إلى متى يستمر الحريري في مخاصمة سورية؟
نمر أبي ديب
لم يكن انسحاب رئيس الحكومة سعد الحريري من تقبّل التهاني بعيد الاستقلال في قصر بعبدا، لحظة وصول السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، أمراً عابراً بالنسبة لكثيرين ممّن وجدوا في خلفيات المشهد البروتوكولي محاولة استنهاض سريعة للحضور الشعبي، وخطوة متقدّمة حملت في أبعادها العديد من الرسائل السياسية المباشرة وغير المباشرة للداخل اللبناني والخارج الإقليمي.
إذ رسمت هذه الخطوة، ببعدها الزمني، الإطار العملي للنفَس المعتمَد اتجاه سورية، وقدّمت للمملكة العربية السعودية عوامل الطمأنة والتأكيد على الالتزام الكامل بسياستها الإقليميّة، بالرغم من مواقفها الأخيرة التي لم يرَ فيها الحريري مصلحة سياسية أو رافعة اقتصادية أمّنت له فرصة الخروج السريع من نفق الأزمة المالية ووضع حدّ للتدهور الحاصل في شركة سعودي أوجيه ، ما دفعه إلى مقاربة الأزمة المالية إعلامياً، والكشف عن تراكماتها السلبيّة من منطلق المصارحة مع الذات ومع القاعدة الشعبيّة في الاحتفال الذي أعلن فيه ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. فقد عكست مواقف المملكة في حينه أمام الرأي العام الداخلي والإقليمي نوعاً من التخلّي وتوفير الدعم السياسي والمالي لصالح مكوّنات سياسية خرجت من عباءة الحريرية السياسية، وتموضعت شعبيّاً وانتخابياً في وجه تيار المستقبل، كما حصل في الانتخابات البلدية الأخيرة في مدينة طرابلس.
أراد الحريري بموقفه المتعَمَّد في قصر بعبدا، تسجيل نقطة تفوّق سياسي في مرمى القوى المنافسة له مع السعودية في بداية عهد ومرحلة زمنيّة محدودة ومرتبطة بشكل مباشر بحكومة انتخابات ذات الأشهر القليلة المعدودة، التي أجمع أغلب السياسيّين على عدم اعتبارها حكومة العهد الأولى.
يدرك الحريري حساسية المرحلة ودقّة المواقف السياسية في لحظات الصياغة الدولية لخريطة الشرق الأوسط الجديد، الذي هو ثمرة انتصار الجبهة الممانعة إقليميّاً سورية، اليمن، العراق ذات الامتداد العالمي بزعامة روسيا. كما يُدرك أيضاً حيثيّة الحضور اللبناني في الجبهة السورية، القائم على مرتكزات تاريخية فرضتها عوامل الجغرافيا ومتطلّبات الحماية الوطنية والدفاع عن المقدّسات نتيجة التمدّد الإرهابي الكبير إقليمياً وأوروبياً.
يعي الحريري جيداً معاني ترشيح رئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. ابن البيت العروبي الأصيل، صاحب العلاقات الاستراتيجية المميّزة والتاريخية مع سورية الأسد، وما يمكن أن ينتجه هذا الترشيح من علاقات استثنائية لبنانيّة سورية، ما طرح العديد من التساؤلات عن الأهداف الكامنة في ازدواجية مواقف الحريري اتجاه سورية، خصوصاً بعد إصراره على ذكر الوحشية في حلب لحظة تشكيل الحكومة التي بدت للوهلة الأولى استكمالاً سياسياً لخطوة الانسحاب من التهاني لحظة وصول السفير السوري إلى قصر بعبدا.
هل وجد الحريري في حكومة الانتخابات فرصة ذهبيّة للحراك وكسب الثقة السعودية من جديد، في وقت ضائع أراد من خلاله الاستثمار السياسي وشدّ العصب الداخلي؟ أم هي أوراق اعتماد جديدة بمعايير مختلفة تُقدّم لأول مرة في لحظات انكفاء وتراجع سعودي سياسي وعسكري على مختلف الجبهات، وأبرزها الجبهة اليمنيّة؟
يرى البعض في ترشيح الحريري لفرنجيّة والحفاظ على مستوى معيّن من الصداقة معه خطوة متقدّمة وحجز مبكر لضمان مسار التواصل المحتمل مع سورية في المرحلة المقبلة، يُضاف إليه الموقف المستجدّ في لجنة صياغة البيان الوزاري مع ما حمله من رسائل طمأنة للمقاومة، وبالتالي هل تشكّل خطوات الحريري مقدّمة عملية لتحوّل سياسي يمنحه فرصة بناء علاقات مميّزة مع سورية في المرحلة المقبلة؟ أم ما يجري محاولة استغناء عن الدور السوري والتعويض عنه بالانفتاح على إيران من خلال المقاومة؟
بالرغم من مواقفه التصعيدية اتجاه سورية، بات الحريري بحراكه الرئاسي ومواقفه المستجدّة أقرب من أيّ وقت مضى إلى الانفتاح والتلاقي، وأكثر جهوزيّة وقدرة على مواكبة السياسة الخارجيّة للسعودية وتطوّراتها المرتقبة اتجاه سورية وإيران. وبعد تسوية الملف اليمني، بات يدرك وبما لا يقبل الشكّ، حتمية انتهاء الوقت الضائع، خصوصاً بعد عودة السعودية إلى لبنان من بوّابة الرئيس الحليف للمقاومة وإجراء الانتخابات النيابيّة.
يطمح الحريري إلى دور مواكب ومكمّل للسياسة السعودية، انطلاقاً من توازن في الأداء في سياسته الداخليّة ظهرت مفاعيله واضحة في جلسات لجنة صياغة البيان الوزاري نتيجة حرصه المستجدّ على إعطاء المقاومة حقّها في البيان. فهل يترأّس الحريري حكومة العهد الأولى بانفتاح سياسي داخليّ على المقاومة، وإقليميّ على دولتَي الممانعة سورية إيران، ويحقّق انطلاقة حكومية مثمرة محاطة باعتراف وطنيّ وسياسي جامع؟