هل انتهى الشغور الرئاسي ليبدأ الشغور البرلماني؟
هتاف دهام
يعيش لبنان في ظلّ أزمة سياسية عاصفة غير معلنة. لا تزال رياحها مكتومة ولم تخرج إلى السطح بعد. موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس، تأكيد على حسم الخيارات في قانون الانتخاب مدعوماً بموقف حادّ وصُلب من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
الواضح أنّ وجهة الأحداث الخارجية تتناغم مع ما يريده ثنائي عون نصرالله، إذا عطفنا هذا المناخ على الرياح الإقليمية وعلى صيرورة الحدث السوري وانقلاب الموازين الاستراتيجية في أستانة وعلى النصيحة المقدّمة من الدول الغربية للبنان بالانفتاح على الدولة السورية.
رفض الرئيس عون أمس، خلال جلسة مجلس الوزراء طلب وزير الداخلية نهاد المشنوق تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات من خارج جدول الأعمال. من واجباتنا وضع قانون الانتخابات قبل البحث بالهيئة، كما قال. لا أحد يهدّدنا بين الفراغ والتمديد فخطاب القسم واضح، وسنصل إلى قانون جديد للانتخابات. إذا خُيّرت بين التمديد والفراغ فأختار الفراغ». وسأل: «إذا لم نستطع بعد ثماني سنوات وضع قانون جديد فأين مصداقيتنا؟»
مَن يسمع فخامة العماد ومواقفه الأخيرة منذ استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي، والسياق التصاعدي لهذا الخط من قانون الانتخاب يدرك حينها أنه رجل الموقف والإصرار عليه.
لا يزال رئيس الجمهورية كما عهدناه. التزم في خطاب القَسَم بتقديم قانون انتخاب جديد للبنانيين. يدرك بقوة، ليس معنى الالتزام فحسب، بل الأخطار الجسيمة التي يمكن أن تنعكس على صورة العهد ومساره، والأهمّ على آمال اللبنانيين به، تحديداً عند موضوع تقديم قانون انتخاب جديد.
أحداث هذين الأسبوعين ما هو على السطح منها وما هو باطن، بدّدت أوهام البعض في ما اعتقدوا بأساليبهم المعروفة أنّ بإمكانهم تكرار تجربة تمرير القانون النافذ، كما قدِّر لهم أن يفعلوا سابقاً.
منطق الأمور لأيّ متابع، أنّ حلف حزب الله – التيار الوطني الحر أوصل رئيساً للجمهورية، وشكّل حكومة تسوية طبعتها التوازنات الحالية في مجلس الوزراء. لا يمكن لهذا الحلف إلا أن يُتوّج هذا السياق في نقطة الذروة بإقرار قانون انتخاب جديد، يشكل الرافعة لنقل البلد من زمن سياسي إلى زمن سياسي جديد، ولو بالحدّ الأدنى.
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في مواقفه الأخيرة في الأيام العشرة الماضية مارس هوايته بمماشاة اتجاه الريح التي يدركها مسبقاً. كلّ ما يقوم به منذ دعمه للجنرال هو إدراكه المسبق لسير الأمور.
واضحة حفلة الحب والعلاقات العامة التي يمارسها الحكيم مع الطرف الآخر في الفترة الأخيرة ليضع نفسه في ركب المنتصرين، وهو نجح في ذلك حتى الآن. وما مزايداته الأخيرة على كلّ المعنيين بقانون الانتخاب ناقضاً فيها مواقفه السابقة، باستعداده للنزول إلى الشارع أو الاستقالة من الحكومة، إذا اعتمد الستين، إلا خير دليل على القدر الذي يبدو أنه سيقع مرة جديدة.
بدت سياسة رئيس الجمهورية وحزب الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب القوات واضحة، وإن بنسب متفاوتة. لا يبدو الرئيس بري غير مقتنع بالخطوة، إنما يحاول انتظار التحاق رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بالركب.
رئيس المجلس من موقعه على رأس المؤسسة المعنية بإنتاج القانون الجديد، لا يستطيع أن يفكر في موقف الطرف. جُلّ ما يهمّه المحافظة على موقع مرن يسمح له بمخاطبة الجميع وانتظار ساعة الاتفاق ليكون على رأسها.
يدرك كلّ من «فخامة الجنرال» وحزب الله أنّ العرس الانتخابي لا يمكن أن يتكامل إلا بسير الرئيس الحريري به. الشيخ سعد رابح في كلّ ما جرى، وليبقى منتصراً، من المفترض أن يسير بقانون انتخاب على قاعدة الحدّ من الخسائر، لأنّ الكلّ خاسر في قانون الانتخاب الجديد، ومن المنطقي توزيع الخسارة لتكون النسبية وتوسيع المشاركة الفائز الوحيد.
إنّ التهويل المستقبلي بوصول المتطرفين إلى البرلمان، إذا اعتُمدت النسبية غير دقيق، فهذا النظام الانتخابي سيكرّس وجود الرئيس نجيب ميقاتي في الندوة البرلمانية، ويُعطي الوزير السابق فيصل كرامي وسنة المعارضة فرصة دخولها أكثر من المتشدّدين.
كان لافتاً أمس، الاجتماع الرباعي في قصر بعبدا بين وزير الخارجية جبران باسيل، وزير المال علي حسن خليل، النائب علي فياض، ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري، في ظلّ غياب ممثل عن اللقاء الديمقراطي.
بحث المعنيون، بحسب ما علمت «البناء» في اقتراحات عدة ربما أبرزُها صيغتَا التأهيل والمختلط ذي الأكثرية المطلقة المقدّم من التيار الوطني الحر ويقوم على نسبة 65 ، بمعنى أن تُخاض المقاعد الأكثرية على أساس الصوت الجمعي، والمقاعد النسبية تحال إلى المحافطات التاريخية مع تقسيم جبل لبنان إلى دائرتين واحدة تضمّ قضاءي الشوف عالية وأخرى تضمّ بعبدا والمتن وكسروان وجبيل. ومن يحُز على أكثر من 65 من أصوات دائرته الانتخابية يُعتبر فائزاً، أما الذين يحوزون نسبة أقلّ من 65 فسيذهبون إلى التنافس على أساس النسبية وفق المحافظات.
وبعيداً عن رمزية انعقاد الاجتماع في القصر الجمهوري، استعرضت خلال النقاش، ملاحظات كلّ طرف وجرى تحديد أبرز النقاط الجوهرية موضع تباين المكوّنات السياسية. أكد المجتمعون الانفتاح على مزيد من الإنصاف لأيّ خصوصيات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
يسعى الجميع، وفق ما علمت «البناء» إلى أخذ الخصوصية الجغرافية بعين الاعتبار والبحث عن حلّ ما لها.
في المبدأ أبدى تيار المستقبل موافقته على اقتراحي التأهيل ومختلط التيار البرتقالي، لكنه وضع ملاحظات تحتاج إلى نقاش تقني تفصيلي بالمعايير.
أعاد فياض التذكير بمشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي القائم على تقسيم لبنان 13 دائرة على أساس النسبية، لا سيما أنّ هذه الصيغة حظيت بموافقة مكوّنات سياسية واسعة كانت ممثلة في الحكومة، وأخذت بعين الاعتبار مطالب القوى كافة.
ودعا فياض إلى إعادة التفكير والبحث في هذا المشروع، مع العلم أنّه حضر على طاولة اللقاء الثنائي بين حزب الله والمستقبل الأسبوع الماضي في عين التينة.
وفيما تلتئم اللجنة الرباعية غداً للغاية نفسها، ستتكثف الاجتماعات في الفترة المقبلة وبصورة يومية في بعبدا أو الخارجية أو عين التينة للوصول إلى صيغة ترضي الجميع بعيدة عن القانون النافذ فهناك من يغمز من قناة ضرورة أن يختار رئيس الحكومة بين الطائف و»الستين». الإصرار على القانون النافذ سيشرّع الأبواب أمام المؤتمر التأسيسي.
البلد أمام إشكال كبير. لا انتخابات وفق الستين. ولا تمديد، فهل انتهى الشغور الرئاسي ليبدأ الشغور البرلماني؟
يأخذ البحث طابعاً جدياً، لكن اللقاءات الانتخابية لم تتوصل بعد إلى طروحات موحدة. من غير الواضح بعد ما إذا كانت ستتوصّل إلى رؤى نهائية في الأسابيع المقبلة الفاصلة عن 21 شباط المقبل.