عون أمام السلك الدبلوماسي: إنه جحيم العرب وليس ربيعهم أولى أولوياتنا تنظيم انتخابات نيابية وفق قانون جديد

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن إرادته كرئيس لبنان، تكريس هذا الموقع حاضناً للصيغة اللبنانية الفريدة، القائمة على التعددية التي أثبتت عبر التاريخ صلابةً في مواجهة المحن الداخلية والخارجية، وقدرةً في التغلّب عليها وحماية سيادة الدولة وصيانة الوحدة الوطنية ومنع استجرار الفتن إلى ساحتنا الداخلية وتأمين الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي، فيطمئن اللبنانيون، أينما كانوا، إلى وطنهم، ويعود لبنان ليلعب الدور الإيجابي الذي اعتدتم عليه في الساحة الدولية وقد بدأنا بوضع الخطط لذلك، وبعضها صار على طريق التنفيذ.

وشدّد أيضاً على أن إرادته هي مؤسسات قادرة وفاعلة وشفافة تعيد ثقة المواطن بدولته، فيتعاون معها، وتكون له المرجع والسند، مشيراً إلى أن المجتمع اللبناني يجب أن يكون مثالاً تعايشياً حياً، لأن مستقبل العالم، رغم مما نشهد من عصبيات، هو في المجتمعات التعددية، بعدما سقطت الأحادية، سواء كانت سياسية أو عرقية أو دينية.

مواقف رئيس الجمهورية جاءت خلال حفل الاستقبال الذي أقامه الرئيس عون عند الحادية عشرة قبل ظهر أمس، في قصر بعبدا لأعضاء السلك الدبلوماسي وممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدين في لبنان لمناسبة تقديم التهاني بالسنة الجديدة، بحضور وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل والأمين العام لوزارة الخارجية السفير وفيق رحيمي.

وكان الحفل بدأ بتوافد السفراء يتقدّمهم السفير كاتشا إلى قاعة 22 تشرين الثاني في القصر الجمهوري على وقع موسيقى الجيش التي عزفت ألحاناً خاصة بالمناسبة. وبعد اكتمال الحضور صافح الرئيس عون السفراء الذين قدّموا إليه التهاني باسم رؤساء دولهم.

وقال رئيس الجمهورية: لقد شهدت الأشهر الأخيرة في لبنان عودة المؤسسات الدستورية إلى مسارها الطبيعي. فصار لدينا مجلس وزراء حائز على ثقة البرلمان على أساس بيان وزاري جامع، كما أن مجلس النواب باشر بدورته الاستثنائية في معالجة اقتراحات ومشاريع القوانين المتأخرة والملحّة، وفي مقدمها الموازنة وقانون الانتخاب.

وإذ أشار ألى أن «أولى أولوياتنا تنظيم انتخابات نيابية وفق قانون جديد يؤمن التمثيل الصحيح لشرائح المجتمع اللبناني كافة، ما يوفّر الاستقرار السياسي»، فإنه أكد أن تخوّف بعض القوى من قانون نسبي، فهو في غير محلّه، لأن وحده النظام الذي يقوم على النسبية يؤمّن صحة التمثيل وعدالته للجميع، وعليه قد يخسر البعضُ بعضَ مقاعدهم، ولكننا نربح جميعاً استقرار الوطن».

ولفت إلى أن المشاكل الاقتصادية في لبنان تفاقمت في الآونة الأخيرة، في ظلّ أزمات دولية واضطرابات إقليمية أدّتا إلى زيادة الحرمان وتوسّع الفقر لدى شرائح كبيرة من المجتمع اللبناني. وقد اتخذنا القرار بالتصدي للتدهور الذي يطال معظم قطاعاتنا الإنتاجية، لكن العقبات التي تعترض مسيرة نهضتنا الاقتصادية كثيرة، ومنها تداعيات الأزمة السورية وأبرزها النزوح السوري الكثيف إلى لبنان.

وتابع: لقد قدّم لبنان ما يفوق طاقته في مجال مد يد العون إلى أشقّائه، من سوريين وفلسطينيين. لكننا ننوء تحت وطأة استضافة نصف عدد سكاننا، فما من بلد في العالم يمكنه تحمل زيادة 50 من سكانه. إن الكثافة السكانية في لبنان أساساً مرتفعة، وكانت بمعدل 400 شخص في الكيلومتر المربع، وقد صارت اليوم 600، وهذا ما يجعلنا غير قادرين على استنهاض اقتصادنا كما نرجو، لا سيما أنّ ربع شباب لبنان بات عاطلاً عن العمل.

وشدّد رئيس الجمهورية على أن لبنان لا يمكن أن يُحمَّل وحده عبء النازحين السوريين، مناشداً الدول أن تتحمّل مسؤولياتها كاملة، وأن تتحرّك من دون إبطاء، حفاظاً على مصالحها ومصالح شعوبها، لأنّ تداعيات موجات النزوح الكثيف غير المسبوقة في تاريخنا المعاصر تهدّد وجود جميع الأوطان واستقرارها، ومطالباً المجتمع الدولي أن يعترف بخصوصية لبنان ويرفض أية فكرة لاندماجهم فيه.

وطالب أيضاً دول أعضاء السلك الدبلوماسي وممثلي البعثات الدبلوماسية في لبنان مؤازرة جهودنا للتوصّل إلى الحلّ الوحيد المستدام لأزمة النازحين السوريين إلى بلدنا، وهو في عودتهم الآمنة إلى بلدهم.

وجدّد الرئيس عون ترحيب لبنان بكل مبادرة من شأنها أن تؤدّي إلى حلّ سلميّ سياسيّ للأزمة في سورية، متمنياً أن تأتي جميع المبادرات في سياق واحد، فتنسجم في ما بينها، وتصبح بالتالي كفيلة بإرساء قواعد حلّ طويل الأمد للصراع في سورية، مؤكداً أن السياسات الدولية هي التي أوصلت الوضع في منطقة الشرق الأوسط إلى ما هو عليه، مشيراً إلى أن إطفاء الحرائق صار حاجة عملية ومصلحة في آن، لأن النيران بدأت تحرق أصابع مَن صنعها.

وقال: لقد ذكّر قداسة البابا في رسالته، بكلام لأسلافه في اليوم العالمي للسلام: «إن السلام كي يقوم يجب أن يرتكز على القانون والعدالة والمساواة والحرية». وسأل «أين العالم اليوم من هذه القيم؟ وأين المؤسسات الدولية التي يُفترض أن تكون هي مَن يحميها ويعمل على تطبيقها وترسيخها؟

وشدّد على أن القرار الأول للأمم المتحدة في شأن فلسطين أشعل حرباً، فيما القرارات الأخرى لم تنفّذ، فماذا فعلت المؤسسات الدولية حيال ذلك؟ لماذا لا تأخذ قراراً يُلزم «إسرائيل» بإعادة الأرض المتّفق عليها للفلسطينيين والاعتراف بهويتهم؟ ولماذا لا يزال «الإسرائيليون» يسلبون أرض الفلسطينيين حتى اليوم؟ ولماذا يهدمون منازلهم ويحرقون بساتينهم، ويستملكون أرضهم ليبنوا المستوطنات؟

ولفت رئيس الجمهورية الى أن «إسرائيل» اليوم تستغلّ انشغال العالم بأزمات المنطقة وفشل جهود السلام، من أجل التمادي في سلب حقوق الفلسطينيين والاستمرار في التعدّي على سيادة جيرانها، وفرض أمر واقع لن يمكن العودة عنه في المستقبل.

وأضاف: في السنوات الأخيرة، بدأ مشروع ما سُمّي «الفوضى الخلاّقة» في منطقتنا، فاشتعلت الحروب الداخلية في الدول العربية، وسُمِّيَ ذلك بـ«الربيع العربي»، فماذا شهدنا من ذلك الربيع؟ هل الربيع يكون بإلغاء معالم الحضارات القديمة التي أسّست لحضاراتنا اليوم؟ هل يكون بتهديم الكنائس والمساجد ودور العبادة، وبتحطيم الآثار؟! هل يكون بذبح الأبرياء وتدمير المدن؟! هذا يا سادة جحيم العرب وليس ربيعَهم. ما الذي أنتجته تلك «الفوضى الخلّاقة» غير الحقد والكراهية والآلام والضحايا؟ ومتى كانت الفوضى خلّاقة؟؟ أين شرعة حقوق الإنسان مما يحصل؟؟ لنا كل الحق في هذه التساؤلات، ونوجّهها للدول التي تتجاهل حقوق الإنسان ولا تتذكّرها إلا وفق مصالحها، فكلّنا معنيّون، وكلّنا موقّعون على معاهدة حقوق الإنسان.

وأشار إلى أن الإرهابَ إرهابٌ أينما ضرب فالسيارات المفخخة، والقتلة المتجولون، والانتحاريون المتفجّرون بين الأبرياء، جميعهم من صنع الإرهاب، سواء ضربوا غرباً أو شرقاً، جنوباً أو شمالاً.

وشدد على أن لبنان ليس في عزلة عن محيطه، وانشغالنا في ترتيب بيتنا الداخلي لم يُنسِنا خطر النار المشتعلة حولنا. يخطئ كلّ من يظنّ أنه ما زال باستطاعة دولة ما، مهما كبر حجمها أو صغر، أن تبقى خارج دائرة الأزمات العالمية وأن تحجز لنفسها مكان المتفرّج. إمّا أن ننجو جميعاً بفضل التعاون والحوار أو أن نذهب جميعاً ضحية ما يحصل.

ورأى أنّ الإرهاب الذي يعاني منه العالم ليس جديداً علينا، فلبنان من أوائل الدول التي ضربها وأوقع لنا العديد من الشهداء، مدنيين وعسكريين، ومن أوائل الدول التي تصدّت له، ولا يزال حتى اليوم في خطوط المواجهة الأمامية ويتلقّى النتائج والتبعات.

وشدّد على «أن التعاون الأمني والمخابراتي ضرورة حيوية لمكافحة الإرهاب»، لكن يبقى أن هذا الإرهاب يتغذّى من الأزمات المندلعة شرقاً وغرباً، وينتشر ويتمدّد بالفكر الظلامي التكفيري الرافض للآخر، وينتعش بالدعم المالي واللوجستي والعسكري الذي يقدّم له.

وأكد أن المسار الصحيح يُرسَم عبر إرادة دولية راغبة حقاً بإنقاذ العالم من الإرهاب وإرساء السلام وقال: «إذا أردتم السلام، فعليكم أن تجدوا حلولاً لمشاكل المنطقة، لا تقوم على القوة بل على العدالة التي ترفع الظلم وتعطي الحقوق لأصحابها. إذا أردتم السلام، فعليكم أن تطفئوا النار في مصادر اشتعالها، فالنار لا تنطفئ بنفسها طالما هناك حطب يُوقَد لها».

وتقدَم رئيس الجمهورية من أعضاء السلك الدبلوماسي وممثلي البعثات الدبلوماسية وعائلاتهم بأطيب التمنيات الشخصية، آملاً منهم نقل تمنيّاته الصادقة الى رؤساء الدول والمنطمات الذين يمثلون، كما إلى الشعوب الشقيقة والصديقة، بمزيد من الإصرار في السير على دروب الاستقرار والازدهار، رغم كلّ الصعوبات.

وخصّ بالذكر البابا فرنسيس، راجياً من السفير كاتشيا أن يرفع إلى قداسته كامل احترامه ودعائه، ومشاركته رجاءه بعالم يعمّ أرجاءه سلامٌ ترعاه الرحمة ومبادئ العدالة وقيم الحق، وقد دعا إليه قداسته، لمناسبة «اليوم العالمي الخمسين للسلام» في الأول من كانون الثاني من العام 2017، والى بنائه على أسس اللاعنف. نحن نؤمن باللاعنف، وقد اعتمدناه نهجاً لنا طيلة ربع قرن حتى أثمر في النهاية وطناً محرراً، ونسعى على الدوام إلى أن يبقى السلام مخيماً في ربوعه.

وأشاد عميد السلك الدبلوماسي المعتمد في لبنان السفير البابوي المونسنيور غبريال كاتشيا من ناحيته، بـ«العمل الممتاز الذي يقوم به الجيش وسائر القوى الأمنية في لبنان ما جنّب الطوائف كافة من الدخول في دوامة العنف».

وأكد أن الدعوة الى السلام الضروري في كل مكان وعلى كافة المستويات، ترتدي معنىً خاصاً في الشرق الأوسط، الذي عانى طويلاً، ولمّا يزل، من آلام الحروب المدمّرة والنزاعات الجارية في عدد من دول المنطقة، من دون أن نغفل وباء الإرهاب المنتشر على المستوى العالمي.

ولفت إلى أن «الإرادة الداخلية الصلبة في البلد، إضافة إلى التفاهم الإقليمي والدولي، قد ساعدت في التغلّب على بعض المراحل الدقيقة والصعبة، وجنّبت لبنان الوقوع مجدداً في تجربة سبق له أن عاشها لفترة طويلة في تاريخه الحديث».

وإذ أكد «مشاركة السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي ارتياح الشعب اللبناني الذي يعيش استعادة الحياة الطبيعية في مؤسسات الدولة من خلال وجود رئيس جمهورية جديد، وحكومة جديدة نالت ثقة المجلس النيابي، وهي تعمل لإجراء استحقاق الانتخابات التشريعية المتوقّعة بعد أشهر عدّة»، فإنه أمل أن «يكون التوافق الواسع في لبنان، الذي أتاح تفاهماً بين جميع المكوّنات والقوى السياسية، بداية مسيرة تشمل قريباً المنطقة بأسرها، من أجل التوصّل، في أقرب وقت، إلى السلام الذي ينشده الجميع، وعلى وجه الخصوص الشعوب الأكثر معاناة»، مهنئاً الرئيس عون على أولى زياراته إلى الخارج، «وقد جرت بروح التفاهم هذا ووفق إرادة الحوار عينها، كوسيلة لتسوية التباينات وطمأنة الهواجس، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح اللاعبين الإقليميين واهتماماتهم».

وشكر كاتشيا لبنان «على تحمّله العبء الثقيل في استقباله العدد الكبير من النازحين»، مؤكداً «التزام مواصلة تعاون بلداننا من أجل تخفيف معاناة ملايين الأفراد»، ومشاركتها «الأمل بأن تتيح لهم الأوضاع الإقليمية العودة».

وجدد كاتشيا لرئيس الجمهورية تهاني قداسة البابا فرنسيس الذي وجّه رسالة، في غاية التعبير، الى جميع مسؤولي الدول والمجتمع المدني والديني، تحت عنوان: «اللاعنف»: أسلوب سياسة من اجل السلام». والى قداسة البابا ينضّم كذلك، جميع رؤساء الدول والمنظمات الدولية الممثلّة هاهنا، المشاركين في تحمّل المسؤولية عينها من اجل الخير العام لكل بلد وللعالم أجمع. الأمان والسلام، ليعيدوا بناء بلدانهم الكبيرة».

وختم كلمته مذكّراً بأنّ العام 2017 يشكّل الذكرى العشرين للزيارة التاريخية التي قام بها البابا القديس يوحنا – بولس الثاني الى لبنان، وتوقيعه الإرشاد الرسولي: «رجاء جديد للبنان»، حيث انّ كلمته الختامية لا تزال آنية، وقد جاء فيها: «هكذا فإنّ لبنان، هذا الجبل السعيد، بإمكانه ان يزهر مجدداً بقوة، ويستجيب لدعوته أن يكون نوراً للمنطقة وعلامة سلام آتية من الله.»

وفي قصر بعبدا أيضاً، التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رئيسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضية ايفانا هريدليكوفا يرافقها نائب رئيس المحكمة القاضي رالف رياشي ورئيس قلم مكتب بيروت كيفن مانيون ومدير مكتب رئيسة المحكمة نيقولا غييو، بحضور وزير العدل سليم جريصاتي. وتمّ عرض عمل المحكمة والتعاون القائم بينها وبين لبنان ولاسيما في الشق الإداري والمالي. وطالب رئيس الجمهورية هريدليكوفا بضرورة الإسراع في إصدار الأحكام لأن العدالة المتأخرة ليست عدالة. ودعا الى المزيد من الشفافية المالية والإدارية في عمل المحكمة، لاسيما أن لبنان يساهم بنصف الميزانية المالية الخاصة بها.

لبنان نجمة الشرق الأوسط

وشارك رئيس الجمهورية واللبنانية الاولى السيدة ناديا الشامي عون، الرهبنة الانطونية احتفالها بعيد القديس انطونيوس الكبير أبي الرهبان، فحضرا القداس الإلهي الذي أقيم في كنيسة دير مار انطونيوس الكبير في الحدت، والذي ترأسه الرئيس العام للرهبنة الانطونية الأباتي داود رعيدي وعاونه رئيس الدير الأب جورج صدقة ومدير المعهد الأنطوني الأب غسان نصر.

وشدد عون على أن «بناء الدولة يعطي اللبنانيين الأمان»، وقال: «إن شاء الله خلال هذا العهد، وبمساعدة الجميع، ينتعش لبنان الذي أحلم أن أراه نجمة الشرق الأوسط، وهذا ما سيكون عليه».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى