في حضرة الـ«أستانة» الإيرانية صعود القيصر وتقزيم الشيطان الأكبر…!
د. محمد صادق الحسيني
من جنيف الى أستانة تحركت مياه كثيرة في النهر العربي الايراني الهادر…!
وها هو العالم اليوم يكاد يختصر في حضرة الـ«أستانة» الايرانية الـ»أستانة» كلمة إيرانية تعني الحضرة او الإيوان وعليه نسجل في هذه الحضرة ما يلي:
اولا: إنّ ذهاب الجميع الى أستانة هو انعكاس لوثبة الأسدين السوري والإيراني مع نمور الضاحية الأبية في حلب. وبالتالي فانّ إذعان الجميع لأوامر القيصر، بما في ذلك السعودية، وتقزيم الحضور الأميركي بناء على صلابة الموقف الإيراني قد وضع الامور في نصابها.
ثانيا: إنّ خضوع أميركا وأذنابها في المنطقة وعلى رأسهم البهلوان أردوغان، للأمر الواقع وذهابهم الى أستانة للتفاوض مع الرئيس بشار الاسد حول كيفية الحفاظ على وحدة أراضي سورية وعلى نزع أسلحة العصابات المسلحة في غوطة دمشق وجنوبها دمشق ، لهو الدليل الساطع على هزيمة مشروع إسقاط سورية هزيمة نكراء.
ثالثا: على الرغم من ذلك، فانّ الخطر لم يزل نهائياً خطر حصول انتكاسة ميدانية ، وخاصة في جنوب وجنوب شرق سورية، اذ ان هناك دوائر اميركية فاعلة، بالاضافة الى السعودية وفرنسا، لا زالت تمنّي النفس بإحداث تغيير ميداني، في المناطق المشار اليها أعلاه، لقلب صورة المشهد في سورية.
اما الدليل على ذلك فهو استمرار تدريب مرتزقة العدوان، من داعش الى النصرة الى غيرهم، وبإشراف ضباط أميركيين وبريطانيين و«إسرائيليين» وإيطاليين، في قواعد عسكرية أردنية حتى اليوم.
رابعا: اما الدليل الآخر فهو خطبة مفتي السلطان، الشيخ هليل، يوم الجمعة الماضية في جامع الحسين في عمان، والتي تقرأ في السعودية وقطر على أنها طلب لزيادة الدعم المالي للأردن مقابل رفع سقف دعمه اللوجستي للمسلحين في سورية…
خامساً: وفي هذا الإطار بالضبط تأتي موافقة السعودية على مشاركة أذنابها علوش وغيره في محادثات أستانة.
أي أنها تأتي في محاولة منهم لوقف هجوم الجيش السوري في وادي بردى وفي قواطع عمليات درعا والقنيطرة، وذلك كسباً للوقت لإعادة تنظيم صفوف المسلحين وضخ مزيد من الاسلحة إليهم وإعادة تدريبهم في الاردن.
سادساً: على الرغم من وجود بعض التناقض في المعلومات ظاهرياً، إلا أن الحقيقة غير ذلك. اذ ان هزيمة المشروع لا تعني تخلّي جميع أدوات التنفيذ عن محاولة عرض عضلاتها السعودي والبريطاني والفرنسي ، حيث اتفق هولاء مع أطراف معينة في الادارة الأميركية السابقة على تعهُّد محاولة إحداث تغيير مهم في المشهد السوري خاصة في الشرق والجنوب الشرقي.
والدليل على ذلك هجوم تدمر وهجوم دير الزور والحشود التي يتم تجميعها في التنف والسخنة استعداداً لشن هجوم داعش لاحتلال السويداء.
وهم في ذلك يسابقون الوقت للسبب الآتي:
سابعاً: البدء بتطبيق اتفاق الخطوط العريضة الذي تم التوصل اليه بين الرئيس بوتين بمشاركة إيران وسورية والحلفاء طبعاً والذي ينص في الأساس على:
قيام روسيا بترتيب إنهاء الحرب في سورية، بما في ذلك تحرير إدلب والرقة ودير الزور عسكرياً مقابل «ضمانات» روسية/ إيرانية/ للولايات المتحدة بتأمين انسحاب آمن لها من «الشرق الأوسط» أميركا سحبت كافة حاملات الطائرات من منطقة الشرق الأوسط، بينما روسيا وقعت اتفاقيات إقامة قواعد جوية وبحرية في سورية وليبيا – وقع عليها حفتر على متن حاملة الطائرات كوزنيتسوف – وقريباً في مصر .
ثامناً: في هذا الإطار اجتماع عمل بين لافروف ووزير الخارجية الأميركي تلرسون قريباً، حيث يجري العمل على ترتيب الجوانب الفنية لعقد الاجتماع فور تسلّم الأخير منصبه رسمياً.
علماً ان التواصل مستمر بين تلرسون ولافروف وطواقمهما بشكل غير معلن.
تاسعاً: أي أن ما يجري في أستانة هو الفعل الحقيقي غير القابل للتغيير بعكس محاولات الأذناب المحليين والإقليميين المحكومة بالفشل.
بمعنى أن ما يجري في أستانة هو خطة ترسيم جعله رسمياً الاتفاق الروسي الأميركي على إنهاء الحرب في سورية، في ظل رئاسة الرئيس بشار الاسد، ما يؤدي عملياً الى تكريس إيران كدولة إقليمية عظمى وتغيير طبيعة دور حزب الله وتحويله من قوة محلية إلى قوة عربية فاعلة ذات دور محوري في قضايا الأمة الأساسية، وعلى رأسها قضية فلسطين…
ومن نافل القول إن العملاقين سينتقلان الى معالجة قضايا دولية أخرى بعد الانتهاء من الملف السوري طبعاً هذا سيأخذ وقتاً وتضحيات كبيرة قبل إنهاء الحرب .
عاشراً: يجب علينا أن نتذكر دائماً أن ترامب رجل أعمال ناجح جداً، وهو يجيد التعامل التجاري، بشكل كبير، وعليه فإن لديه استعداداً كبيراً لعقد تفاهمات مع الروس تعود بالمنفعة في كل المجالات على الطرفين.
وهذا ما قد يؤهل الطرف الإيراني لانتزاع إنجازات جديدة من إدارة ترامب، بالرغم من جعجعة الأخير العلنية ضد إيران…
إنه رجل لا يضيع فرصة تحقق له ربحاً والإيراني تاجر البازار يجيد التفاوض التجاري وغير التجاري أكثر من ترامب. وعليه، فإن حجم الإنجازات المرتقبة للقوة الإيرانية الصاعدة انطلاقاً من محطة أستانة إذا ما انجزت المهمة الأساس بفطنة وحنكة تامة ستكون مفاجئة للصديق والعدو معاً، وكذلك أشكال التعاون الطويل المدى مع روسيا والصين وكتلة الاوروآسيا الروسية ستشكل تحولاً جيواستراتيجياً في خريطة المعادلة الدولية المقبلة وشكل العالم الجديد بعد حلب.
بعدنا طيّبين قولوا الله.