الانتخابات وفقاً لقانون الستين… وبري يراها نكسة للعهد والإصلاح المشنوق وريفي والحريري على الخط… حرب بلغة الماضي على «المستقبل»
كتب المحرّر السياسي
تواصل موسكو تحضيراتها لمؤتمر أستانة للحوار السوري السوري، ولا تولي اهتماماً بالمشاركات الدولية والإقليمية، سواء الأميركية او السعودية، بقدر انصرافها لترتيب الوفد المعارض الذي تحرص على تحقيقه هدفين، الأول ضم الفصائل المسلحة التي تقطع صلتها بجبهة النصرة، والشخصيات السياسية التي ترتضي سقفاً سياسياً لا يطرح فيه للبحث مصير الرئاسة السورية، بينما ينجز الجيش السوري فرض إرادته في وادي بردى بعد قرابة الشهر من المواجهات، لتحرير مياه دمشق من قبضة الابتزاز الذي فرضته الجماعات المسلحة، وبات مؤكداً أن التسوية التي تمّ التوصل إليها وتعطلت ليومين ستدخل حيز التنفيذ بتخيير المسلحين بين صيغ تدمجهم في وحدات محلية تابعة للدولة أو مغادرة المنطقة، وبتأمين دخول فرق الصيانة لإصلاح محطات ضخ المياه إلى العاصمة.
التقدم السوري الذي حاولت الصواريخ «الإسرائيلية» إصابته وتعطيله، ترافق مع تأكيد عدم ترك الاعتداءات «الإسرائيلية» دون رد، لكن بعناية تحقق أهدافاً سورية، برسم قواعد اشتباك تسقط مشروع ميزان ردع صاروخي لحساب «إسرائيل» في دائرة مداها البالغ ستين كليومتراً، من دون تضييع الفوز بردع الطيران «الإسرائيلي» من دخول الأجواء السورية، ومن دون نقل المناخات الدولية من الاهتمام بنتائج الإنجازات السورية إلى مواحهة سورية «إسرائيلية»، خصوصاً أن ما تريده «إسرائيل» من صواريخها الدخول على خط مشاريع الحلول على الصعيد الدولي والمتصلة بسورية لجعل أمن «إسرائيل» أحد بنودها.
في قلب المشهد الإقليمي تفرض الانتصارات العراقية على داعش في الموصل والمتسارعة خلال الأيام القليلة الماضية صورة لتراجع وضع التنظيم وعجزه عن القيام بتعديل الاتجاه الذي رسمته معارك العراق والتي تقول إنّ مصير التنظيم صار مطروحاً للبحث بصورة جدية.
لبنانياً، بقي وزير الداخلية نهاد المشنوق عنوان الأخبار والأحداث، بعد التقديم الباهت الذي تبرّع به لزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للسعودية، وإيحائه بأثمان تعهّد الرئيس العماد بها تطال تحريم انتقاد السعودية لبنانياً، بعيداً من الحكومة، بل بما يخصّ القوى السياسية والإعلام، وهو عكس ما استنتجه اللبنانيون من الكلام الصريح والواضح الذي قاله عون لوسائل الإعلام السعودية، خصوصاً في ربطه مصير دور حزب الله في سورية بمعادلات المنطقة، فقد استحوذ السجال بين المشنوق ووزير العدل السابق أشرف ريفي على واجهة السياسة اللبنانية وصالوناتها، خصوصاً مع المستوى الذي بلغه السجال بنبش الماضي، وكلام الرئيس سعد الحريري عن عدم الثقة بالمشنوق، وفقاً لقول ريفي واضطرار الحريري للدخول على الخط مغرداً بالندم على ثقة نزعها عمن يستحق ومنحها لمن لا يستحق، فيما تتزايد المؤشرات للسير بقانون الستين لإجراء الانتخابات النيابية، بعدما انضم رئيس مجلس النواب نبيه بري للمتشائمين من إنجاز قانون جديد لا يزال يدعو للإسراع بإنجازه، معتبراً أنّ عدم الإنجاز سيكون ضربة قاسية للعهد في بدايته، وسقوطاً لأحلام الإصلاح السياسي.
سجال ريفي المشنوق إلى أين؟
بينما أرخت الجولة الخليجية لرئيس الجمهورية ميشال عون والوفد المرافق بظلالها على المشهد الداخلي والتي تتوقف نتائجها على الثمن السياسي الذي يجب أن يدفعه لبنان مقابل الانفتاح الخليجي، كما قال وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس الأول، وفي حين تراجعت الآمال بإنجاز قانون جديد للانتخابات يحقق عدالة التمثيل ويلبّي مطالب الأكثرية الساحقة من اللبنانيين في ظل وصول الحوارات حول القانون الى حائطٍ مسدود وتوجّه المجلس النيابي الى ورشة برلمانية الأسبوع الطالع، تفاعل السجال الحاد بين وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل السابق أشرف ريفي على خلفية تقليص وزير الداخلية لعدد مرافقي ريفي ليتطوّر أمس، الى اتهامات خطيرة وجّهها ريفي ضد المشنوق متهماً إياه بتسريب معلومات في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري مهدّداً بفضح المزيد.
وقال ريفي: «لن أردّ على وزير الداخلية نهاد المشنوق بلساني بل بلسان رئيس الحكومة سعد الحريري الذي قال لمحقق لجنة التحقيق الدولية بالصوت الموثَّق: «إذا راودني الشك بأحد المقرَّبين من والدي في تسريب المعلومات عنه، أشكّ بشخصٍ كنهاد المشنوق». وأضاف «أرجو ألا أُضطَر إلى أن أقول أكثر عن هذا الذي يصف الشرفاء بالمنافقين، لكن أسأله لماذا تكشفني أمنياً ولمصلحةِ مَن؟، فيما أنت تُخصِّص 240 عسكرياً لمرافقتك وتُقفل الطرقات وتُقيم المربعات الأمنية؟».
وإذ علمت «البناء» أن حالة من التوتر والغضب تسود أنصار الوزير ريفي في طرابلس، قالت مصادر طرابلسية لـ«البناء» إن «الشارع الطرابلسي ميال لريفي أكثر من المشنوق في ظل محاولات ريفي استعطاف جزء من الشارع الأمر الذي يؤذن بمعركة انتخابية حامية مقبلة»، موضحة أن «السجال يندرج في إطار تصفية الحريري حسابات قديمة مع ريفي وتقليم أظافره قبل أشهر قليلة من الانتخابات النيابية وأعطى رئيس المستقبل الضوء الأخضر للمشنوق لاتخاذ تدابير تحت شعار تنفيذ القوانين تستفز ريفي وتضعف حضوره في المدينة، لخوف الحريري من تكرار سيناريو الانتخابات البلدية في الانتخابات النيابية وعدم ثقة المستقبل بحصد أغلبية المقاعد النيابية في طرابلس».
وأشارت المصادر الى أن «ارتفاع منسوب التوتر بين المستقبل وريفي في طرابلس، لن يؤثر على الوضع الأمني الممسوك من الجيش والأجهزة الأمنية ولن يؤدي إلى فتنة»، متحدثة عن «تمنيات سعودية على ريفي للتوقف عن التعرّض للحكومة الحالية وعدم التهجم على الحريري». لكن المصادر ترى أن «قوة ريفي في المدينة تقلصت لأسباب عدة ولم يعد يحظى بالقدرة الشعبية نفسها خلال الانتخابات البلدية، أما الأسباب، بحسب المصادر، فهي أن المجلس البلدي الحالي المحسوب على ريفي لم ينجح في خدمة المواطنين، ثانياً خروجه من السلطة أضعف قدرته على تأمين الخدمات للطرابلسيين الذين يتّجهون الى مَن يُمسك بالقرار والسلطة وقادر على تأمين الخدمات، ثالثاً، تزايد شعبية الحريري بعد وصوله الى رئاسة الحكومة وترميم الضعف داخل تياره». وتوقعت المصادر معركة انتخابية طاحنة في طرابلس، لكن النتائج تتوقف على خريطة التحالفات التي لم تتوضّح معالمها حتى الآن، فهل يتحالف تيار المستقبل مع الرئيس نجيب ميقاتي أو مع ريفي؟ وأين سيصطفّ الوزير محمد الصفدي والوزير فيصل كرامي؟ وهل ستتنافس 3 لوائح وماذا عن المال السياسي الذي سيستخدمه الحريري في الانتخابات؟
ودخل الحريري على خط التوتر مسانداً المشنوق، وقال في تصريح عبر وسائل التواصل الاجتماعي: «كم كنتُ مخطئاً عندما شككتُ بنهاد المشنوق وأعطيت كامل ثقتي لبعضهم».
وقالت مصادر قيادية في تيار المستقبل لـ«البناء» إن «التصعيد بين ريفي والمشنوق استمرار للسجال والعداوة المتبادلة بينهما منذ 3 سنوات»، مشيرة الى أنّ «الحريري أكبر من أن يدخل في هذه السجالات والكيديات والنكايات، وما قام به المشنوق ليس سحب عناصر ريفي بل تخفيض عددها بناءً على رتبته كمدير سابق لقوى الأمن الداخلي ووزير سابق وليس وزير حالي، وبالتالي ريفي هو مَن افتعل السجال». ولفتت الى أن «ريفي يحاول تحشيد قوته واستغلال كل حدث للكسب الشعبي والسياسي والانتخابي بعد تراجع شعبيته في المرحلة الماضية والمشنوق وفّر له الفرصة كي يتحوّل حالة مظلومية». وتوقعت المصادر أن «يتجه السجال الى مزيدٍ من التفاعل لأن ريفي بحاجة في هذه المرحلة الى الشعبية».
وعن صمت المشنوق حيال اتهامات ريفي عن تسريب معلومات عن الرئيس رفيق الحريري، أجابت المصادر: «فليرفع المشنوق دعوى قدح وذم على ريفي».
بري: الستين انتكاسة للعهد
على صعيد قانون الانتخاب، نقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه لـ«البناء» «استياءه الشديد إزاء تراجع الآمال بإقرار قانون انتخاب جديد وأبدى استغرابه أمام الزوار حيال البرودة لدى معظم الكتل النيابية حول العمل لإنجاز القانون الجديد الأمر الذي يؤدي الى إغلاق باب التطوير في الحياة السياسية والنظام ما يخالف إرادة الأكثرية الساحقة للشعب اللبناني التي تريد النسبية الكاملة». ورجّح بري «إجراء الانتخابات على قانون الستين، حيث كتل كبيرة في البلد تريد الستين وتمانع النسبية لا الكاملة ولا حتى نصف النسبية لأسباب عدة». وحذّر بري من أن «تراجع الآمال بإقرار قانون جديد سيعطّل مسيرة الإصلاح والتغيير وانتكاسة قوية للعهد في بدايته».
ولفت بري الى أن هيئة المكتب لم تدرج بند قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة المقبلة لغياب التفاهم والتوافق عليه، وأن رئيس المجلس «سيبذل جهوده في إطلاق ورشة عمل برلمانية تشمل مشاريع واقتراحات القوانين على رأسها الموازنة التي ستقر في الجلسة المقبلة وقانون الإيجارات».
وعلمت «البناء» أن «الحريري والنائب وليد جنبلاط رفضا النسبية الكاملة بشكلٍ مطلق بينما القوات أصرّت على القانون المختلط ولم تتوصّل مع التيار الوطني الحر الى قانون موحّد، في حين أن بعض الكتل تراعي هواجس جنبلاط»، كما علمت أن «الرئيس بري عرض على الكتل إقرار قانون على النسبية على أساس المحافظات وقوبل برفض بعض الأطراف، كما أن الرئيس عون رفض القانون المختلط».
وأوضح وزير داخلية سابق لـ«البناء» أن «وزير الداخلية ملزم بحكم القوانين والأنظمة أن يدعو الى انتخابات بمعزل عن القانون كي تتم التحضيرات في دوائر الأحوال الشخصية وإعداد لوائح الشطب»، لكنه أوضح أن «المهل لم تقفل بعد أمام إقرار قانون جديد، فإذا تمّ التوافق على قانون يُقرّ بأسبوع ويتم حينها تأجيل تقني للانتخابات». وحذّر من أن اعتماد الستين مع نقل بعض المقاعد من دائرة الى أخرى يؤدي الى مزيدٍ من التقوقع الطائفي على حساب الوطن وينتج المجلس النيابي نفسه».