فلسطين في الفاتيكان للمرة الأولى
روزانا رمّال
الجمعة 13 كانون الثاني، هو يوم جمعة الأمل الذي يولد من الفاتيكان الى العالم من الأراضي «المطوّبة» للأراضي «المقدسة» من الأرض التي تحكي جمعة السيد المسيح وآلامه، لعلّ الآلام «مهد» المسيح ترفع للعالم صوتها وتتمسّك بعلم فلسطين الذي رفضت دول غربية كبرى الاعتراف بها كدولة مستقلة تتعاطى معها سياسياً على هذا الاساس بالحد الادنى. جمعة تحمل رقم 13 لن تكون يوم «نحس»، كما أجاد العرافون ومَن يعملون بمجال الطاقة، بل ستكون جمعة نور وسلام وعيش مشترك، جمعة الإنسانية بامتياز.
فلسطين الإنسان والإنسانية تتحمّل عن العالم تقاعس العالم المسيحي عن التمسك، كما العالم الإسلامي أو «مَن استطاع إليه سبيلاً» بوجوب تحرير الأراضي المقدسة من الاحتلال «الإسرائيلي»، فلسطين التي باتت منسية منذ اندلاع الأزمات العربية التي أسست لأكثر من نكبة ولأكثر من فلسطين.. فلسطين التي تتحضّر لمرحلة مغايرة يبدو أن البابا فرنسيس أخذ على عاتقه نقلها لأكبر عدد ممكن من المسيحيين علّها تكون بادرة مؤسسة لفكر يحمل القضية الفلسطينية لأرفع من مسألة تسييس أو تطييف لتصبح محطة جامعة.
الأمل المفقود من العرب وفلسطين «المعدومة» على جدول أعمالهم من سنوات يأخذ نحو بديهية ألا تكون خطوة افتتاح سفارة في فلسطين مسألة ذات أهمية بالنسبة إليهم، ولا يجب ان يصرف الوقت او يبذل الجهد في تحليل مدى تأثير هذه الخطوة على سياساتهم المحلية والخارجية تجاه الأراضي المقدسة، بل إنّ الخطوة ليست الا مدخلاً لتعاطٍ من نوع آخر وفي مكان آخر… «أوروبا».
فلسطين وأوروبا في عالم يتغيّر. ليستا الا ناقوس الخطر الأكثر خطورة الذي يجب ان تراقب تداعيات ضجيجه «إسرائيل» التي يجب عليها أن تقلق بعد الآن. دولة الفاتيكان بما تمثل من مرجعية مسيحية تدرك جيداً أن الاعتراف المتأخر بضرورة وجود سفارة فلسطينية في أراضيها ليس إلا اعترافاً أو إدانة لمرحلة سابقة كان وجود سفارة فيها ممنوعاً او محجوباً او ما شابه. تتحدث المعلومات عن جهاز استخباري بارع تحوزه دولة الفاتكيان ويتعامل بشكل جيد مع ما يجري بمحيطه وينسجم أيضاً انسجاماً كلياً مع سياسات الدول الأوروبية ومناخاتها في أكثر المحطات مصيرية. الفاتيكان لا تجازف اليوم إنما تعلن عن مرحلة جديدة تعيشها أوروبا يجب التنبه إليها، ولدى الفصل بينها وبين المعطيات الغربية السابقة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتغير أشكال السلطة في أكبر دولتين فيها وتهديد أخرى.
بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي وانقلبت على حكومة كاميرون بسلاسة أنتجت حكومة مستعدة للذهاب أبعد من مسألة التبعية لمقررات أميركية أدت لإضعاف الموقف البريطاني في الشرق الأوسط والعالم وإنهاك اقتصاده بالكامل. فرنسا ايضاً التي حسمت فيها مسألة التغيير في هوية الرئيس المقبل، سواء فاز فيون الأوفر حظاً او ألان جوبيه تتجه ايضاً نحو معارضة التحديات الاميركية التي فرضتها في عهد الرئيس باراك اوباما..
ألمانيا ايضاً تتخوف من صعود تيارات شعبية، فماذا يعني ان تتوجه أوروبا نحو الشعبوية، وما علاقة هذا بالملف الفلسطيني؟
يفيد التذكير هنا، بأنّ مجلس العموم البريطاني كان قد وافق على الاعتراف بدولة فلسطين إضافة الى خطوة مماثلة في السويد اعترفت فيها بحقوق الفلسطينيين ما أغضب «إسرائيل» بشكل لافت حينها. التوجه الأوروبي نحو عدم تقديم الأعذار لـ»إسرائيل» ساد المرحلة السابقة، وهو مستمر حتى اللحظة التي باتت فيها الشعوب تراقب بنفسها «الظواهر» وتصنع أخبارها من معاينات فتحتها وسائل التواصل الاجتماعي على مصراعيها.
عجزت الأمم المتحدة في الآونة الاخيرة عن التستر عن إدانة «إسرائيل» في مجازر ضدّ الأطفال بغزة والأهمّ أنّ العالم الذي يتوجّه نحو نبذ الإرهاب كـ»شعوب»، وهو العالم الذي توحد اليوم حول مسالة مكافحة الإرهاب وأهمية الأمن كأولوية بات اليوم يضع مسألة أمن «إسرائيل» في آخر اولوياته.. فأولوية الشعوب الأوروبية اليوم هي نبذ الدماء والتطرف مهما كان، إضافة الى أنها ترى مساحة من الامن تحيط بالكيان «الإسرائيلي» الذي لا يعاني حتى من هجمات داعش.
لا مجال للتوحّد حول «إسرائيل» التي تعرّت أمام الانتفاضة البيضاء، أمام الأوروبيين والعالم ونسبة الأطفال التي تقتلها قوات الاحتلال «الإسرائيلي».
الخطر هذا مجتمعاً ناقشته خلايا صهيونية في واشنطن مع أجهزة الاستخبارات الاميركية، بالتعاون مع الموساد والشاباك، الذي قدم مطالعات عديدة ناقشتها وسائل إعلام «إسرائيلية» حول مخاطر تحيط بـ»إسرائيل» وجودياً وليس مستغرباً إعلان النائب رون ديسانتيس من فلوريدا عن عريضة جمعت أكثر من 100 توقيع من النواب الجمهوريين لتأييد عريضة رسمية تطالب ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة «إسرائيل» بأسرع وقت.
فلسطين في الفاتيكان رسالة صارخة لترامب حول مكانة فلسطين أوروبياً، ومدى تأثير خطوة الفاتيكان على باقي الحكومات الأوروبية، ومن دون شك فإن خطوة الفاتيكان ستُحرج الرئيس الاميركي المنتخب الذي سيترتب عليه الدخول في صراع وجودي قد يرفع من منسوب المخاطر على الحكومة «الإسرائيلية» محلياً التي تتحسب لهجمات «الثوار» الفلسطينيين الذين لا يوفرون فرصة لتنفيذ عمليات امنية في الأراضي المحتلة آخرها دهس الجنود «الإسرائيليين» وقتل عدد منهم.
فلسطين في الفاتيكان إحراج لكل مَن نسيَ وتجاهل.