الرئيس ميشال عون.. جَدْلُ الأبيض والأسود عربياً

هاني الحلبي

حملت الزيارة الرئاسية خليجياً، لرئيس الجمهورية ميشال عون ملفات كبرى، بلغة ديبلوماسية واثقة وواضحة ودقيقة، وبامتلاء موقف وطني لبناني مبادر عربياً للتعقل والترفع عن حروب القبائل إلى حوار أخوّة تاريخية، ليست موضع جدال!

فريدٌ هو الرئيس عون بين رؤساء لبنان، إذ اجتمعت فيه معظم خصائص القائد: خبرة مشهودة، صبر مديد، عزم عتيد، تاريخ غنيّ، وضوح المقاصد، دقة التعيين، خطة شاملة، حسن المقال لكلّ مقام، واقعية تفكير، صلابة موقف، وطنية منطلق، ومآل لبناني مشرقي.. رغم أننا في مرحلة عصيبة جداً من تاريخنا الوطني.. وفرادة عون لا تُغمط حقوق الرؤساء الآخرين أبداً.

هذه البنية النفسية الذهنية للرئيس جعلت محدّثيه العرب خاصة، في موقع المجاراة والمواكبة والتعاون والانفتاح، حتى يخيّل للمتابع، في الشكل الظاهر، أنّ الشروط والشروط المقابلة قد ذابت وكأنها غير موجودة. لأنّ المنطق الوطني للرئيس يكاد يكون سهلاً ممتنعاً ويمكنه احتواء العوائق واستيعابها وعلاجها بروح محبّة وحنكة مشهودة له، بخاصة أنّ أقوى ما في هذا المنطق إصراره على الإصلاح والتغيير، في الدستور والقوانين، وتجديد دم الدولة ومؤسساتها كافة، من الشعب، بانتخاب الرئيس شعبياً لتكون سلطته سلطة وطنية مستمدّة من أكثرية وازنة شعبياً وليست نتيجة محاصصات وتوافقات كتل وقوى تخضعه لشروطها ومطالبها.

الرئيس عون، بخاصة في زيارته الخليجية، كان لسان وجدان اللبنانيين الشرفاء غير المغرضين، الذين يريدون أن يعود معيلهم أو أبوهم إلى عمله الذي أُبعد عنه ظلماً وعنوة، وألا يدفع ثمن افتراء مفبرك فيخسر جنى عمره ويتمّ ترحيله في أول طائرة إلى لبنان «المعادي» الطيبين الذين يريدون جيشهم مسلحاً بأحدث الأسلحة وأفتكها. الأسلحة التي لا اتجاه لها سوى إلى الإرهابيين والصهاينة المحتلين، لا إلى صدور المقاومين والشرفاء الذين أنقذوا شرف الأمة وحيدين وما بدّلوا تبديلاً لسان القوميين الذين يرون في التعاون العربي ضرورة في عصر المحاور العظمى، وضرورته أشدّ في استهداف بنى دولنا وشعوبنا في الجيل الرابع للحروب، الحروب بالداخل في الداخل لتدمير الداخل على رؤوس أهله بأيديهم!

أيّ دعم خليجي له ثمن سياسي. هذا منطق السياسة. فالسياسة لا خيرَ فيها ولا صدقة ولا إحسان! واللبنانيون لا يريدون صدقة ولا إحساناً من أحد، ولكن! وبالتحديد، يرفض الشرفاء منهم صدقات «ممكلة الخير» العربية! ما دامت هذه «الصدقات» وما دام هذا «الخير» مشروطاً وباطلاً من أساسه بتقييده حرية الإرادة الوطنية!

ولكنهم كذلك يرفضون الشروط التي تقيّد حريتهم في تحديد عدوهم وفي تعيين اتجاه سلاح جيشهم. ابتزاز لبنان وجيشه، من بوابة تسليحه، ومن جهة ثانية نفي التدخل في شؤونه الداخلية، هو تناقض مطلق وازدواج سياسي يَسِم هذا المتدخِّل بعيب تدخُّله المنافي لأي شرعة عربية ولأي نص دستوري لبناني!

تسليح الجيش وتوظيفه، لا سمح الله، ضد أهله هو كارثة، وفتنة لا تبقي ولا تَذَرُ منا أحداً، ولا شك في أنّ قادة لبنان الحقيقيين يرفضون هذا الابتزاز جملة وتفصيلاً!

التلويح أمس، من وزير كبير، بهذا الثمن السياسي هو مربط الفرس السعودي خاصة، والخليجي عامة. يمكن أن يكون الثمن السياسي امتيازات استثمارية وفق القوانين اللبنانية، إنْ بقيت أرصدة للأخوة السعوديين بعد حروب الجنون، عراقياً وسورياً ويمنياً!

ولبنان كان مستشفاهم ويعود كذلك. وكان فندقهم ويعود كذلك. وكان استراحتهم وشرفتهم الأجمل على العالم وهو باقٍ كذلك. وكان خمّارتهم و«نايت كلوبهم» ولا نتمنى أن يعود كذلك. فلتكن السياحة لخدمة الاقتصاد ورفد الخزينة العامة وتشغيل المؤسسات والتعرّف إلى تاريخ لبنان ومزاياه سياحياً وطبيعياً ومناخياً وديمغرافياً ودينياً، وليس فقط من خلال دفء أحمر في علبة ليل!

الزيارة الرئاسية بداية واعدة وانطلاقة تؤكد دقة الرهان على شخصية العماد عون ووزنه القيادي والرئاسي والسياسي لبنانياً ومشرقياً وعربياً. ولكن قيمة الأفعال في نتائجها والنيات في محصّلاتها. وهذه لا يحدّدها الرئيس وحده، لا في ما قصده ولا في ما فعله ولا في ما نواه. بل موازين المصالح وأفهام الرجال وسياسات الدول وحكمة قياداتها ومدى تمثلها مصالحها الحقيقية وتحقيقها استقلالاً كافياً بقرارها الوطني في عالم التدخل!

ستكون مفتخراً أن تكون لبنانياً في عهد الرئيس عون، المميّز بين رؤساء العرب وملوكهم!

باحث وناشر موقع حرمون haramoon.com

وموقع السوق alssouk.net

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى