طهران وواشنطن أول قطاف التفاهمات
كتب المحرر السياسي
في نيويورك محفل دولي جامع سيتواصل لشهر تقريباً بانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد بدأت المناقشات التي تطال مكافحة الإرهاب تكشف المواقف، فليبيا ستحظى بجلسة في مجلس الأمن، و»داعش» لكلّ الجلسات، والحديث عن سورية لا بدّ منه ولا مفرّ، لكن نجم الجلسات البعيدة عن الأضواء سيبقى ما يُتوقع حدوثه على مستوى العلاقات الإيرانية ـ الأميركية من جهة، انطلاقاً من الملف النووي وصولاً إلى خريطة الاستقرار في الشرق الأوسط، وهما مجالان لم تنجح واشنطن بابتزاز إيران فيهما، والزمن لا يرحم، فاقترب التفاهم من المضمون والرؤية الإيرانيتين، وفي الملف الأوكراني ومضمون العلاقات الأميركية ـ الروسية وما يتبعها أوروبياً.
تراجع وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن نظرية لا حاجة للتحدث مع إيران في الحرب على «داعش»، إلى ضرورة مشاركة إيران، ووزير الخارجية الإيراني يعلن قرب التوصل إلى التفاهم الشامل على المف النووي، وتشرين الأول شهر حاسم في العلاقات الدولية، معه سيُتاح حسم أمر تسوية خاصة بأوكرانيا بشّرت بها الدوائر الروسية والألمانية، ومعها تقدم أميركي إيراني يطغى على كلّ ما عداه في رسم خريطة العالم الجديد ما بعد نهاية الحرب الباردة.
أما لبنانياً، فالجديد هو أنّ لبنان في عين العاصفة مهدّد بحريق يأكل الأخضر واليابس، والحكومة مثقلة بقيود التعلميات السعودية، ممنوع التعاون مع سورية لمحاصرة «داعش» و»النصرة»، وممنوع التحرك بقوة قرارات الإعدام بحق الإرهابيّين لردع الإرهاب عن الابتزاز بأوراح العكسريين المخطوفين، وممنوع مصالحة سياسية تسحب ورقة الاستحقاق الرئاسي من التفاوض الإقليمي، وممنوع التفاهم على حلّ للاستحقاق النيابي يعيد التشريع وربما يسرّع قانون انتخاب.
الجمعة الحزينة
في وقت تعرضت المؤسسة العسكرية لضربة موجعة جديدة على يد التنظيمات الإرهابية بتفجير استهدف شاحنة للجيش في قلب بلدة عرسال في البقاع الشمالي ما أدى إلى استشهاد جنديين وجرح ثلاثة آخرين، عادت هذه التنظيمات إلى لعبة الابتزاز بدم العسكريين المحتجزين لديها بعدما ترددت معلومات ليلاً عن إعدام الجندي عباس حمية ليتحول يوم أمس إلى «جمعة حزينة» قد تتكرر في أي يوم آخر.
فبعد ذبح تنظيم «داعش» الإرهابي الشهيد الجندي عباس مدلج في السابع من شهر أيلول الجاري، نقلت وكالة «الأناضول» عن قيادي في «جبهة النصرة» أنها أعدمت أمس الجندي عباس حمية المحتجز لديها، رمياً بالرصاص.
وكانت الجبهة أعلنت قبل ذلك عبر «تويتر»، أن «محمد حمية أول ضحية من ضحايا تعنت الجيش اللبناني». ونقلت وكالة «الأناضول» عن الجبهة أيضاً قولها إن «شروطنا للإفراج عن العسكريين المخطوفين ليست تعجيزية ولا تتضمن المطالبة بالإفراج عن معتقلين في سجون النظام السوري».
ولكن والد حمية، معروف، وفور شيوع نبأ إعدام ابنه أجرى اتصالات مع الوسطاء في بلدة عرسال فأكدوا له أنّ محمد بخير وأخبار إعدامه من قبل جبهة النصرة عارية من الصحة. واوضح ان «اتصالات عدة قد جرت مع فاعليات متابعة للقضية ومن بينها فاعليات في بلدة عرسال، أكدت جميعها عدم صحة ما يُشاع، وأنّ ابننا محمد في صحة جيدة».
وسبق هذا التطور الدراماتيكي، استهداف شاحنة للجيش كانت تنقل عسكريين في عرسال، بعبوة ناسفة زنتها نحو 10 كلغ من المواد المتفجرة وموجهة لاسلكياً عن بعد، ما أدى إلى استشهاد جنديين وجرح ثلاثة آخرين.
وعلمت «البناء» أن الجيش مشّط عقب عملية التفجير بواسطة فوج المغاوير والمدفعية الثقيلة، المنطقة المحيطة بوادي حميد، التي من المتوقع أن تكون قد استخدمت من قبل المسلحين لزرع العبوة. كما قصف مراكز مسلحي «داعش» و»النصرة» في الجرود مستخدماً المدفعية والأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
ودهمت وحدات الجيش أماكن يشتبه بلجوء العناصر الإرهابية المنفذة إليها، وقد تمكنت من توقيف عدد كبير من الأشخاص. وبوشر التحقيق مع الموقوفين بإشراف القضاء المختص.
وأكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن عرساليين يشاركون بشكل أساسي في العمليات الإرهابية ضد الجيش داخل البلدة ومحيطها. ورجحت المصادر أن تكون العبوة زرعها فريق من هؤلاء الإرهابيين. واستغربت المصادر كيف يجرؤ بعض سياسيي تيار المستقبل بعد كل الذي يحصل، على القول إن عرسال مستهدفة ويقفزون فوق دماء شهداء الجيش.
وقالت مصادر أمنية لـ «البناء» أن تفجير الآلية العسكرية يرجح أن يكون رداً على الإجراءات التي اتخذها الجيش في محيط عرسال خصوصاً منع دخول صهاريج المحروقات إلى الجرود حيث يتحصن المسلحون. وأوضحت أن ما قامت به وحدات الجيش من قصف لبعض مواقع المسلحين أتى على خلفية تحركات مشبوهة رصدت بالقرب من بعض المواقع العسكرية.
وأكدت المصادر أن الجيش اتخذ كل الاستعدادات تحسباً لأي تطورات أو محاولات اعتداء قد تقوم بها المجموعات الإرهابية. ولاحظت أن الوضع في محيط عرسال مفتوح على كل الاحتمالات خصوصاً أن المسلحين يواصلون تحصين مواقعهم.
صيد ثمين للجيش
من جهة أخرى، أفادت مصادر مطلعة أن الجيش استطاع في الأيام الأخيرة القبض على عدد من العناصر الإرهابية التي تعتبر «صيداً ثميناً» بالمعنى الأمني، وأنها ستفيد في التحقيق حول العديد من الحوادث والجرائم التي نفذتها المجموعات الإرهابية.
وفي هذا السياق أوقف الجيش على أحد حواجزه في منطقة بعلبك
ثلاثة سوريين تبين أنهم أعضاء في تنظيم «داعش».
وفي التحقيق معهم تبين أن أحدهم ويدعى دحام رمضان شارك في عملية ذبح الجندي مدلج. وأحيل دحام ورفاقه إلى أجهزة أمنية مختصة لاستكمال التحقيقات. وأشارت المعلومات إلى أنهم على علم بمكان احتجاز «داعش» العسكريين المخطوفين.
مصير العسكريين المخطوفين مجهول
وعلى صعيد قضية العسكريين المخطوفين، أكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» أنه لم يسجل بعد أي تطور إيجابي في السعي لتحريرهم، مشيرة إلى أن رئيس الحكومة تمام سلام كثّف اتصالاته أمس مع مراجع معنية بينها وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي في إطار متابعة هذا الموضوع.
وأضافت المصادر إن الساعات المقبلة ستشهد لقاءات بين المسؤولين على مستوى رفيع لبحث الوضع الأمني عموماً وعدد من الملفات المطروحة على صعيد العمل المجلسي والحكومي.
وفي السياق استعادت مصادر متابعة لأحداث عرسال الفيديوات التي نشرتها التنظيمات الإرهابية، والتي لم يظهر العسكريون المختطفون جميعهم فيها، فهناك من 6 إلى 8 عسكريين لم تظهر صورهم مطلقاً، رابطة ذلك بما يتم تداوله من معلومات عن مقتل العسكريين.
وأشارت إلى أن الجماعات الإرهابية تتعمد الإعلان عن مقتل الواحد تلو الآخر في سياق عملية الابتزاز.
وذكرت المصادر أن جثة الشهيد علي السيد استحضرت من مكان يسميه الإرهابيون مقبرة الجيش اللبناني، وفيها 4 قبور، أحدها لجثة السيد، فيما الثلاثة الباقون لم يعرف أصحابها.
مطالبة بجلسة لمجلس الوزراء
وأكد وزير العمل سجعان قزي أن وزراء حزب «الكتائب»، وبناء على طلب من النائب سامي الجميل، طلبوا من الرئيس سلام عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء اليوم أو غداً كحد أقصى، للبحث في المستجدات على الساحة اللبنانية، ولا سيما بعد تردد معلومات عن إعدام جندي ثالث والاعتداء على الجيش في عرسال.
بدوره طالب المفتي الشيخ عباس زغيب باجتماع طارئ لمجلس الوزراء لمعالجة ما يجري في شأن العسكريين الرهائن، متسائلاً: «ألا يستحق قتل العسكريين استدعاء السفير القطري والتركي لتحميلهما مسؤولية سلامة العسكريين الرهائن الباقين والطلب منهما حل هذه القضية؟».
إلى ذلك، أكد الشيخ نبيل رحيم لـ»البناء» أن «لبنان دخل عسكرياً في أتون الصراع السوري»، مشيراً إلى «أن مصير العسكريين بات في خطر والأجواء لا توحي بالخير».
سياسياً، استمرت الاتصالات في شأن عقد الجلسة التشريعية المرتقبة، وأبلغ مصدر مطلع يتابع مسألة السعي لاستئناف العمل التشريعي للمجلس «البناء» أن الأجواء تسير حتى الآن بالاتجاه الإيجابي، متوقعاً حصول تطورات في هذا المجال خلال الساعات القلية المقبلة.
وقال إنه من المنتظر أن يشهد هذا الموضوع انطلاقة جدية اعتباراً من الخميس المقبل، آملاً في تحديد جلسة تشريعية لاحقاً. وأوضح رداً على سؤال أن البحث في موضوع سلسلة الرتب والرواتب لم ينته وأن هناك تفصيلين لا يزالان موضع أخذ ورد، مضيفاً انه لا يستطيع الجزم بحسمهما قبل معرفة نتائج الاتصالات واللقاءات التي ستجرى في اليومين المقبلين.
ومن المتوقع أن يزور النائب جورج عدوان الذي يتحرّك في هذا المجال، رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الساعات المقبلة.
الكتائب لا تعارض تمديداً لسنة
على صعيد الاستحقاق الرئاسي الذي تراوح الاتصالات في شأنه مكانها وسط الاقتراحات المتعددة لتحريكه. وذكرت أوساط سياسية مطلعة أن ما يحكى عن البحث في اقتراح لفترة انتقالية لرئاسة الجمهورية لم يعد وارداً، لأن هذا الاقتراح لم يحظ بقبول لدى العديد من الأطراف. وأشارت إلى أن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط لم يتطرق إلى هذا الموضوع في خلال اتصالاته الأخيرة وبالتحديد مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل. ولفتت إلى أن جنبلاط بحث مع الجميل في موضوع التمديد لمجلس النواب فكان رد الأخير أنه لا يستطيع تحمل السير بالتمديد. لكن المصادر أوضحت أن حزب الكتائب لن يعارض التمديد إذا كان لفترة لا تتجاوز السنة.