا يصير بحثاً عن فتح أرصدة لحساب لا يصلح لإصدار شيكات وسندات، ويكفي ترصيد المشاعر فيه بالابتسامات والفرح.
فقالت له: وهل رأيت من كلامي إلا تمجيداً للابتسامات والفرح لتأخذني إلى استماع درس في فهم مختلف بدلاً من أن تعترف بأنّي أجلس في ديوان الحبّ، وأنت تقف؟ فقف ما شئت وأنا سأمدّ قدمي في ديوانه ولن أقف، وغادِر إن شئت ألا تعترف.
فقال: والله لن نختلف.
فقالت: إذاً اِعترِف.
فقال: سأجلس فوق السقف.
فقالت: وعين لن ترفّ.
فقال: وقلب نزف.
فقالت: قبّلني ولا تعفّ.
فقال: دعيني أنظر لعينيك وفي المرّة الثانية أصف.