جلسة العوارض النفسية والفوضى والإنجازات…
هتاف دهام
يستمرّ المناخ الإيجابي منذ انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصولاً إلى الأداء الحكومي والزيارات الخليجية الرسمية. انعكس هذا الزخم أمس، على أول إطلالة تشريعية للمجلس النيابي المنعقد بعقد استثنائي موقع من فخامة الرئيس في ظلّ سياسة التوافق، ومظلّل باتصال رئيس المجلس نبيه بري بالرئيس عون أول أمس ليشيد بكلمته أمام السلك الدبلوماسي.
جعلت تفاهمات الكبار جلسة الهيئة العامة خالية من أية نكهة سياسية يُعتدّ بها لولا بعض المظاهر. أجواء إيجابية وكلام ترافق مع ابتسامات أحاطا لقاء الدقائق المعدودة بين النائب جورج عدوان ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، خلال مروره من جانب مقاعد البرتقاليين، حيث كان النائب القواتي يجلس الى جانب النائب ابراهيم كنعان الذي نادى الحاج رعد ففتح الحديث.
سجلت مفاجأة وحيدة في الجلسة التشريعية تمثلت بإعلان النائب أنطوان زهرا أنه اتخذ وحزبه قراراً بعدم ترشّحه للانتخابات في البترون. فجّر قنبلة سياسية من العيار الثقيل في ذكرى إعلان النيات بين معراب والرابية. قنبلة قواتية ربما تكون مرتبطة بمقعد رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل المرتقب في انتخابات أيار 2017 سواء جرت الانتخابات على أساس الستين أو على أساس أي قانون جديد.
طغى على المداخلات الطابع المطلبي والقضائي. أشار النائب زهرا الى بعض الخدمات المتعلقة بقضاء البترون، مشيراً الى معمل يتعلق بمصدر رزق 600 عائلة ومختص بالكيماويات ويهدّد بصرف العمال ولا يجوز توقيف عمله لغاية في نفس الإدارة.
قال النائب علي فياض هناك حالات مأساوية يعاني منها المرضى وحالات الطوارئ نتيجة رفض المستشفيات استقبالهم، قبل تأمين الدفع المسبق أو بحجة انّ المستشفى غير مهيأ لاستقبال هذه الحالات. إنّ المواصفات الأساسية المطابقة لإنسانيتنا أن نكترث بهذه الحالات وأخطر ما يمرّ به السياسي أن «يتَمْسِح» ويتعاطى مع هذه الحالات كأنها طبيعية، وهي ليست كذلك. إنّ الفقراء يتوسّلون الأسرّة على أبواب المستشفيات. يُهانون ويُذلُّون.
وجه النائب علي عمار سؤالاً حول ملف الانترنت غير الشرعي قائلاً: هل غبريال المر أقوى من الدولة؟ لماذا لم نر حتى الآن أيًا من المتورطين في السجن؟
تناول النائب عاصم عراجي طريق ضهر البيدر التي تُقفل لأربعة وخمسة أيام بسبب الثلج والجليد، وطالب باستخدام آلات متطوّرة لفتحها. وتناول قضية الاستشفاء إذ لا يجوز اعتماد نظام الكوتا للمستشفيات، الذي يعرّض المرضى لكوارث كبيرة. وأثار موضوع النازحين السوريين والأزمة التي يسبّبها هذا النزوح من صحية وغيرها.
غابت النقاشات الساخنة عن الهيئة العامة في ظلّ أجواء التهدئة. خرقت فوضى نيابية الملل عند مناقشة بعض البنود. فوضى أضفت جواً من الصخب أنعش بعض أصحاب السعادة والمعالي الذين كانوا في حالة «لا حسّ ولا خبر». للتسلية لجأ عدد من النواب الحاضرين الغائبين إلى تصفّح جدول أعمال لا يفقهون منه شيئاً، وفي الوقت نفسه يسارع بعضهم إلى فتح جدال في وادٍ آخر.
مشهد ساحة النجمة لم يعُد مستغرَباً بعد تمديدَين. لا يزال نواب 2009 على حالهم مع خرق وحيد يتمثل بالنائب المنتخب عن جزين أمل أبو زيد. المصطلحات ذاتها. الاعتراض على اقتراحات ومشاريع مرّت في الهيئة العامة قبل سنوات لا يزال من الأشخاض ذاتهم. صحيح أنّ النبرة تبدّلت والصراخ خفت وتبادل الاتهامات والشتائم انعدم. لكن يبقى الأكيد أنّ الرئيس فؤاد السنيورة لا يزال نفسه وزير المال الأسبق. سيبقى رئيس الحكومة الأسبق الذي صرف الـ11 مليار دولار من خارج القاعدة الاثنتي عشرية بين عامي ألفين وخمسة وألفين وعشرة .الثابت أيضاً أنّ أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح لا يزال رئيس لجنة المال والموازنة. وأمام ذلك من غير المعقول أن لا يصطدما ولو مواربة. طفح كيل النائب المتني من رئيس كتلة المستقبل. لا يعني التفاهم مع التيار الأزرق عند النائب العوني أن يُصاب بـ»الزهايمر»، ويغضّ الطرف عن دَين عام يتحمّل مسؤوليته السنيورة نفسه، وفي الوقت نفسه، يتباكى الأخير على خزينتها على حساب أصحاب الدخل الحدود من متعاقدين في وزارة الإعلام وفي الإدارات العامة.
المفارقة أنّ كلّ سياسي يتطبّع بمفهوم معيّن لممارسة السلطة. رئيس كتلة النواب الزرق شخصية مالية محافظة أساساً. يتعامل مع المال العام بعقلية الجابي رغم أنه أنفق 11 ملياراً ولم يرفّ له جفن. نظرته الى المال العام أصبحت مطبوعة بهاتين الصفتين. لا يستطيع الا أن يكون مناكفاً ومناكداً للعهد ولرئيسه وللحكومة ورئيسها سعد الحريري، لا سيما بعد ضربة إقالة مدير عام اوجيرو عبد المنعم يوسف، وإن كانت الممارسة «السنيورية» في الجلسات العامة مألوفة وجزءاً من ثقافته وفهمه لطريقة إدارة أموال الدولة.
وفي موازاة ذلك، سارع رئيس الحكومة إلى سحب الاقتراحات المالية إلى الحكومة. إذ ردّ الى مجلس الوزراء اقتراح القانون الرامي الى ترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام الى رتبة مفتش ممتاز وما فوق الى رتبة ملازم، مع الاقتراح الذي يليه والمتعلق بترقية رتباء في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الى رتبة ملازم لإعادة النظر فيهما. كما سحب إلى الحكومة طرح اقتراح القانون الرامي الى افادة المتعاقدين في الإدارت العامة سنداً للمرسوم 5240/2001 وسائر المتعاقدين في الإدارات وفقاً للأصول، وبدوام لا يقلّ عن الدوام الرسمي من نظام التعاقد وتقديمات تعاونية موظفي الدولة. ونقل إلى جدول أعمال مجلس الوزراء مشروع القانون المتعلق بفتح الاعتمادات الإضافية اللازمة لتسديد المبالغ المستعملة من سلف خزينة معطاة خلال عام 2012، وتغطية المبالغ المدفوعة كفوائد قروض وسندات خزينة خلال العام ذاته، والمشروع الذي يليه والمتعلق بفتح اعتماد إضافي لتغطية العجز في الرواتب والاجور وملحقاتها للإدارات ذات الموازنات الملحقة.
والسؤال هل خطوة الحريري ستساعد على تمرير هذه الاقتراحات من دون تعقيدات لكون الحكومة منسجمة، ومع البازار السياسي وتبادل الأثمان تصبح الأمور أسهل؟ ام أنه يخبّئ أهدافاً أخرى؟ فالوزير نهاد المشنوق اكتفى رداً على أسئلة الصحافيين عن مصير اقتراح ترقية المفتشين بالقول: «حسب همّة الحكومة».
وإذا كان الحريري نجح في «انتزاع» هذه الاقتراحات إلى الحكومة لدراستها خلال مهلة لا تتعدّى الشهر، كما وعد، فإنّ محاولته باءت بالفشل لسحب اقتراح القانون الرامي إلى تعديل بعض أحكام القانون 441 تاريخ 29/7/2002 المتعلق بأصول التعيين في وظيفة أستاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية وتعيين جميع الناجحين في المباراة المفتوحة، التي أجريت في العام 2008، وفقاً للمرسوم رقم 537 تاريخ 18/7/2007 لوظيفة أستاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية.
دفع النائب علي فياض باتجاه حلّ لفائض العام 2008 وفائض العام 2016، وفق معايير أربعة تبعاً لتسلسل العلامات، فتح الأقضية، وفقاً للحاجات، وفي مدى زمني أقصاه أربع سنوات، على أن تبقى أحكام القانون الأخرى سارية المفعول وتحديداً بما يتصل بمنع النقل خارج القضاء قبل مرور خمس سنوات.
حصل نقاش حادّ حول هذا الاقتراح. انقسمت الهيئة العامة حياله. هدّد الرئيس بري أكثر من مرة بسحبه، لكن فياض أشار إلى عدم جواز الخروج من الهيئة العامة قبل إقراره وإعطاء الأساتذة حقوقهم، خاصة أنّ هذا الملف مفتوح في الجلسة العامة منذ العام 2010، إذ طرح أربع مرات في الهيئة العامة، وأعيد الى اللجان المشتركة أو لجنة التربية، وحصل حوله توافق سياسي أكثر من مرة، ورغم ذلك لم يُقرّ.
إنّ إقرار هذا القانون شكل نقلة نوعية على أمل أن تستكمل، كما قال نائب الوفاء للمقاومة، بمعالجة كلّ مشكلات التعاقد، علماً أنّ وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة التزم عدم فتح تعاقد جديد.
وبانتظار تناول جلسة اليوم ملف الإيجارات، أقرّت الهيئة العامة أمس 29 اقتراح قانون بعد أن جرى في الجلسة المسائية توضيح بعض النقاط الواردة في المشروع المتعلق بتنظيم مهنة الطب النفساني بين النائب نواف الموسوي ووزير الصحة غسان حاصباني.
لأول مرة منذ سنوات طويلة لم تشهد الجلسات التشريعية انقساماً بين فريقين سياسيين. مثلاً شكّل الوزير علي حسن خليل في مواجهة كتلته فريقاً منسجماً مع الرئيس السنيورة أكثر من انسجامه معها.
بدا النواب متشوّقين للتشريع وعودة الحياة البرلمانية على أبواب الانتخابات، رغم كلّ «العوارض النفسية» التي تصيبهم، كما ادّعى بعضهم ساخراً عند طرح مشروع تنظيم مهنة الطب النفساني، لكن أحداً منهم لم يكترث عملياً بعدم وضع قانون الانتخاب بنداً أول على جدول الأعمال، لا سيما أنّ ذلك يشكل مخالفة واضحة لروح ما التزم به مجلس النواب والحكومة أمام الرأي العام.
شارك أصحاب السعادة من الكتل السياسية كافة في مداخلات الأوراق الواردة. تحدّثوا عن قانون الانتخاب… لكن رفعاً للعتب. فهؤلاء لم يرفعوا الصوت قبل وضع جدول الأعمال ولا بعده. جاهر أحد نواب التيار الوطني الحر بأنّ الانتخابات ستجري وفق قانون الستين، في الوقت الذي كان فيه رئيس تياره يبحث مع النائب فياض على هامش الجلسة الصباحية في عدد من الأفكار المتعلقة بالقانون الانتخابي، في حضور خبراء من الفريقين بالمشاريع الانتخابية.