ما الذي تغيّر في الكونغرس منذ السنة الماضية؟
عامر نعيم الياس
صوّت مجلس الشيوخ الأميركي بغالبيته على خطة الرئيس باراك أوباما لتدريب مقاتلي «المعارضة السورية المعتدلة» وتسليحهم من أجل محاربة تنظيم «داعش». وصدّق المجلس على الخطّة بغالبية 78 ضدّ 22 صوتاً، في موقف تمثّل في تأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي معاً لمبادرة أوباما. وبعد موافقة مجلس النواب الأربعاء الماضي على مشروع القانون، يذهب المشروع إلى أوباما ليوقّعه فيصبح قانوناً نافذاً.
رأى أوباما، عقب التصويت، أنّ التأييد القويّ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالموافقة على تدريب «المعارضة السورية المعتدلة» وتسليحها يُظهر اتحاد الأميركيين ضدّ «داعش». فما الذي تغيّر منذ سنةٍ حتى الآن؟ ألم يلجأ أوباما السنة الماضية إلى الكونغرس لتشريع ضربة عسكرية ضدّ الدولة السورية لتجاوزها الخطوط الحمراء؟ ألم يعترض الكونغرس على هذا القرار حينذاك؟ لماذا وافق الآن؟ هل تغيّرت المحاذير التي منعت أوباما والكونغرس السنة الماضية من خوض مغامرة عسكرية في سورية؟
الحرب على تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية» عنوان عودة أوباما إلى المنطقة، وذلك للتعويض عن التراجع في النفوذ الأميركي سواء على مستوى الأدوات الأميركية في المنطقة، بدايةً في الحرب على سورية، وليس انتهاءً بما يحصل في اليمن، أو على مستوى النفوذ الأميركي الذاتي بعد الانسحاب من العراق عام 2011. ومن دون الخوض في تفاصيل أكثر لأسباب تراجع أوباما عن أهم دعائم سياسته الخارجية، إلّا أنّ البيت الأبيض عاد إلى المنطقة، والكونغرس صوّت على رغم بقاء محاذير التدخّل في سورية على حالها، ابتداءً من قوة محور المقاومة والممانعة الذي تنضوي سورية تحت رايته وقدرته على المواجهة، مروراً بالدفاعات الجويّة السورية القادرة على تكبيد القوات المهاجمة خسائر ملموسة، وهذا ما أكّده وزير الخارجية السوري وليد المعلّم وغطّته روسيا سياسياً عبر الإشارة إلى أنّ أيّ تدخّل من دون العودة إلى الدولة السورية يشكّل «انتهاكاً للقانون والمواثيق الدولية»، وليس انتهاءً بالمخاوف من وقوع الأسلحة الأميركية في أيدي المجموعات المتطرّفة. التساؤلات حول جدوى تدريب خمسة آلاف مقاتل لم يكونوا جاهزين للعمل في سورية إلا بعد سنة من الآن، في مواجهة تنظيم يقدّر عدد مقاتليه بثلاثين ألفاً، تلك التساؤلات التي شكّلت محور اهتمام الصحافة الأميركية في ما يخصّ ملف التدخل الجوّي لأوباما في سورية. لكن على رغم مما سبق، لا بدّ من الإشارة إلى تغييرين أساسيين أفرزا صورة المشهد الحالي في الكونغرس الأميركي والتي وصفها بعض المهتمين بالشأن السياسي بأنها «نادرة»:
الأول: ضغط الرأي العام الأميركي بعد ذبح تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية» صحافيين أميركيين في غضون خمسة أيام، وهو ما استغلّه أوباما للهروب إلى الأمام من ضغط معارضيه، ودفع الكونغرس إلى تأمين الغطاء القانوني للمغامرة الأميركية الجديدة في المنطقة، والتي بدأت تغيير استراتيجيتها العسكرية حتى قبل أن تبدأ. وفي هذا السياق اتّهمت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الرئيس أوباما «بالتراجع عن وعوده في شأن السياسة الخارجية، وتجاهله القانون الدولي». وأوضحت أن توصّل الرئيس أوباما إلى قراره في مواجهة «الدولة الإسلامية» ينمّ عن «رضوخه لتيارات ثلاثة: وسائل الإعلام الأميريكية المهووسة بحمّى الحرب مطالبةً بحلّ عسكري، وحشد من اللبراليين الجدد من دعاة التدخّل، ونزوله عند رغبة معارضيه السياسيين من المحافظين الجدد وولعهم بشنّ حروب طائشة».
الثاني: في ما يخصّ بوصلة الحرب، تغيّر الأمر بشكل كلّي على الصعيد العلني أقلّه. فنحن اليوم لسنا كما في السنة الماضية حين لجأ أوباما إلى الكونغرس الأميركي. العدو ليس الدولة السورية التي تجاوزت «خطوط أوباما الحمراء»، بل العدو هو تنظيم «الدولة الإسلامية». لا بل أكثر من ذلك، إن تغيير بوصلة العداء سمح بتلافي افتراق المصالح بين المحاور المتصارعة في المنطقة على الأقل إعلامياً، والانتقال من العدو الخاصّ بكلّ طرف على حدة، إلى مفهوم «العدو المشترك». حتى لندن عبّرت عن عدم اعتراضها على تعاون طهران في الحرب على «داعش»، فيما لا يغيب عن ذهن أحد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر «داعش» عدوّها الأول اليوم في المنطقة، بغضّ النظر عن عدم انضوائها أو بالأصحّ عدم قبولها الانضواء في تحالف أوباما ـ هولاند للحرب على ما يسمى «الدولة الإسلامية».
تغييران من المؤكد أنهما حضرا في حسابات صانع القرار الأميركي، وأفرزا هذا التغيير الذي يفتح بدوره الباب أمام تساؤلات عن وجود تفاهمات من نوع ما بين الأطراف المتصارعة.
كاتب سوري