ما خُفي مِن سياسات اليمين المتطرف!
أسامة العرب
أيام معدودة تفصل العالم عن خروج أوباما من البيت الأبيض ودخول ترامب اليه، وفق مؤشرات بأنّ سياسة أميركا الخارجية ستتغيّر برمتها، باعتبار أنّ الأخير سوف يباشر بتنفيذ أفكار وسياسات اليمين المتطرف، وهذا ما يفسّر سبب ارتفاع حظوظ أحزاب اليمين الأوروبي في الوصول إلى سدة الحكم، لا سيما فرنسوا فيون مرشّح اليمين ويمين الوسط ومارين لوبن مرشحة اليمين الفرنسي المتطرف في الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وهذا ما يفسّر أيضاً كيف حقق حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي المتطرّف انتصاراً غير مسبوق على حزب ميركل الديمقراطي المسيحي، في عقر داره في ولاية ميكلنوبرغ فوربومرن الشرقية، وهي ظاهرة لم تشهد لها ألمانيا مثيلاً منذ 1945. وإذا ما تمكّن اليمين المتطرف من الفوز في الانتخابات الفرنسية، فإنّ ذلك يعني بأنّ فرنسا ستلتحق ببريطانيا وتخرج من الاتحاد الأوروبي.
وبالتالي، فكما شكرت شركات النهب الأميركية أحداث 11 أيلول كي تتمكّن من سلب نفط العراق وتزرع الفتن المذهبية والعرقية فيه، فإنه من الضروري جداً أن يشكر اليمين المتطرف منظّمات الإرهاب التكفيري مطوّلاً، باعتبار أنه ما كان ليحلم بالوصول حتى إلى قائمة كرسيّ الحكم لولاها. وعموماً، فإنّ الرئيس الأميركي القادم قال في مناسبات عديدة بأنه سيبتعد بشكل كبير من ناحية الأسلوب والجوهر عن الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأميركية المتّفق عليها منذ عقود عديدة ما بين الجمهوريين والديمقراطيين. فطروحات ترامب السياسية والاقتصادية وعلاقته بالمؤسسة السياسية الأميركية وخطابه المثير للجدل، وعلاقته مع القارة الأوروبية ورغبته بالانسحاب من حلف الناتو، وتهديده الشركات العالمية وحلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا التي اتهمها بالتطفل على قوة أميركا، ومغازلته للدب الروسي ومواقفه المتشدّدة حيال الصين واتصالاته مع حكومة تايوان، وتعييناته المتضاربة في قيادات البيت الأبيض والإدارة الجديدة، والتي شملت أبرز صقور الجمهوريين ودعاة الحروب وإحياء مشروع «سايكس بيكو 2» وغيرها من الأمور التي تشغل بال الكثيرين، لا سيما الأميركيين أنفسهم.
وقد صدر تقرير استخباري أميركي مؤخراً عن National Intelligence Council يُنبئ بأنّ مستقبلاً مظلماً وصعباً قد يواجهه الرئيس الجديد دونالد ترامب، إضافة إلى خطر حدوث نزاعات دولية غير مسبوقة في العالم لن تستطيع إدارته التعامل معها. حيث قال التقرير بأنّ السنوات ما بين 2017-2022 ستشهد صعوداً لتوترات داخلية في دول الشرق الأوسط وما بين دولها، مُحذّراً من أنّ منطقة الشرق الأوسط ستتوجه إلى المزيد من التشظي والتقسيم بسبب الصراعات الدولية وتراجع الاقتصاد وتردّي بنى الدول ومؤسساتها.
وقد استند إلى التقرير السابق وزير الحرب «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان في مقال له، نُشر في موقع «ديفينس نيوز» الأميركي، بعنوان: «سياسة إسرائيل الخارجية في شرق أوسط مضطرب»، حيث وصف المُحتلّ اليميني المتطرِّف ما يحدث في سورية والعراق واليمن وفي باقي بلدان المنطقة بالزلزال التاريخي. وقال إنّ الحلّ لمشاكل المنطقة يكمن في رسم حدود جديدة لبعض الدول، فتغيير الحدود بشكلها الحالي خاصة في العراق وسورية، وحده الذي يفتح الطريق أمام قيام دول تتمتع بشرعية داخلية، على حدّ زعمه. وغرّد في السياق نفسه قائلاً بأنّ تأسيس العديد من البلدان في الشرق الأوسط قد تمّ بشكل مصطنع، وذلك كان نتاجاً لاتفاقية سايكس بيكو 1، التي تمّت بناء على الاعتبارات الاستعمارية والتي لم تأخذ بعين الاعتبار الخلافات الطائفية والعرقية العميقة داخل مجتمعات معينة، حسبما نُشر في المقال.
ومن ثم قال بأنّ دحر التنظيمات التكفيرية مرتبط ارتباطاً جذرياً بمشروع سايكس بيكو 2، كما شدّد بأنّ المواجهة العسكرية للإرهاب هي جزء من المعادلة، ولهذا فإنها لن تحقق كسباً شاملاً وحاسماً ما لم يوضع مشروع التقسيم موضع التنفيذ. وفي المقال يظهر بوضوح تطابق رؤية ليبرمان المتطرّف مع ما يسمّى مشروع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي دعا في العام 2007 إلى تقسيم العراق ثلاث مناطق على أسس عرقية ومذهبية، وبحيث تستحدث ثلاثة كانتونات كردية وسنية وشيعية، تتمتع كلّ منها بالحكم الذاتي. كما يظهر من المقال بأنّ خريطة الشرق الأوسط الجديدة تفترض في خطوطها العريضة أولاً تجاوز التقاليد السياسية والمحرّمات عبر إقامة دولة كردية تُقتطع لها مناطق من شمال العراق وجنوب شرق تركيا وأجزاء من سورية وإيران.
ورغم أنّ الكثيرين يشكّكون في قدرة الولايات المتحدة على تقسيم الشرق الأوسط، إلا أنّ المشروع بدأ يتجسّد اليوم بمباركة من اليمين الأوروبي المتطرّف لتَبرز ملامحه تدريجياً على أرض الواقع. وربما الاختلاف الوحيد الذي طرأ هو أنّ المشروع بدأ بخطوات حثيثة من العراق وليس من لبنان، كما أعلنت كونداليزا رايس سابقاً. وقد يزداد الوضع سوءاً بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية في حال جازف ترامب بعلاقاته مع اليمين المتطرّف الأوروبي وأقدم على تفكيك الاتفاق النووي مع دول 5+1 متجاهلاً دور الأمم المتحدة. فضلاً عن تهديده للمكسيك وبعض دول القارة الأميركية. وقد تلتقي الطروحات الترامبية في توجهاتها السياسية العريضة مع التطورات السياسية التي ستشهدها القارة الأوروبية في حال تقاربت سياساتها مع روسيا. مما يعني بأنّ القارتين الأوروبية والأميركية والعالم أجمع بات مقبلاً على تغيّرات جذرية في بنية النظام السياسي الدولي. وفي حين ترحب اللوبيات الصهيونية بالموقف الأميركي المتشدّد الجديد حيال إيران، إلا أنّ عوامل أخرى قد تسترعي انتباه إدارة ترامب أكثر من الضغط لإلغاء الاتفاق. وهذه تشمل فرص الشركات الأميركية للتجارة في إيران والنفط الإيراني الذي أظهرت شركة تيلرسون اهتماماً خاصاً به، والعلاقات الروسية الجيدة مع إيران، ومخاطر امتلاك إيران للسلاح النووي.
هكذا، نخلص بأنّ «نشر الإرهاب سرّاً ومكافحته علانيةً» بات يعدّ بأنه من أشهر أسلحة العصر الحديث، يستخدمه الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية لصالح تنفيذ استراتيجية «الفوضى الخلاَّقة» في المنطقة، والانتقال منها إلى فكرة «تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ»، وهو ما يُسمّى بتطبيق المرحلة الثانية من مخطط «سايكس بيكو 2»، الأمر الذي يهدّد الأمن القومي لدول الشرق الأوسط تحديداً. وهذا ليس سرّاً، فقد أكد ذلك دونالد ترامب علانيةً عندما كان مرشحاً للرئاسة، وذلك في تجمع انتخابي في فورت لودرديل في ولاية فلوريدا حيث قال: «أوباما زرع الفوضى في الشرق الأوسط، وأسّس داعش في العراق وسورية، وشريكته في المؤامرة هي المحتالة هيلاري كلينتون»، كما أكد ذلك أيضاً بعد انتخابه واتّهم علانية الاستخبارات الأميركية بأنها زوّرت التقارير التي تزعم أنّ صدام حسين امتلك أسلحة دمار شامل، بهدف تبرير حرب بوش النهبوية على العراق.
وبالتالي، فإنّ الإرهاب الصهيو – أميركي لم يعد يكتفي فقط بزرع دولة الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة بهدف تمكين شركاته الأجنبية من سلب نصف ثرواتنا النفطية، بل بات يريد أن يفتتنا جميعاً ليقضي على وحدة نسيجنا الاجتماعي ويأخذ المزيد والمزيد من مقدرات شعوبنا. ولذلك، ستبقى المقاومة ما بقي الاستعمار، وستبقى الثورة ما بقي الظلم والاستبداد، وستبقى الأولوية لتوحيد الفصائل المقاومة بما يخدم الأهداف والتطلعات المشتركة، وستبقى فلسطين البوصلة وقضية العرب والمسلمين، وستبقى وحدتنا أساس مواجهتنا، وسنقاوم ونقاوم ونقاوم… حتّى الرمق الأخير.
محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً