عند تولّي ترامب منصبه يمكن لـ«إسرائيل» أن تتفاءل!
كتب يعقوب عميدرور في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية:
لا يمكن عدم الالتفات إلى المجتمع الأميركي الذي انتخب قبل ثماني سنوات الرئيس باراك أوباما. الرئيس الأفرو ـ أميركي الأول للولايات المتحدة. الشعور بالإهانة والاعتداءات في شوارع نيويورك، حيث تواجدت هناك عند الاحتفال بدخوله إلى المنصب، شكّل التعبير عن التغيير الذي يمرّ به هذا المجتمع. وايضاً الفرح الصادق لدى الكثيرين.
الرئيس الجديد دخل إلى منصب مع مواقف صلبة جداً في شؤون العالم. وبحسب رأيه، جزء كبير من مشكلات الولايات المتحدة في المجتمع الدولي ينبع من سلوكها الذي يظهر قوتها وقدرتها على فرض مواقفها.
لقد اعتقد الرئيس أن الولايات المتحدة تفشل في ارجاء العالم لأنها لا تمد يدها للاعداء الذين يمكن أن تكون العلاقة معهم أفضل، إذا وجدوا في الطرف الأميركي اليد الممدودة بدل القبضة التي تضرب.
لذلك سافر مثلاً إلى الشرق الاوسط وألقى في القاهرة خطابات حاول من خلالها التحدث مع الشعب. لقد اعتقد أنه سيفتح قلبه وسيردّ بالعملة نفسها. هذا كان منطق سلوكه ايضاً في سورية.
في نهاية ولايته يصعب القول إن العالم تعامل معه بالمثل. لم تتحوّل أي منطقة إلى وضع أفضل، أكثر ديمقراطية وانفتاحاً أو تعترف بجميل الولايات المتحدة، بل العكس هو الصحيح، خاصة في الشرق الاوسط وفي اماكن اخرى في العالم.
إن ما يعتبر تراجعاً للولايات المتحدة من مناطق مختلفة، تسبب بوجود خوف من قبل اصدقائها من الدول التي تهددها. في عدة دول وليس فقط في الشرق الاوسط، تسمع اقوال حول تغيير المظلة الأميركية التي اختفت بمظلة نووية رادعة، وهذا الامر سيؤدي إلى سباق تسلح نووي اذا تحقق.
بالنسبة إلى «إسرائيل»، في نهاية حقبة استمرت ثماني سنوات لنظام أوباما، الصورة معقدة. لا شك في أن «إسرائيل» تتفهم مصالحها الامنية، حيث هبطت طائرتا «أف 35» في «إسرائيل»، الامر الذي يعبّر عن فهم الادارة الأميركية بأن على دولة اليهود الحفاظ على تفوّقها العسكري.
إن توقيع اتفاق المساعدات الأميركية الاكبر لـ«إسرائيل» من اجل تمكنها من شراء السلاح الأميركي في السنوات العشرة المقبلة، يعكس الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل في السنوات القادمة.
ويمكن اتفاق «إسرائيل» من الدفاع عن نفسها بنفسها، حيث تساهم الولايات المتحدة بذلك من اموال دافع الضرائب لديها. العلاقة بين الاجهزة الاستخبارية والعسكرية ممتازة، وفي دولة مركزية مثل الولايات المتحدة، هذا غير ممكن بدون توجيه من البيت الابيض. ايضاً على المستوى الدولي، حصلت «إسرائيل» على مساعدة أميركية حيوية أكثر من مرة.
وعلى رغم ذلك، هناك اربعة مواضيع هامة هي مثار خلاف بين الادارة المغادرة وبين الحكومة «الإسرائيلية»: عام 2010 لم تفِ الادارة الأميركية بتعهداتها لـ«إسرائيل»، وخضعت لمطالب العرب في موضوع الرقابة على السلاح النووي الذي قيل إنه موجود في «إسرائيل»، وهذا في اطار جهود الولايات المتحدة للابقاء على الاجماع في المؤتمر الذي سينعقد في فيينا حول اتفاق منع نشر السلاح النووي.
الأميركيون لم يعترفوا بشكل صريح أنهم لم يفوا بالوعد الذي تعهدوا به. وعرفوا أن الامر يُنظر اليه هكذا في «إسرائيل» وفي العالم، وإذا حاكمنا التقارير التي صدرت في هذا الشأن، فيبدو أن ادعاءات «إسرائيل» كانت على حق.
في سياق الطريق عملت الولايات المتحدة على مساعدة «إسرائيل» من اجل التغلب على الصعوبات التي ترتبت على ذلك الخطأ، لكن الشرخ الذي تسبب به الاخلال الفظ بالوعد بقي في الوعي حتى لو كان التأثير ضعيف مع مرور الوقت.
الموضوع الثاني أكثر صعوبة: لقد حولت الادارة التاركة موضوع البناء في المستوطنات إلى الموضوع الاهم في السياق الفلسطيني، إلى هستيريا حقيقية، وكأن كل شيء يتوقف على هذا الامر. وفي الوقت نفسه كانت الادارة حذرة من استخدام الضغط على أبي مازن حتى عندما تملص من الاجابة على اقتراحات الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات.
كانت نظرة الادارة التاركة هي أن أبا مازن ضعيف، ومحظور استخدام الضغط عليه في الوقت الذي اعتبرت فيه البناء «الإسرائيلي»، سواء في المستوطنات أو في القدس، بمثابة عقبة أمام المفاوضات. لذلك خسرت الادارة فرصة تاريخية لتقدم المفاوضات، في الوقت الذي كانت فيه حكومة «إسرائيل» على استعداد لذلك أكثر من أي وقت مضى، تحت حكم الليكود.
عدم التوازن في ردود الادارة كان بارزا إلى درجة فقدان نجاعة الاستنكار الأميركي الذي اعتبر أحادي الجانب وغير عادل وغير حكيم حسب رأي الكثير من سكان «إسرائيل» وفي اماكن معينة في العالم. وبنفس القدر الذي تحدثت فيه الادارة عن المستوطنات، قامت بوضع أبو مازن على شجرة عالية، الامر الذي سيجعل من الصعب جدا مجيئه إلى المفاوضات في المستقبل.
قرار مجلس الامن الذي تم اتخاذه في الشهر الماضي زاد خطر الوضع، وسيمنع كما يبدو فرصة المفاوضات بين الاطراف، وكأن الرئيس التارك قد قرر تشويش عمل الرئيس الجديد، ايضا على حساب الامر الذي أراد التقدم فيه.
إن هذا القرار غير مفيد من وجهة نظر من يرغبون في اجراء المفاوضات. بل هو انتقام سيتم تذكره كنقطة متدنية لادارة زعمت أنها تدرك الامور وتقوم بفحصها بشكل جيد.
يبدو أن خطاب وزير الخارجية كيري، الذي تحدث بشكل مطول عن المستوطنات على خلفية الشرق الاوسط المشتعل والنازف، زاد من الشعور بأن الحديث يدور عن هستيريا وفقدان الاطار بشكل يغطي على العقل.
الموضوع الثالث الذي ظهر فيه خلاف شديد بين الادارة وبين حكومة «إسرائيل» هو موضوع إيران. وكانت ذروة الخلافات هي خطاب رئيس الحكومة نتنياهو في الكونغرس، الذي اعتبر خطوة غير مهذبة تضر بالرئيس في بيته. إلا أن من اختار الصراع في هذا الامر هو الادارة. وخلافا لما هو سائد بين الحلفاء، فقد قرر البيت الابيض وعن وعي خداع «إسرائيل» واخفاء حقيقة أنه يجري المفاوضات مع إيران من خلف ظهرها. كل ذلك في الوقت الذي كانت فيه الدولتان تمران في عملية مكثفة من المحادثات حول هذا الموضوع بالتحديد، المتعلق بمبدأ وجود دولة «إسرائيل».
إن هذا الامر مزعج بشكل خاص لأنه شمل تغييرا دراماتيكيا في سياسة الولايات المتحدة، ونتيجة ذلك توصلت الادارة إلى اتفاق سيء. ولكن من يعتقد أن الاتفاق جيد، سيجد صعوبة في تبرير المساق المتلوي الذي سارت فيه الادارة للتوصل إلى اتفاق، حيث أن جزء من الخبراء في الادارة نفسها، اعتقدوا أنه ليس من الصحيح اخفاء الامر عن «إسرائيل» أو خداعها.
الولايات المتحدة فقدت ثقة «إسرائيل» بها. والادعاء الأميركي بأن ذلك تم بسبب الخشية من تسريبه في «إسرائيل»، ليس منطقيا، لأنه لم يتسرب أي شيء من النقاش بين الدولتين قبل أن يتم الانحراف الأميركي.
الوضع الجديد الذي أوجدته الادارة أجبر رئيس الحكومة «الإسرائيلي» على طرح موقف «إسرائيل» بشكل أكثر وضوحا ودقة خصوصاً في أذن الشعب الأميركي الذي هو الصديق الاهم لـ«إسرائيل».
خلافا للماضي، وجود دولة «إسرائيل» يتطلب الحديث عن الامور الهامة للشعب اليهودي حول الاشياء التي تخص مصيره، ومن الجيد فعل ذلك بالشكل الحاسم وفي الاماكن البارزة والاكثر تأثيراً، كما قال وزير الخارجية، يجب على الاصدقاء قول الحقيقة لبعضهم.
كان يجب على رئيس الحكومة أن يأخذ في الحسبان أن الاتفاق السيء الذي تم التوقيع عليه قد يجعل «إسرائيل» في المستقبل تستخدم قوتها من اجل منع إيران من انتاج السلاح النووي العسكري. وكان يجب عليه وضع الاساس الاخلاقي الذي سيعطي في المستقبل الشرعية لهذه الخطوة الاستثنائية.
هذه الحاجة تنبع من التغيير الدراماتيكي في سياسة الادارة الأميركية التي تحولت من سياسة تفكيك القدرة النووية، إلى سياسة تأجيل الحصول على القدرة النووية لـ 15 سنة أو أكثر. في الوقت الذي تستطيع فيه إيران الاستمرار في تطوير الصواريخ، والجيل القادم من اجهزة الطرد المركزي، بدون ازعاج.
يشدد مسؤولون في الولايات المتحدة على طبيعة العلاقة الامنية القوية كبرهان على تأييد الادارة لـ«إسرائيل»، في الوقت الذي تسمع فيه في آذان معارضي الرئيس على أنها جهود لالحاق الضرر بـ«إسرائيل» في القضية الفلسطينية والمشروع النووي الإيراني.
الموضوع الرابع الذي نشأ فيه خلاف بين الادارة وبين حكومة «إسرائيل» هو الفوضى في الشرق الاوسط. وقد ظهر الامر في تعاطي الولايات المتحدة مع مصر، حيث أعطت الولايات المتحدة الاولوية الواضحة للاخوان المسلمين على اعتبار أنهم ممثلون شرعيون، ولم تؤيد الجيش والانقلاب الذي قام به.
كانت «إسرائيل» تفضل مصر بدون سيطرة الايديولوجيا الراديكالية للاخوان المسلمين حتى لو كان البديل برئاسة السيسي يسيطر على مصر بيد قوية. عدم وجود توافق على اخطار الإسلام السياسي كان في جوهر الخلاف بين الدولتين.
الموقف الأميركي هو موقف ايديولوجي، في اساسه رفض الاعتراف بوجود مشكلة لدى الإسلام وأن الإسلام الراديكالي يشكل أحد وجوه الإسلام الهامة. لذلك فان تعبير الإرهاب الإسلامي مُحي من القاموس السياسي في واشنطن اثناء ولاية الرئيس التارك.
من الواضح انه سيكون اسهل لـ«إسرائيل» التعامل مع الادارة الجديدة في موضوع إيران وموضوع المستوطنات.
اشخاص كثيرون ممن يحيطون بالرئيس الجديد يعرفون أنه ليس بسبب البناء في المستوطنات يمتنع أبو مازن عن استئناف المفاوضات مع «إسرائيل». لذلك لا حاجة إلى التخاصم حول موضوع لا أهمية له، وأنه بدل ذلك يجب تركيز الجهود على الخطوات التي ستؤدي إلى المفاوضات، هذا اذا كان الامر ممكنا أصلا.
حسب رأيهم، على أبو مازن ايضا أن يفعل لا أن يتحدث فقط، بدء بعدم دعم عائلات القتلة وحتى الغاء التحريض الذي تقوم به السلطة وتحت رعايتها. وفي هذا السياق من المهم أن يقوم الرئيس الأميركي الجديد بالايفاء بوعده نقل السفارة الأميركية إلى القدس. هذه ستكون اشارة واضحة على الالتزام بـ«إسرائيل» والاعتراف بالقدس الغربية على الاقل كعاصمة لها. بعد الخطوة التي قامت بها الادارة المغادرة في الامم المتحدة وخطاب كيري حول المستوطنات، يجب اتخاذ قرار نقل السفارة إلى عاصمة «إسرائيل».
في موضوع إيران يبدو أن موقف الكثيرين في الادارة الجديدة المنتخبة، هو أن الاتفاق سيء للولايات المتحدة بالقدر الذي هو سيء فيه بالنسبة لـ«إسرائيل». لذلك يتوقع أن تعمل الادارة في ثلاثة اتجاهات: استنفاد ما يمكن عمله خارج اطار الاتفاق عقوبات ضد تطوير الصواريخ في إيران واستمرار رعايتها للإرهاب .
التشديد على تنفيذ الاتفاق أكثر من السابق، وفي نفس الوقت التشاور مع «إسرائيل» حول ما يمكن فعله كي لا تتمكن إيران في نهاية فترة الاتفاق أن تسير نحو انتاج القنبلة دون القدرة على وقف ذلك، ولذلك قد تكون هناك حاجة إلى فتح الاتفاق من جديد.
من اجل مستقبل علاقة الدولتين، ليست «إسرائيل» هي التي يجب عليها المبادرة إلى الغاء الاتفاق السيء الذي تعهد به الرئيس التارك، بل المطلوب هو خطوة تنبع من اعتبارات الولايات المتحدة، وهي متوفرة.
إيران الآن هي القوة الاكثر نجاعة في الشرق الاوسط، وتعمل بشكل دائم من اجل السيطرة على الخط بين طهران وبغداد، ومن هناك إلى سورية ولبنان. واذا لم يتم وقفها، فان الشرق الاوسط العربي في شرق البحر المتوسط سيكون خاضعا لتأثير إيران، بهذا الشكل أو ذاك.
هذا الامر سيكون تغييرا تاريخيا يضر بحلفاء الولايات المتحدة ويدفع الكثير من السنة إلى الاذرع المتطرفة أمثال داعش. وفي هذا الموضوع ايضا سيكون هناك دور مركزي للتعاون بين «إسرائيل» والولايات المتحدة، حيث يجب ضم الدول العربية السنية التي تبحث عن ردعامة مستقرة في المنطقة. هكذا سيمكن التوصل إلى عملية أكبر تسمح بادخال الفلسطينيين إلى المفاوضات تحت مظلة واسعة.
هناك حاجة إلى التنسيق وتحقيق الانجازات في مجال السايبر. وعلى «إسرائيل» أن تركز جهودها في الامور الهامة.
هناك اعتقاد بأن الرئيس الأميركي الجديد سيحطم القوانين وسيهمل الاستقامة السياسية ويعمل من البطن بشكل يختلف عن سلفه. وقد أظهر الشهر الاخير أن الرئيس التارك ايضا قام بتحطيم القوانين وتصرف بناء على الاحساس، متجاهلا المنطق.
مثلما تبدو الامور الآن، حتى لو كان مبكرا اصدار الحكم، فان مشاعر الرئيس وميوله ستشكل اساسا مريحا أكثر بالنسبة لدولة «إسرائيل». ولك يجب علينا تذكر أنه رجل أعمال عنيد.