مطالب تركيا ومفاتيح العلاقة مع واشنطن
د. هدى رزق
لم تشهد تركيا تعبئة سياسية ضد رئيس في الولايات المتحدة الاميركية، كما حصل بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز، التي شكلت سبباً رئيسياً لتفجير الخلافات، التي سادت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وادارة الرئيس المنتهية مدة ولايته باراك أوباما.
شكّل تردّد واشنطن في تنفيذ ضربات ضد «داعش» في مدينة الباب، مدخلاً دفع قادة تركيا إلى تصريحات غاضبة اتهمت الولايات المتحدة بالوقوف مع «الإرهابيين». وألمحوا إلى أنه يمكنهم منع وصول قوات التحالف إلى قاعدة أنجرليك الجوية. عادت بعدها قوات التحالف ونفذت أربع غارات جوية، يوم الثلاثاء 17 كانون الثاني، حيث ضربت معدات البناء والمركبات وحاملة جند مدرعة تابعة «لداعش». واكدت ان من المرجح أن تظل طائرات التحالف والقوات الأميركية، نشطة حول الباب في الأيام المقبلة. وإن هذه العملية مصلحة مشتركة للبلدين.
يعكس الخلاف حول مدينة الباب، مدى عمق المشكلة وعدم الثقة المتبادلة، التي تجتاح حليفي «الناتو». وكردّ على إعراض قوات التحالف عن مساعدتها في العملية العسكرية في مدينة الباب، اتفقت تركيا في 12 كانون الثاني مع روسيا، على القيام بعمليات مشتركة في سورية. واعلنت في 18 كانون الثاني عن تنفيذ عملية مشتركة ضد «داعش» وصلت إلى 36 هدفاً بالقرب من الباب. تبدو سورية وكانها تستغلّ هذا الخلاف لمصالحها، فهذه الخطوة الموقعة بين تركيا وروسيا، التي تسمح للقوات الجوية الخاصة بتنسيق العمليات في سورية، أتت لتحرج قوات التحالف وتظهر إرادة أردوغان وجديته باستبدال تحالفاته الاستراتيجية في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، إن لم تلبّ شروطه.
وكانت تركيا في وقت سابق، قد رفضت السماح لطائرات أميركية من دون طيار، بالاستطلاع فوق مدينة الباب، خوفاً من أن توفر الأخيرة معلومات مفصلة وصورا حول خطط هجومها البري، إلى حلفائها الأكراد السوريين. فتركيا تريد من الولايات المتحدة المساعدة في الضربات الجوية، من دون المشاركة في المعلومات التفصيلية.
يعتقد بعض المحللين الاميركيين، أنّ تركيا قامت بتأخير الموافقة على المهام الجوية الأميركية، من قاعدة انجرليك، من أجل مراقبة ما اذا كانت إدارة باراك أوباما، قد اعطت أوامر بعمليات نقل أسلحة مباشرة للمقاتلين الأكراد السوريين، حلفاء التحالف في الحرب ضد «داعش»، فوزارة الدفاع الأميركية ترى أن قوات الحماية الكردية وقوات سورية الديمقراطية، هم شركاء التحالف الأكثر فعالية على أرض الواقع.
من غير الواضح، اذا أشار فريق ترامب إلى بقاء 500 جندي من القوات الخاصة الأميركية، المنتشرة حالياً في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد، أم لا، فهؤلاء يرون في الوجود الأميركي ضماناً لسلامتهم من ايّ هجوم من تركيا أو من النظام السوري، لا سيما بعد تصاعد هجمات القوات التركية ضدّ وحدات الحماية، في المناطق التي لا يتواجد فيها الاميركيون، فعلاقة أنقرة مع إدارة أوباما أخذت منعطفاً خطيراً، عندما أعلنت واشنطن أنه يجب أن يكون لحزب الاتحاد الديمقراطي صوت في أيّ محادثات تهدف إلى إنهاء الأزمة السورية. انتقدت الصحافة المقرّبة من الحكومة التركية عقيدة أوباما واتهمت الولايات المتحدة بأنها حاولت تعزيز وجودها في الشرق الأوسط، لكن ليس عن طريق الاتفاق مع حلفائها في حلف «الناتو» والشركاء الاستراتيجيين، لكن من خلال العمل مع المنظمات الإرهابية. كذلك، وصف وزير الخارجية جاويش اوغلو، العلاقة مع واشنطن بالمخيّبة لآمال الشعب التركي. تتوقع انقرة من إدارة ترامب وضع حدّ لتدهور العلاقة بين البلدين. كما أنها تحاول اللعب على الخلافات السياسة بين أوباما، الذي دعم كلينتون علنا وبين الرئيس الجديد. تبعث تركيا برسائل متعددة للادارة الجديدة، منها عزمها على محاربة الارهاب واعلان الرئيس التركي أنه لن يكون على الدفاع بل على الهجوم. وهذا يتوافق مع تصريحات الرئيس دونالد ترامب، الذي ذكر أنّ اولوياته محاربة الارهاب وليس إسقاط الأنظمة. تقترب تركيا من روسيا، ليس فقط من اجل مصالحهما المشتركة، بل تتصرف كدولة اقليمية كبرى، تطمح الى لعب دول متوازن بين واشنطن وموسكو في تناغم سياسي مع الرئيس الاميركي. وهي تحرك رجال اعمال أتراك مقربين من ترامب أو شركاء له.
في الواقع، المشكلة في أنّ توقعات تركيا تستند فقط على تلبية مطالبها، دون ايّ مجال للتفاوض، أو حل وسط معقول. تريد استرداد غولن وقطع واشنطن العلاقة مع اكراد سورية. وترى انه اذا لم يتمّ الوفاء بمطلبيها، فلن يكون هناك أمل لتحسّن العلاقات بين البلدين. وبهذا تستعمل وجها من وجوه علاقتها مع موسكو، كخطة مناورة لمواجهة الإدارة الاميركية الجديدة. وتشير التصريحات الرسمية في تركيا، إلى أنّ هاتين المسألتين تشكلان اختبارات فاصلة، يمكنها ان تثبت أن كانت الولايات المتحدة حليف جدير بالثقة.
لكن السؤال الكبير بالنسبة لتركيا، هو ما إذا كان ترامب، الذي يريد تحسين العلاقات معها، كما أعلن، لن يتمكن من تلبية مطالب أنقرة. ليس من الواضح، كيف يمكن التغلب على العقبات القانونية وإرسال غولن الى تركيا، كما تريد أنقرة. حيث يقترح البعض أن تلجأ ادارة ترامب إلى التضييق على غولن، من اجل ارضاء تركيا، لكنها ستواجه مأزقا فيما يتعلق بوحدات الحماية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي. فترامب يريد انجازا سريعا في الرقة، لذلك، سيعطي الأكراد السوريين دورا، خصوصا في تحرير هذه المنطقة. هناك ما يدل ايضا على أن الإدارة الجديدة، لا يمكن ان تخفف من دعمها للأكراد في هذه المرحلة الحرجة، لمجرد استرضاء تركيا. لكن ليس من الواضح إذا كانت ادارة ترامب ستلبي آمال تركيا، لخط مرحلة جديدة في العلاقات التركية الأميركية.
ماذا لو فشلت واشنطن في تلبية المطالب التركية، في الوقت الراهن؟ وما ستكون عليه ردود فعل الرئيس ومؤيديه، الذين يحتفلون بذهاب أوباما وبقاء أردوغان، كرئيس يعزز صلاحياته ويرنو الى علاقة جديدة مع واشنطن، بعد أن فرض عليها امرا واقعا بدخوله الباب على الرغم من ارادتها.