الحزب في بلدة «جبرايل ـ عكار» بدايات

لعل أول رفيق تعرفتُ إليه من ابناء بلدة «جبرايل» وكانت تشدني إليه اواصر متينة من المودة، هو الرفيق الشهيد ايليا نقولا الذي أذكره دائماً بكثير من التقدير وقد ارتقى شهيداً عام 1971، بعد أن تخرج من الجامعة اللبنانية واستعدّ للإنطلاق في الحياة استاذاً ثانوياً. كتبت نبذة تُعرّف عنه وعن استشهاده 1 .

الرفيق الآخر هو صهره، سمير حنا، الذي شارك في الثورة الإنقلابية، سُجن، وخرج أكثر عزيمة وأكثر وعياً وأكثر تصميماً على مواصلة النضال.

وفي بيروت تعرفتُ الى الرفيق موسى نقولا الذي نشط فيها خازناً للمنفذية، وفي المصيطبة حيث كان يقيم 2 ، إليهم تعرفتُ الى الرفيقة نهاد ابراهيم عقيلة الرفيق المهندس منير حداد، وعرفت منها انها كانت في بلدة عدبل عندما هوجمت البلدة في حوادث العام 1958، وشاركت في الدفاع عنها.

عندما غادرتُ الى البرازيل تعرفتُ فيها الى الرفيق محسن نقولا الذي تولى مسؤوليات على صعيديّ سان باولو، والبرازيل.

وعرفتُ ايضاً الرفيق الرائع نقولا داود 3 الذي كنت ألتقي به كلما زرتُ مدينة «اوبرلنديا» 4 فكان اول من يحضر الى الاجتماع، آخر من يغادر وأكثر مَن يستمع لكلّ كلمة، بكلّ عقله وقلبه وأحاسيسه.

الرفيق نقولا داود مثال حي على ما حفرته النهضة القومية الاجتماعية في نفوس المنتمين اليها. ننصح بالإطلاع على ما كتبتُ عنه عبر الدخول الى قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info .

وايضاً التقيت أكثر من مرة الرفيق الأول في «جبرايل» وباني العمل القومي الاجتماعي فيها، نقولا خوري، الأخ الأكبر للأمين د. منير خوري.

عنه يورد الأمين منير في الصفحة 43 من مذكراته «سفينة حياتي»: أول مرة سمعت فيها بالحزب في العام 1933 حين كان شقيقي الأكبر نقولا يتحدث عن نشاط ونهضة لحزب سريّ، ويستفيض عن هذا الحزب بتكتم شديد، وحماسة أشدّ، فدفعني فضولي، وكنت لم اتجاوز الثانية عشرة من عمري، الى التساؤل ما هذا التكتم الشديد من جهة، وهذه الحماسة من جهة أخرى. وكان الجواب: «بكرا بتكبر يا منير وبتفهم أكثر».

اما الابرز من كل هؤلاء الرفقاء، من ناحية الأقدمية في الانتماء وتبوؤ المراكز القيادية في الحزب، فهو الأمين د. منير خوري الذي لا يصحّ أن نذكر «جبرايل» الّا ونذكره في بداية الحديث عنها.

في كتابه «سفينة حياتي» يتحدث الأمين د. منير خوري في الصفحات 47 – 49 عن بدايات العمل الحزبي في «جبرايل» يقول: في صيف 1940 التقيتُ لأول مرة بشاب يدعى أسد الأشقر في «رحبه»، القرية المجاورة لـ«جبرايل» وبلدة زوجته السيدة رؤوفة. كان ذلك الشاب في أوج شبابه يتحدث مع بعض أقرباء زوجته عن الحزب وبحرارة وإيمان فائقين أثرا فيّ وفي بعض أترابي في القريتين، جبرايل ورحبه. استمرت اللقاءات بيننا وبين «الاستاذ أسد» أياماً نستمع اليه، نسأله ويجيبنا حتى «استوت الطبخة» كما يقول المثل العامي. والحقيقة أن الطبخة لي كانت «شبه مستوية» لا تحتاج الى أكثر من جذوة خفيفة لتنضج.

الامين د. منير خوري

«الخلاصة، انتهت تلك اللقاءات بقسمنا اليمين الحزبي أمامه. وبحضور حبيب سكاف ونقولا يزبك، رحمهما الله.

شكّل لي القَسم منطلقاً ومنعطفاً تاريخيين لحياتي كلها، كنت في مطلع العشرينات من العمر عندما أقسمت وبدأت فوراً خوض معركة الحزب والنضال من أجل تحقيق أهدافه. وهنا لا بدّ من الاعتراف أن نشاطي الحزبي كان وما زال الى حد بعيد طوباوياً، رسولياً في مثاليته، أشدّد على المناقب والممارسة الخلقية أكثر مما على العقيدة الفلسفية التي لم أكن أعيها تماماً كما أعيها اليوم. أخذت كثيراً بما كتبه سعاده عن الانسان المجتمع وبناء الانسان الجديد والقضاء على «الأنا» المتجذرة في نفوس الشعب، إضافة الى تشديده على رفض الطائفية وإلغائها، الى ما هنالك من نظرات مجتمعية إصلاحية، هذه الأهداف المثالية التي تحدث عنها الزعيم في الكثير من كتاباته ومحاضراته وبقي مُصراً عليها طوال حياته التي لم تدم طويلاً.

«برغم كل التجارب التي مررت بها في مسيرتي الحزبية بقي نشاطي في جميع مراحله على السواء، أميل الى الناحية الخلقية منه الى الناحية الكلاسيكية المتبعة عادة في التبشير الحزبي. فيما كان معظم القياديين الحزبيين يشدّدون على «تاريخ الأمة السورية» و«النهضة القومية الاجتماعية» والفلسفة» «المادية الروحية» المدرحية واتفاق «سايكس بيكو» الى ما هنالك من أمور، على أهميتها وعلى ضرورة فهمها واستيعابها، كنت أراها تأتي بعد الاكتشاف والتبيّن للسلوك الأخلاقي والمناقبي عند المرشح لقسم يمين الانتماء لا قبله. كنت في جميع مراحلي الحزبية من القاعدة حتى رأس الهرم أشدّد دوماً على هذه القاعدة السلوكية، وكنت كلما شعرت، خاصة في الفترة الواقعة بين 1942 و1946، الفترة التي تقاطعت فيها نشاطاتي الريفية مع نشاطاتي الحزبية في جبرايل، أن أي فتى أو فتاة لديهما الحدّ الأدنى من الصفات الخلقية التي ما زلت أتوخّاها من الحزب القومي الاجتماعي، أفتح فوراً باب الانتماء.

«في بداية تجربتي الحزبية كان يزورنا عدد من القياديين لتفقد نشاطاتنا في عكار، أمثال عبدالله قبرصي والياس جرجي قنيزح وغيرهما. والذي أذكره بوضوح انّ الأمين الياس جرجي الذي أمضى في بيتنا ما يقرب من اسبوعين، جاء باسم مستعار «رياض سعيد» منتحلاً صفة أستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت، تجنباً لملاحقة السلطات اللبنانية والفرنسية للحزب في تلك الأيام. وبرغم كلّ الملاحقات شمل نشاطنا «التبشيري» بقيادة الاستاذ «رياض سعيد» معظم القرى المجاورة، وغالباً ما كنا نضطر الى قضاء الليل بكامله في الأحراج خارج منازلنا عندما كنا نسمع أنّ دورية عسكرية جاءت في مهمة تفتيشية. أما الأستاذ «رياض سعيد» فكان يتحلّق حوله أهل القرية والقرى المجاورة يستمعون الى أحاديثه الشائقة والمليئة بالنكات التي اشتهر بها حتى آخر أيام حياته. كنا دوماً في جميع تنقلاتنا وزياراتنا السرية والعلنية التبشيرية منها والاجتماعية نعرّفه بـ «الأستاذ رياض سعيد» حتى استقرّ الإسم المستعار في لا وعيه الى حيث أنني ناديته مرة بإسمه الحقيقي «الأمين الياس» وكان كشفه لي وحدي، فلم يجب. كنا وحدنا طبعاً فكررتُ النداء قبل أن يعي أنه المقصود.

هوامش

1 – الشهيد ايليا نقولا: مراجعة قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

2 – موسى نقولا: عرفته صلباً، متفانياً، دقيقاً في عمله، جريئاً في طرح آرائه وعنيداً في ما يراه حقاً.

3 – نقولا داود: مراجعة القسم المشار اليه آنفاً للإطلاع على النبذة التي كنت كتبتها عنه

4 – اوبرلنديا: كان للحزب فيها فرع ناشط تولاه الرفيق سالم بربر من الحاكور ومن وجوه الجالية المواطن الصديق نعمان مشيلح من الحاكور ايضا . كنت أتردّد الى «اوبرلنديا» في طريقي الى فروع الحزب في الوسط البرازيلي: غويانيا، انابوليس وبرازيليا. ومنها أيضاً كنت اتوجه الى مدينة «اراشا» لأزور الرفيق المؤرخ ابراهيم حبيب طنوس في مدينة «اراشا».

تستحق بلدة جبرايل، كما بلدات اخرى في عكار، ان يصدر عنها نبذة كاملة تغطي بدايات الحزب فيها، سير الرفقاء الشهداء منها، والمناضلين، وابرز الاحداث والنشاطات التي حصلت. نأمل ان نتمكن، ومعنا رفقاء منها، ومن فروع حزبية أخرى، من جمع المعلومات المفيدة لتاريخ العمل الحزبي في تلك الفروع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى