أكراد شمال العراق: هل حان موعد الانفصال؟

حميدي العبدالله

وقع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني قانون الاستفتاء على تقرير المصير. وإذا ما تمّ إجراء هذا الاستفتاء فإنّ الغالبية سوف تصوّت لصالح الانفصال عن العراق، استناداً إلى سابقة جنوب السودان، واستناداً أيضاً إلى الوضع القائم الآن في العراق بملابساته الكثيرة، فجميع العوامل السائدة الآن في العراق تؤثر سلباً على قناعة الأكراد المدعوّين غلى المشاركة في الاستفتاء.

فتنظيم «داعش» الذي يسيطر على مناطق واسعة من العراق في الغرب والوسط وبالقرب من تخوم المنطقة الكردية، لا يشكل إغراء على أيّ نحو كان يقنع الأكراد بالبقاء جزءاً من الدولة العراقية، والصراعات بين المكوّنات والأحزاب العربية التي تتخذ طابعاً مذهبياً هي الأخرى لا تشجع المواطنين الأكراد على البقاء جزءاً من الدولة العراقية، والفرق الواضح بين أحوال إقليم شمال العراق حيث تقطن الغالبية الكردية، وبقية مناطق العراق الأخرى تدفع مواطني هذه المناطق للتمسك بكيانهم الخاص.

إضافة إلى هذه العوامل النابذة، والتي تعمل عكس خيار الحفاظ على وحدة العراق، فإنّ الأحزاب الكردية الرئيسية لم تبذل أيّ جهد لإقناع الأكراد بالبقاء جزءاً من العراق، أو إظهار التحديات، إن لم تكن المخاطر، التي يمكن أن تترتب على الانفصال عن العراق، وتشكيل دولة مستقلة، وما قد يتسبّب به ذلك من نزاعات، ولا سيما في المناطق المتداخلة، التي بالأساس حجزت لها موقعاً خاصاً حتى في ظلّ الوضع الحالي.

هكذا فإنّ كلّ الشروط والظروف الموضوعية تؤكد أنّ عرض حق تقرير المصير على الاستفتاء سينال بكلّ تأكيد تأييد غالبية أكراد شمال العراق.

لكن إذا كان هناك من عقبات ستحول دون ذلك فإنّ هذه العقبات تتلخص أولاً باحتمال أن لا تسير الأحزاب الحاكمة في إقليم شمال العراق بخيار الاستفتاء، وهذا الاحتمال نابع من واقع عدم موافقة دول كثيرة في المنطقة، والحكومات الغربية على الانفصال. فسابقة انفصال جنوب السودان حظيت بدعم إقليمي وغربي، ولم تعارض حكومة الخرطوم هذا الخيار. لكن الدول الغربية تدعم وجود فيدرالية عراقية يشكل إقليم كردستان أحد أضلاعها الثلاث، ولكنها لم تجاهر حتى الآن بأنها ستدعم الانفصال، هي تؤيد الحصول على إدارة واسعة تقترب من الكونفيدرالية وليس الفيدرالية وحسب، ولكنها لا تقول بالانفصال المطلق خوفاً مما يتسبّب به مثل هذا الانفصال من نزاعات حادة قد تؤثر سلباً على مصالح الدول الغربية في المنطقة.

هل تكفي هذه العوامل والحسابات لمنع انفصال الأكراد؟ من الصعب إعطاء جواب قاطع على هذا السؤال، ولكن بكلّ تأكيد واقع العراق هو الذي سوف يحسم الخيارات، فإذا سارت الأوضاع نحو المزيد من التردّي، فالأرجح أنّ الانفصال سيكون أمراً حتمياً، وإذا تحسّنت الأوضاع فيمكن للأكراد التراجع عن الانفصال والبقاء على ما هم عليه الآن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى