عشق الصباح
كان المطر شديد الغزارة، والموج كأنه يريد الانفلات من الحاجز الصخري ليجول في شوارع المدينة المتّكئة على كتفه بأمان. ثمة نوارس تمرّدت على نزق الطبيعة، وراحت تعاند العاصفة، تعلو وتهبط بأجنحتها بطيران منخفض. وكان الكورنيش البحري شبه خالٍ، وأنا أراقب صيّاداً تجاوزته سنون العمر بلحيته البيضاء كصفاء وجهه، وفي عينه أسئلة حائرة ودمعات حبيسة، يحاول التشبّث بصنارة صيد قديمة، كي لا تفلت من يديه الممسكتين بها بقوة. لا أدري لِمَ دفعني الفضول أو حبّ المعرفة إلى ترك طاولتي في المقهى الشعبي المطلّ على البحر؟ وأتيته متسائلاً عن سرّ وجوده في هذا الجوّ العاصف بالمطر والريح. بعدما ألقيت عليه التحية وردّها بأحسن منها من دون أن يلتفت نحوي، قلت خجلاً من تدخلي في شؤونه: «عفواً، ما الذي يدفعك إلى البقاء في هذه العاصفة المجنونة؟». لا أستطيع وصف نظراته ولا أن أُترجم تعبير تجاعيد وجهه المسكون بالحزن. قال بصوت مخنوق: «لقمة العيش!»، وتابع وهو يقبض على الصنارة بعزم: «المهم ألّا أحتاج إلى أحد».
ما سرّ الكلمات التي لم تُقرأ، أقرأ في هذين العينين وفي هذا الوجه المشرق بالضوء؟ لم أجد كلمة أقولها؟ رددت وأنا أقف أمام البحر: «مهما نسيت فلن أنسى به زمناً… صفا فكدّرت الأيامُ صافيهِ ».
بيت الشعر للشاعر منتجب الدين العاني.
حسن ابراهيم الناصر