مؤسّس العمل الحزبي في النبي عثمان الأمين علي محمد نزهة
الحديث عن بلدة «النبي عثمان» يطول، ولا يُختصر بصفحات. في اكثر من مناسبة كتبنا عنها، ونأمل ان نتمكن، او يتمكن رفقاؤنا فيها، من تنظيم ملف تاريخ العمل الحزبي فيها، ويتضمّن ايضاً سير الرفقاء الشهداء، والمناضلين..
من المنارات الذين تفتخر بهم النبي عثمان، مؤسس الحزب فيها وباني «الاخضرار» في الارض الجرداء القاحلة، نعني به الرفيق الامين علي نزهة، الذي منذ ان انتمى في العام 1947 وهو يصارع في سبيل حزبه، كما في سبيل نمو بلدته، فكان هو المهندس الزراعي وراء تحويل الارض القاحلة الى حدائق وبساتين، ما زالت حتى يومنا هذا تشهد على الفعل الايجابي للحزب في بلدة باتت معقلاً ومنارة تشع انوار النهضة في محيطها وفي كل منطقة البقاع الشمالي.
تولى الامين علي مسؤوليات حزبية عديدة، منها مسؤولية منفذ عام البقاع الشمالي، انتخب عضواً في المجلس الاعلى وناموساً له .
منح في اواسط الخمسينات من القرن الماضي رتبة الامانة الا انها سقطت عنه وعن جميع الامناء في اوائل السبعينات من القرن الماضي اثر مؤتمر ملكارت، انما استمر الرفقاء واهالي النبي عثمان يتوجهون اليه بحضرة الامين.
توفي الامين نزهة عام 2001 واقام له الحزب وعموم اهالي النبي عثمان حفلا تأبينيا يوم الاحد 17 حزيران 2001.
حفل التأبين
نشرت «صوت النهضة» في عددها حزيران تموز 2001 هذه الكلمة عن التأبين الذي أقيم للامين الراحل:
غيّب الموت الرفيق علي محمد نزها ابو زينون عن عمر يناهز 78 عاماً، حيث أقيم له احتفال تأبيني حاشد في مسقط رأسه «النبي عثمان» وذلك يوم الأحد بتاريخ 17 حزيران 2001 بحضور رجال دين وممثلي الاحزاب وفعاليات اجتماعية وبلدية في البقاع الشمالي، وحشد من القوميين.
وتوالى على الكلام إمام البلدة الشيخ إبراهيم نزها، والشاعر رامز حيدر، الياس الغناج، و محسن أمهز باسم رفقاء الفقيد وسمر نزهة باسم آل الفقيد.
وألقى كلمة مركز الحزب الرفيق كمال نادر الأمين لاحقاً ، فتحدث عن نظرة الحزب الى الحياة والموت وعن استمرار الإنسان في مجتمعه وخلود النفس، ونوه بمزايا الفقيد وسيرته القومية والاجتماعية التي تصح أن تكون قدوة. وتكلم عن الوضع القومي العام فقال ان الانتفاضة ستستمر رغم كل محاولات وقفها وسوف تجعل العدو يتفكك ويرحل عن فلسطين. وأهاب بالدول العربية أن تدعمها، شاجباً ما يظهر من بعض الأنظمة تجاه المناضلين. وقال ان الشام تدير عملية الصراع وتحمل هم الأمة كلها وتعمل لمجابهة المؤامرات عليها، مؤكداً على وحدة الموقف الصراعي الذي يندمج فيه لبنان وفلسطين مع سورية من اجل التحرير، ورفع الظلم عن العراق. وعن الوضع اللبناني قال، ان الأمر يزداد تعقيداً في غياب سياسة إنقاذية تكون على مستوى الأعباء والمشاكل الاقتصادية والإدارية.
الى الامين الراحل علي نزهة
عندما وصله نبأ رحيل الامين نزهة، كان الرفيق علي نزهة ابو واجب في زيارة الى سدني – اوستراليا، فوّجه الى عمدة شؤون عبر الحدود بتاريخ 13/06/2001 الكلمة التالية التي كنت نشرتها ضمن كلمة عممتها عن الامين علي نزهة بتاريخ 06/07/2007 تحت عنوان «نتذكر باعتزاز» .
« ماذا نقول في هذه المناسبة الاليمة وقد يعجز اللسان عن الكلام
ماذا نقول الى الرفيق الامين المخلص حتى آخر يوم في حياته،
الى الذي آمن وعمل وجاهد من اجل فلاح هذه العقيدة،
الى الذي وضع حجر الأساس في بناء هذه القلعة الحزبية: بناء زراعياً وثقافياً وتربوياً،
الى الذي غـرس اول شجـرة مثمرة في هذه البلـدة فتحـولت النبي عثمان من ارض يباس الى مـزارع غـنّـاء،
الى الاستاذ الاول، والمهندس الاول، والرفيق الاول، والمدير الاول، والمنفذ الاول في بلدة النبي عثمان،
الى الذي تحمّـل الضغـوط والسجـون ومحاولات الاغتيال والتشريد،
الى الذي دُمـر منـزله في النبي عثمان عام 1958 على يـد خفافيش الليل ولم يتراجع قيد أنملة عن مبادئه التي
آمـن بها، فكان مرجعاً مهماً ومذيعاً ناجحاً حيث تخرج على يـده مئات الـرفقاء والـرفيقات وبنى عائـلة قـومية
اجتماعية.
أيها الأمين الجزيل الاحترام،
لقد اعطيت الكثير الكثير لهذه النهضة العظيمة وقمت بواجباتك على اكمل وجه، متمماً قول المعلم بأن كل ما فينا
هو من الامة، وكل ما فينا هو للامة حتى الدماء، فنم قرير العين ابا زينون ايها الرفيق الامين، فلقد ذهبت في
الجسد ولكن تاريخك سيبقى ناصعاً تذكره الاجيال القادمة..
سنذكرك كلما ذكرنا المخلصين المؤمنين الصادقين المثابرين..
سنذكرك كلما رأينا بساتين النبي عثمان الخضراء.
سنذكرك كلما ذكرنا الرجال الرجال..
سنذكرك كلما قلنا تحيا سورية، الم يقل المعلم سعاده العظيم: «قد تسقط اجسادنا اما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها
على هذا الوجود»، فعزاؤنا هو ان البذور التي بذرت اصبحت سنابلَ واشجارَ وبساتينَ تعطي الامة حقاً وخيراً وجمالاً »
بعد إعداد هذه النبذة وقبل تعميمها استلمنا من حضرة العميد الامين معن حمية الحديث التي كانت اجرته منفذية بعلبك بتاريخ 26/09/1988 مع «الرفيق علي محمد نزهة» نورد اهم ما جاء فيه:
س. كيف تعرفتم على سعاده والحزب ؟
– تعرّفت على الحزب عن طريق رفيق قومي اجتماعي من بلدة كفرعقاب من آل المعلوف 1 . اذ كان يتردد على بلدتي «النبي عثمان» بحجة ابتياع خشب حور. ولكنه في المضمون كان يأتي لنشر العقيدة القومية الاجتماعية.
وكنت قد سمعت بالحزب القومي عام 1942 وأنا طالب في كلية الروم الارثوذكس في مدينة حمص، وكنت في تلك المرحلة، اعتبر هذا الحزب حزباً شعوبياً اي غير عربي. هذا ما كنت اعتقده فكرياً، اما بالنسبة للاشخاص القوميين الاجتماعيين فقد كانوا يفرضون احترامهم على الآخرين من خلال اخلاقهم، ومناقبيتهم، ورويتهم، وتقبلهم لكل بحث فكري دون انفعال او تزمت.
«اما الزعيم سعاده فقد تعرّفتُ عليه عندما انتقلتُ الى الجامعة الاميركية عام 1948. تعرّفت عليه في بيته في رأس بيروت، حيث كان يثقفنا عقائدياً. وقد انتقلنا فيما بعد الى مكان في رأس بيروت خُصص لإلقاء المحاضرات العشر من قبل الزعيم نفسه، وبحضور القوميين والمواطنين من اصحاب الفكر، ولا زلتُ اذكر منهم إنعام رعد، وجورج عبد المسيح الذي كان يدوّن ما يقوله الزعيم.
س. كيف حصل انتماؤكم للحزب ؟
– اتى الرفيق «معلوف» كما ذكرت سابقاً الى بلدة «النبي عثمان» وكان يحادثني في كل أمسية عن المبادىء الاساسية، والاصلاحية ووضع الامة المزري، وطريق النهوض بها. وكيفية مقارعة الاقطاع السياسي ــــــ المادي عن طريق الحزب، وهذا ما استهواني وجعلني انتمي للحزب عام 1945 مع قناعات عروبية خفيّة بقيت في قرارة نفسي حول «الامة العربية»، وهذا ما جعلني الاحق المرحوم رياض طه زميلي في الدراسة في حمص، وإقناعه بدخول الحزب على امل ان نعمل من ضمن الحزب معاً، فنعمل على الاخذ بمبادئه الاصلاحية، على ان نحوّله فيما بعد باتجاه القناعة بـ«الامة العربية» اذ كنت في تلك المرحلة مع ابناء بلدتي «النبي عثمان» نعاني من وطأة الإقطاع «الحيدري» كما كان المرحوم رياض طه يعاني مع أبناء بلدته من إقطاع آل حماده.
أما فيما بعد وبعد استماعي لشروحات الزعيم ومطالعاتي ولقاءاتي الإذاعية، تمكنت فكرة الأمة السورية في عقلي وأخذت بالعروبة الواقعية ــــــ الاجتماعية اخذاً واعياً صادقاً.
س. ما هي أعمال مقاومة الحزب للانتداب الفرنسي ؟
– انتقلتُ من مدرسة حمص الى مقاصد بيروت 1943 في بدء العام الدراسي، وقد اشتركت مع طلاب المقاصد في مظاهرات طلابية صاخبة باتجاه مركز قيادة « الجنرال سبيرز» الانكليزي، وهناك جرى صدام بيننا وبين رجال الامن، فجرح من جراء ذلك زميل لنا من آل «غندور». وبعد اعتقال بشارة الخوري رئيس جمهورية لبنان ووزرائه في ذلك الوقت، سمعت بأن الحزب القومي يجهّز مقاومة ضد الفرنسيين في بلدة «بشامون» وعندما استشهد بطل الاستقلال الشهيد سعيد فخرالدين، برز اسمه في اسماع المواطنين جميعاً وعرفنا انه قومي، كما كنا نسمع بأن آل البعيني 2 المقاومين الاشداء للفرنسيين، هم قوميون ايضاً.
س. ما هي ذكرياتكم عن اعتقال الزعيم وسجنه وموقفه في المحكمة ؟
– لا اذكر عن تلك المرحلة شيئاً وذلك لصغر سني وعدم اطلاعي في ذلك الوقت.
س. ما هي طريقة الزعيم في الادارة، في الاذاعة، في الخطابة، وفي السياسة؟
– أ. في الادارة: كان الزعيم يعمل لتحريك كل إمكانية بالفرد مهما كانت بسيطة، ويعمل على تغذيتها، مع المراقبة الدقيقة لكل خطوة من خطواته.
– ب. في الإذاعة: ان الاسلوب الاذاعي الذي كان يتبعه الزعيم فهو الاسلوب الذي يحاكي عقول الناس حسب مداركها ومواقعها وسويتها مع العمل على تنميتها باتجاه الافضل.
– ج. في الخطابة: كانت الخطابة عند الزعيم تهتم اساساً بمخاطبة العقول والنفوس، لأنه كان يريد ان يركز مفاهيم اساية ترتكز على شرعة العقل مبتعداً عن المشاعر والعواطف، لأنها تخمد بعد انتهاء المناسبة.
– د. في السياسة: كان الزعيم يعتبر ان السياسة هي «من خدمة الاغراض القومية» لذلك لم يعمل سياسة على غرار المألوف المعروف عند السياسيين في بلادنا. والدليل على ذلك أنه في 1947، وكان لبنان يعيش مرحلة انتخابات نيابية، فطرح الزعيم برنامج الحزب المنبثق عن العقيدة قائلاً لكل المرشحين: «من يرد التعاون معنا على هذا الاساس فليتفضل».
س. ما هي ذكرياتكم عن الثورة القومية الاجتماعية الاولى، مقدماتها والظروف التي أدت إليها ؟
– في ذلك الوقت كنت مديراً لمديرية النبي عثمان التي كانت تتبع منفذية بعلبك، وكان المنفذ العام حضرة الامين مصطفى عبد الساتر وكنا نعرف ان هناك توتراً بين الحكومة اللبنانية رياض الصلح والحزب، الى ان فوجئنا بموضوع «حادثة الجميزة»، ولما كان الاتصال مفقوداً بيننا وبين المركز، لذلك استنفرتُ القوميين الاجتماعيين في «مديرية النبي عثمان» وخرجنا بسلاحنا الى الجبال، وقد اشترك معنا المواطنون في هذا الاستنفار حتى بلغ عديدنا ثمانين شخصاً مسلحاً، وكانت المفاجأة الرهيبة عندما وصلتنا «جريدة» لا اذكر اسمها تحمل نبأ إعدام الزعيم، ومعارك في البقاع الغربي، ونحن في مواقفنا لا نعرف شيئاً عما يدور، وماذا نعمل ولكنني وبعد استشهاد الزعيم بـ12 سنة التقيتُ صدفة السيد محمد رشيد دندش الذي ابلغني ما يلي: إن الزعيم انطون سعاده عندما حضر الى جرودنا كلّفني ان انقل إليك طلبه ان تتصل به حيث كان موجوداً، وإني اعتذر عن هذا التقصير ، هذا ما عرفته من السيد محمد رشيد دندش.
أما بالنسبة لمرحلة عام 1949 فقد كانت على غرار ما يقول المثل: «احرجوه حتى اخرجوه». ذلك ان الحكومة اللبنانية ارتعبت من الاستقبال القومي والشعبي الهائل الذي جرى لسعاده على اثر عودته من مغتربه القسري في 2 آذار 1947. لقد عاش بشارة الخوري ورياض الصلح منذ تلك اللحظة هاجس الخوف فبادروا لإحراج القوميين بالتآمر عليهم والتنكيل بهم وذلك للنيل من سعاده، هذا العظيم العظيم.
س. كيف كان الزعيم يعالج الظاهرة السياسية الفئوية. مثلاً كيف عالج ظاهرة الانحراف في زمانه بعد عودته من مغتربه القسري ؟
– على اثر عودة الزعيم من مغتربه القسري في 2 آاذر 1947، لاقاه بعض القياديين لوضعه في اجواء الحزب، وانتشاره، وسياسته. وعندما وصل الى بيروت خاطب القوميين من على شرفة منزل مأمون اياس، رافضاً كل ما خطط له القياديون في غيابه، ان في الثقافة او في السياسة او التحالفات، طالباً العودة الى جوهر العقيدة واغراضها العليا دون اي تحريف. ثم حاول بكل ما يملك من امكانيات ارجاعهم الى خط العقيدة الصحيح، لذلك ناقشهم، وحاورهم، في سبيل انقاذهم من السقوط، فلم يقتنعوا، فكان لا بد من بترهم حفاظاً على صفاء العقيدة ومسيرتها القويمة. أما من عاد منهم عن اجتهاده كالمرحوم الامين اسد الاشقر فقد احتضنه الزعيم وأبقاه عضواً عاملاً في صفوف الحزب.
س. ما رأيكم بخطاب سعاده يوم عودته في 2 آاذر عام 1947 ؟
– ان رأيي بخطاب سعاده في 2 آذار 1947 انه يمثل الموقف السليم الواضح لاستمرار العقيدة وانتصارها دون تشويه او تغيير او استعمال العقيدة والحزب لغايات شخصية او فردية على حساب مصلحة الامة والمجتمع.
س. كان سعاده سياسياً ومن اي طراز ؟
– كان سعاده يتصل بكل الناس والفئات على اساس العقيدة بكل ابعادها دون مسايرة او مواربة، ومن هنا القول: السياسة فن خدمة الاغراض القومية.
س. من تآمر على قتل سعاده ؟ ما علاقة حسني الزعيم والحكومات العربية والرجعية والدول الاجنبية ؟
– تآمر على قتل سعاده عملاء اليهود في انظمة مصر وسوريا ولبنان ومن ورائهم الدول الكبرى. أما حسني الزعيم مع رياض الصلح فقد كانا المنفذين المباشرين في تنفيذ اغتيال سعاده.
هوامش
1 – هو الرفيق ابراهيم معلوف الذي نأمل ممّن عرفه في منطقتي كفرعقاب بسكنتا وبعلبك ان يزوّد اللجنة بمعلومات عنه.
2 – كنا اشرنا الى الرفيق البطل اديب البعيني في النبذة التي عمّمناها عن الاستقلال اللبناني. لمراجعة النبذة الدخول الى قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info