خيارات ترامب وكيسنجر… والغرق في بحر الصين
معن حمية
تصنيف جمهورية الصين الشعبية، كثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، ربما صار تصنيفاً ماضوياً، بعد أن حققت الصين خلال السنوات الماضية خطوات متقدّمة، ولم يعُد يفصلها عن تبوؤ الموقع الاقتصادي الأول عالمياً سوى الاعتراف الأميركي بواقع يفرض نفسه.
أحد أبرز أسباب تقدّم الصين اقتصادياً، انتهاج بكين سياسة استراتيجية تقوم على الدبلوماسية الهادئة، وتنعدم فيها عناصر «الاشتباك»، خصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية التي التزمت «سياسة صين واحدة»، ما ساهم في تحسّن العلاقات المشتركة.
غير أنّ التزام الولايات المتحدة الأميركية، ليس التزاماً ثابتاً، فصراع المصالح بين الدول مفتوح على الاحتمالات كلّها، وواشنطن لا تستسيغ التأقلم مع فكرة التراجع عن تصدّر المشهد الدولي الأول سياسياً واقتصادياً، على الرغم من اقتناعها بأنّ ثمة مشهدية جديدة تتشكل على الساحة الدولية عنوانها انتهاء القطبية الواحدة.
وعلى الرغم من إدراك الصين بأنّ للولايات المتحدة صلة مباشرة بتحريك قضايا وملفات تشكّل إزعاجاً لها، كقضية بحر الصين الجنوبي، إلاّ أنها حافظت على نسق هادئ في علاقاتها الدولية، لكن هذا الهدوء ربما ينقلب إلى عاصفة، في حال ترجم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب تصريحاته بالتخلي عن «سياسة صين واحدة» واستخدام ورقة تايوان.
تصريحات ترامب التي سبقت وصوله الى البيت الأبيض، لاقت رداً حازماً من الحكومة الصينية ينطوي على تلويح بـ«الانتقام»، كما أنّ إحدى كبريات الصحف الصينية قالت في افتتاحية لها إنّ «سياسة الصين الموحّدة ليست للبيع، كما يعتقد ترامب … وإذا كان يمكن وضع سعر للدستور الأميركي، هل سيبيع الشعب الأميركي دستور بلاده ويطبق نظام حكم آخر مثل السعودي أو السنغافوري؟ ولذلك على ترامب أن يتعلم كيفية التعامل بتواضع مع الشؤون الخارجية، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات الصينية الأميركية، والأكثر أهمية من ذلك، أنه إذا أراد ترامب زيادة تسليح تايوان، … يمكن لبكين تقديم الدعم والمساعدات العسكرية لأعداء الولايات المتحدة».
والسؤال، ماذا لو اعتمدت الإدارة الأميركية الجديدة سياسة مغايرة حيال الصين؟ وما هي طبيعة الردّ الصيني الذي سيكون منسقاً مع روسيا الاتحادية التي تؤكد دائماً على متانة علاقتها مع الصين، وتؤكد دائماً أنّ الصين هي البلد الذي سيتربّع على عرش الموقع الاقتصادي الأول في العالم؟
هنا لا بدّ من العودة إلى ما أعلنه مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق هنري كيسنجر مطلع العام 2015، قبل أشهر من انخراط روسيا في العمليات العسكرية ضدّ الإرهاب على الأرض السورية، فقد قال كيسنجر إنّ نُذُر الحرب العالمية الثالثة بدت في الأفق وطرفاها هما الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى. مضيفاً: «إنّ إدراك الاتحاد الأوروبي لحقيقة المواجهة العسكرية المحتومة بين الولايات المتحدة الأميركية وكلّ من روسيا والصين المتباهيتين بقوتهما، دفعه للمسارعة بالتوحُّد في كيان واحد متماسك قوي».
وإذ أشار كيسنجر قبل عامين إلى أنّ الدوائر السياسية والاستراتيجية الأميركية هي التي طلبت احتلال سبع دول شرق أوسطية من أجل استغلال مواردها الطبيعية، خصوصاً النفط والغاز… اعتبر أنّ الصين وروسيا لن تستيقظا إلا بعد أن تشنّ «إسرائيل» حرباً جديدة بكلّ ما أوتيت من قوة لقتل أكبر قدر من العرب، وأنّه عندما يصبح نصف الشرق الأوسط على الأقلّ «إسرائيلياً»، ستصبح المهمة ملقاة على عاتق الجنود الأميركيين والغربيين الدخول في حرب عالميّة ثالثة يواجهون فيها الروس والصينيين.
تصريحات كيسنجر المشار إليها، قامت على فرضية النجاح الأميركي ـ الصهيوني في إسقاط سبع دول في العالم العربي في آتون الفوضى، وبالتالي إخضاعها بالكامل للمشيئة الأميركية ـ الصهيونية، لكن ما حصل أنّ فرضية كيسنجر سقطت بعد أن استعادت سورية زمام المبادرة العسكرية بدعم روسي ـ إيراني، وقد شكل تحرير مدينة حلب ضربة قاصمة لكلّ النظرية الكيسنجرية.
وعليه، فإنّ مؤشرات نشوب حرب عالمية ثالثة تقلصت كثيراً، ولذلك فإنّ واشنطن أمام أحد خيارين، إما أن تبقي على سياستها الحالية تجاه الصين، أو تعتمد نظرية كيسنجر الناقصة التي ستقودها حكماً إلى الغرق في بحر الصين.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي