مختصر مفيد 2017 عام فلسطين
يسهل على الباحثين والدارسين تبيان العلاقة العضوية بين تصاعد حمى الربيع العربي وتراجع القضية الفلسطينية خلال السنوات التي مضت، سواء عبر تراجع الاهتمام العربي الرسمي بها أو تراجع مكانتها الإعلامية أو تراجع حجم حيوية حركة المقاومة أو الانتفاضة الشعبية من جهة، ومن جهة أخرى درجة الارتباط العضوية أيضاً بين ما يجري في فلسطين وما يجري في سوريا، فكلما بدا أن سوريا تذهب لصالح مشروع الدولة والجيش والرئيس تنتعش القضية الفلسطينية، وكلما بدا العكس تتراجع.
ترتب على كل ذلك تأرجح في مكانة القضية الفلسطينية في وجدان شرائح شعبية عربية في ضوء ثقافة الأولويات التي حملها الربيع العربي للشعوب، أو الأولويات التي روّجت لها الأنظمة عن العداء لإيران بديلاً من العداء لـ إسرائيل في قلب ثقافة الفتنة والحروب الطائفية والمذهبية، أو ما ترتب على تلاعب بعض الفصائل الفلسطينية بمكانتها ومكان القضية لخدمة أهدافها الحزبية الضيّقة والتسبّب بالإساءة للقضية وإبعاد شرائح من الشعب العربي عن فلسطين، كما حدث مع بعض السوريين في ضوء موقف حركة حماس وتبدلاته.
يلحظ المتابعون بسهولة فعل هذا الترابط منذ استعادة الجيش السوري وحلفائه مدينة حلب وحالة التغيير النوعي التي أدخلها على موازين القوى في حرب سوريا والآمال التي منحها لفرص النصر السوري النهائي في هذه الحرب، حيث تبدو الحيوية وقد استعيدت بقوة للقضية الفلسطينية سواء لجهة تنامي أعمال المقاومة أو للمكانة التي عادت القضية الفلسطينية تحظى بها إعلامياً وسياسياً وشعبياً، انطلاقاً من الإحساس العام بأن الحرب على سوريا ترخي ستائرها، وأن الخاسر الكبير سيكون إسرائيل التي بدأت تتساءل عن ماذا بعد النصر السوري، وعن أولويات محور المقاومة ليأتيها الجواب على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن فلسطين ستكون المنتصر بنصر سوريا، وأنه رغم بقائها بوصلة دائمة لقوى المقاومة فإنها ستزداد تألقاً بهذا النصر.
خلال الشهر الأول الذي لم ينته بعد لا يمرّ يوم لا تصنع فيه فلسطين الخبر الأول لنشرات الأخبار والمادة الرئيسة للمقالات والتحليلات والتقارير الصحافية، وقد شهدت الأسابيع الثلاثة التي مضت عملية نوعية لدهس جنود الاحتلال في القدس، هزّت كيان الاحتلال واستنهضت همم المقاومين وحازت الإعجاب والتقدير عربياً وعالمياً، وأسقطت محاولات الشيطنة التي استهدفت ربطها بتنظيم داعش بظهور هوية المنفذ كواحد من رجال المقاومة، وجاء انعقاد اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني في بيروت كإشارة أولى من نوعها لمساعي المصالحة الوطنية بين الفصائل ليتلوها اجتماع مشابه في موسكو، علامة على فعل المقاومة في التأثير السياسي على القيادات، ويأتي الحضور الشعبي في النقب وما استثاره من تعاطف فلسطيني في المناطق المحتلة العام 1948 وصولاً للتحضير لانتفاضة سيبدأها التظاهر والتحرك الشامل تحية للشهداء، والشهر لم ينته بعد.
العام 2017 الذي تبدو فيه حرائق الربيع العربي قد فقدت جذوة اشتعالها بفعل ذبول أكذوبة الشعب يريد تغيير النظام ، وظهور الأخونة والعثمنة ووصولاً للنسخة الوهابية للموت المتنقل بتهمة التكفير بذريعة الديمقراطية، وفشلها جميعاً في خداع الشعوب أو في خلق وقائع تغذّي نارها بالدخان اللازم لحجب فلسطين ووهجها، تبدو التسويات الدولية قطاراً جاهزاً للإقلاع وقد استنفد العالم استثماره على حروب الربيع العربي وصارت أعباؤها أعلى من عائداتها، وخرجت ما كانت أعراضها الجانبية عن السيطرة، فيتهيّأ المسرح لتستعيد فلسطين صورة الصفحة الأولى والخبر الأول والمكانة الأولى، ليكون العالم 2017 عام فلسطين.
خلال هذا العام ينطرح على النخب العربية التي تؤمن بفلسطين، وكانت تتألم لما أصاب العرب وأصاب العالم تجاه فلسطين، أن تنتقل من الانفعال إلى الفعل وخوض غمار التحدّي برفع مكانة فلسطين بالكتابة والقول والنشر ما يسرّع مفاعيل هذا التحول الكبير بدلاً من انتظار الفعل من فلسطين، فلفلسطين وشبابها الحق علينا بسماع حقيقة ما يمثلون من مفتاح لحريتنا وكرامتنا، لأنهم يودّون سماع ذلك من قلوبنا أكثر مما ينتظرون سماع أخبارهم وتمجيد نضالاتهم على أثير أصواتنا…
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.