الهجرة القسريّة.. تأثيرها على التنمية البشرية
سماهر الخطيب
تُعد الهجرة القسرية ظاهرة مركبّة ومتعدّدة الأسباب والأبعاد، فهي ليست نتاج عوامل طبيعية، وليست كتلك الهجرة التي ينتقل فيها الأفراد بشكل طوعي للحصول على مستوى حياة أفضل، إن كانت داخل الدولة أوخارجها، بحيث تكون هجرة تغني المجتمعات بما تحمله من إثراء ثقافي وتكامل اقتصادي، لتحقّق الازدهار في البلدان المضيفة وتحرّك التنمية وتخفف من حِدّة الفقر، وتشكّل مصدراً هامّاً للموارد بما يسهم في تحقيق الرفاهية والنمو الاقتصادي.
للهجرة القسرية وجه آخر اغتراب خارج الوطن بحثاً عن الأمان والسلام، وبحث عن الحياة لمجرّد الحياة فقط، هرباً من الموت المحدق بهم. فهي «نتاج الحروب والمنازعات، وقيام مجموعات متعصّبة اتجاه مجموعات عرقيّة أو دينيّة أو مذهبيّة بهدف إخلاء أراضٍ معيّنة وإحلال مجاميع سكّانية أخرى بدلاً عنها».
تُطلق تسمية اللاجئين أو النازحين على من غادر بلاده بصورة قسرية. الهجرة القسرية التي سببها ما أصاب المنطقة منذ احتلال فلسطين العام 1948، إلى ما نراه اليوم من حروب في العراق وسورية.
وبهذا الشأن، قالت مفوّضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إنّ «عدد الأشخاص الذين شرّدتهم الصراعات قد وصل إلى أعلى مستوياته بلغ نحو 65.3 مليون شخص مع نهاية عام 2015، أي بزيادة 5 مليون شخص خلال عام واحد». وتابع تقرير المفوّضية، أنّ «واحداً من كلّ 113 شخصاً في العالم مشرّد، وهو إما طالب لجوء أو نازح أو لاجئ».
وخلال عام 2015 فقط، بلغ عدد طالبي اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي 1255600، وهو ما يزيد عن ضعف العدد في العام الذي سبقه.
ويأتي في صدارة القائمة السوريّون والعراقيون، والذين يتوجّه أكثر من ثلثهم إلى ألمانيا، بحسب بيانات هيئة الإحصاء في الاتحاد الأوروبي يوروستات .
وبحسب الأمم المتحدة، فقد تجاوز العدد الإجمالي من اللاجئين نتيجة الحرب في سورية 6.5 مليون لاجئ نهاية عام 2016، أمّا نسبة النازحين داخل سورية فتقول الإحصائيات بأنّها ارتفعت إلى 8.7 مليوناً نهاية عام 2016.
توزّع ما يربو على 4.8 مليون لاجئ سوري على خمسة بلدان، هي تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، ولم تقدّم دول الخليج أيّة فرصة للّاجئين السوريّين، في حين تلقّت ألمانيا والسويد، مجتمعتين، 64 من طلبات اللجوء المقدّمة في أوروبا ما بين نيسان 2011 وتشرين الأول 2016.
وذكرت مفوّضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين: «يحتاج 480.000 شخص على الأقل، ممّن لجأوا إلى البلدان الخمسة الرئيسيّة، إلى إعادة توطين، وتعهّدت ألمانيا بإتاحة 43.431 فرصة توطين للسوريّين، أي ما يعادل 46 من إجمالي فرص التوطين المقدّمة من الاتحاد الأوروبي.
وكان الكيان الصهيوني قد ذكر بأنّه سيقوم باستقبال 100 لاجئ سوري من الأطفال دون سن 18 عاماً، ومنحهم «الجنسية» بحسب زعمه. وكذلك الحكومة التركية صرّحت أنّها ستَمنح الجنسية للّاجئين السوريّين على أراضيها. في وقت حذرّت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف»، أنّ أكثر من 40 في المئة من الأطفال السوريّين اللاجئين في تركيا، لا يتلقّون التعليم بشكل مناسب، ممّا يُنذر بضياع جيل كامل.
من جهةٍ أخرى، قالت صحيفة «دي فيلت» الألمانية: «إنّ السوريّين هم أكثر اللاجئين الذين يحاولون تعديل شهاداتهم ونَيل الاعتراف الرسمي بها».
كما ذكر اتحاد غرف التجارة المصرية بأنّ السوريّين يُعدون أحد أسباب ارتفاع مفاجئ في النمو الاقتصاد المصري، خلال عامَي 2015 و2016.
الجدير بالذكر، أنّ للهجرة القسرية تأثيراً سلبيّاً ومباشراً على التنمية البشرية المستدامة بأحجامها الاقتصادية، الاجتماعية والبشرية.
وقد تمثّلت بهجرة الشباب بما يمتلكونه من مهارات وكفاءات تمثّل أهمّ مقوّمات التنمية على المدى القصير والبعيد، فالدولة التي تنفق الأموال على تعليم شبابها وأبنائها، تعيش مرحلة حرب في مواجهة الإرهاب على أراضيها.
والتنمية تعترضها هجرة قسرية تؤثّر سلباً بما فيها من هدر له آثاره على بناء المجتمع ونمائه وأمنه، ممّا يؤدّي إلى توقّف دوران العجلة التنموية في الداخل، وتزيد من تعميق الأزمة ومخاطرها على كافة شؤون الحياة.