الأحمد: على العالم أجمع أن يتحمّل مسؤوليته إزاء هذه الجرائم

رانيا مشوّح

حضارة آلاف السنين تصرخ في الألفية الثالثة لتنفض عنها غبار الآثمين، لا غبار الزمان العابر. تنهار لا استسلاماً بل تحدّياً لمن أرادوا محوها من تاريخ الأيام. أوابد ستنتقم من مدمّريها على صفحات التاريخ الذي لا ينسى ولا يغفل. وانطلاقاً من هنا، طالبت وزارة الثقافة السورية المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته الأخلاقية في حماية تدمر من التخريب المتعمّد الذي يستهدف الإرث الإنساني.

وأكد وزير الثقافة محمد الأحمد أنّ تدمير إرهابيي «داعش» واجهةَ المسرح الروماني والتترابيلون في تدمر جريمة حرب ومطلب صهيونيّ بامتياز.

وقال الأحمد خلال مؤتمر صحافيّ عقده في المتحف الوطني في دمشق أمس: جرى في تدمر يوم الجمعة الفائت مطلب صهيونيّ بامتياز، ومحاولة صهيونية مدعومة من الغرب ومشايخ النفط لتدمير هويّتنا وإرثنا وحضارتنا. مشيراً إلى أن تنظيم «داعش» الإرهابي هاجم أيضاً المتحف العراقي لمحو ذاكرة بكاملها، وكذلك تعرض المتحف الوطني المصري للخطر في خطوات واضحة الهدف والمؤدّى.

وأضاف الأحمد: إن الأوابد في تدمر تراث لا تملكه سورية وحدها، بل يشاركها العالم في امتلاكه. ومن هنا يأتي دور العالم في تحمّل مسؤولياته تجاه ما جرى من وحشية فظيعة لم يشهدها التاريخ.

ودعا وزير الثقافة المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته تجاه هذا الموقع الأثري الفريد الذي يعد من أهمّ مواقع التراث العالمي، وإلى التحرك بقوّة وبجبهة موحدة للوقوف مع سورية في معركتها للدفاع عن حضارة تدمر من الدمار على أيدي الإرهابيين. معتبراً أنّ أيّ تقاعس أو تخاذل في هذا الوقت العصيب يهدّد مدينة تدمر وسيكون تهرّباً واضحاً وأكيداً من الواجبات الإنسانية والأخلاقية إزاء حماية التراث العالمي وصونه.

وقال الأحمد: إنّ استمرار وجود إرهابيّي «داعش» في مدينة تدمر سيعرّضها للمزيد من المخاطر ويُدخلها في كابوس مخيف من تدمير الأوابد الأثرية المتبقية لأن هذا التنظيم أقدم في السابق على تدمير مجموعة من الأوابد بينها معبدا «بل» و«بعل شمين» وقوس النصر وعدد من المدافن البرجية، وأيضاً قتل عالم الآثار المعروف خالد الأسعد بطريقة وحشية.

وأكد الأحمد أن مموّلي تنظيم «داعش» الإرهابي من مشايخ النفط ودول الغرب يعلمون أن هؤلاء الإرهابيين سيخرجون مذلولين من تدمر قريباً، لذا يسعون بما بقي لهم من وقت للقيام بعمليات تخريبية مفجعة بحق الإنسانية كمحاولة للردّ على انتصارات الجيش السوري على الإرهاب.

وقال الأحمد: لم يرق لدول كثيرة في الغرب ولا لدول في الشرق أن يكون لسورية نهج مستقل وقيم وحضارة تدافع عنها لهذا قام هذا الحلف بينها فأرسلت كل حثالة الأرض من أجل تحطيم إرادة الشعب السوري، وجرّه إلى أتون التبعية والارتهان لإرادة مستعمري القرن الحادي والعشرين. وكان هدفهم تدمير كلّ ما له علاقة بحضارة سورية وما يدلّ عليها وعلى عراقتها. فتطاولوا على أوابدها وتحفها، لا بل دمّروا أيضاً المدارس والمساجد والكنائس.

وأضاف الأحمد: كنا دائماً، نحن السوريين، على يقين بأن بلادنا ستتعافى وتخرج من هذه الحرب الطويلة الظالمة. ولدينا جميعاً عمل ضخم نوضح من خلاله أن سورية التي ظلّت دائماً مهداً للحضارات لا يمكن أن يحوّلها أحد إلى ساحة لتسويق أفكار إجرامية متخلفة. مبيّناً أن المؤسسات الثقافية في سورية وعلى رأسها المديرية العامة للآثار والمتاحف لديها عمل مهمّ لترسيخ الفكر الإنساني المتنوّر والمتحرّر وتأصيله نحو عالم أرحب وأكثر إشراقاً بالتوازي مع الانتصارات الباهرة التي يحقّقها الجيش السوري الباسل والقوات الحليفة والرديفة في الحرب على الإرهاب.

وأوضح الأحمد أن المديرية العام للآثار والمتاحف في وزارة الثقافة لم تتوقف خلال الحرب الإرهابية على سورية عن تطوير أداوتها وأنشطتها، لا بل ضاعفت مشاريعها الثقافية كمّاً ونوعاً.

وأوضح الأحمد أن المديرية العامة للآثار والمتاحف استطاعت في ظلّ الظروف الاستثنائية التي مرّت بها سورية إنقاذ الغالبية المطلقة من المقتنيات المتحفية من السرقة حيث تم نقل أكثر من 90 في المئة من هذه المقتنيات إلى أماكن آمنة بالتعاون مع المجتمع المحلي. مبيّناً أنّ نسبة السرقة بما في ذلك المسروقات في متحف الرقة لم تتجاوز 1 في المئة.

وأشار الأحمد إلى أن المديرية قامت بتوثيق جميع القطع التي تم نقلها إلى دمشق والمناطق الآمنة وتغليفها وتصويرها، خصوصاً مقتنيات متاحف دير الزور وحلب وتدمر وحماة وحمص ودرعا والقنيطرة والسويداء إضافة إلى متحفَي اللاذقية وطرطوس.

وذكر الأحمد أن المديرية واظبت منذ عام 2012 على فتح علاقات استثنائية مع المنظمات الثقافية العالمية مثل «يونيسكو» و«أكموس» و«أكروم» و«إنتربول» والجمارك الدولية والجامعات والمعاهد العالمية والمتاحف للحصول على الدعم الدولي لمؤازرتها. كما استطاعت إيصال رسالة التراث الثقافي السوري إلى المجتمع الدولي عبر المئات من كبريات المجلات والصحف والتلفزيونات العالمية.

وحول رفع دعاوى على جهات ومنظمات وشركات ضالعة في سرقة الآثار السورية وتدميرها قال الأحمد: نحن بصدد مقاضاة هذه الأمور ولكننا اليوم معنيّون أكثر بعملية الإنقاذ، وهذه المسألة تأتي ولها وقتها، وهي ليست بمنأى عن تفكير المديرية.

كما تحدّث الدكتور مأمون عبد الكريم مدير عام الآثار والمتاحف عن تقاعس المجتمع الدولي في حماية التراث الإنساني والتغافل عن جرائم «داعش» ضدّ التراث الإنساني وقال: هناك أقمار صناعية كانت موجودة لكنها بقيت خرساء عندما تحرّكت مرّتين قوافل «داعش»، ولم يكن هناك تحرّك دوليّ أو دعم ومؤازرة للجهات الوطنية السورية، ومن ناحية ثانية عندما نتحدّث عن مؤازرة المجتمع الدولي كيف نقبل أن نبقى وحيدين لستّ سنوات ننقذ وحدنا هذا التراث العالمي من دون دعم بعض الحكومات التي كانت شريكة معنا؟ كيف نستطيع أن نحمي تدمر وهناك حصار مفروض على سورية؟ الطريقة المثالية لإنقاذه تتمثّل بتحرّك العالم لأن التراث الإنساني في تدمر يخصّ العالم كلّه، وهناك مئة طريقة لتقديم الدعم والمؤازرة للجهات الوطنية السورية في سبيل إنقاذ ما تبقى من مدينة تدمر. إذا لم يكن هناك تحرّك جيد وسريع في المراحل الأخرى ستكون النتائج كارثية. نتمنى أن يكون هناك دعم أقوى وأوضح، لا يكفي الشجب والإدانات، حتى هذه الأمور كانت خجولة جداً إزاء ما حدث في الأيام الأخيرة. في النهاية، تدمر عزيزة على التراث الثقافي العالمي، وهي من أهمّ مواقع التراث العالمي ويجب أن تكون هناك مسؤولية عالمية لإنقاذ ما تبقى منها.

وعن وجه الشبه بين ما تعرّضت له الآثار العراقية والسورية خلال الحروب الوحشية، والوصاية الدولية على الآثار قال عبد الكريم: موضوع الوصاية الدولية كما أعلن رئيس فرنسا مرفوض من جهات عدّة. عند طرح مثل هذه المبادرات يجب أن تكون العلاقات الدبلوماسية ممتازة، ولكنّ فرنسا حالياً تشارك في الحرب ضدّ سورية، إذاً مبادرتها مرفوضة ووصايتها مرفوضة جملة وتفصيلاً. قوانين الآثار السورية تمنع ذلك. من الناحية التقنية أيضاً كيف يمكن نقل مئات الآلاف من القطع الأثرية إلى خارج سورية؟ وأخيراً، هناك زاوية أخرى، ففي وزارة الثقافة ـ مديرية الآثار والمتاحف قمنا بإجراءات احترازية عندما قمنا في صيف 2012 بإغلاق المتاحف وإخفاء القطع، وعندما وجدنا تصاعد العنف نقلنا أكثر من 90 في المئة من القطع الأثرية إلى مناطق آمنة بعد توثيقها وتغليفها من جديد، وما بقي من بعض النسخ الموجودة في متحف إدلب والبصرى والرقة هذه الأمور تقع على عاتق المجتمع الدولي، نحن لم نفقد يوماً أملنا بالشرفاء في هذا الوطن، الذين يعملون في سبيل إنقاذ القطع المتبقية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى