اغتيال الأسد إشاعة أم دعوة؟
روزانا رمّال
حاولت الصحافة السعودية، ومعها المتناغمة فرنسياً، مع التقدير السعودي نفسه بين مكسب ومعلومة «مطلوبة» الترويج لمقتل أو مرض الرئيس السوري بشار الأسد بروايتين مختلفتين في النهار نفسه، وهو الذي يشكل أول عنصر من الثغرة في الرواية السياسية برمّتها، وذلك عبر نشر سيناريو عن تفاصيل المعلومة المنشورة لكلتا الجهتين الفرنسية والسعودية «لو بوان» و«عكاظ» مفادها أن هناك فريقاً روسياً يعاين الأسد المريض الذي يعاني من ورم دماغي. وأن الأمر لا يزال طيّ الكتمان. الرواية الثانية تتحدّث عن عملية اغتيال على يد أحد حراسه نجا منها الأسد، لكنه في المستشفى بحال خطيرة.
يمكن أخذ الروايتين بعين الاستهتار ببداية القراءة لكن التقدير الأول لا يؤخذ أمنياً نحو تصنيفه فقط في إطار الإشاعات، حسب خبير أمني لـ«البناء»، التي هي جزء من اللعبة أيضاً، فالأخطر هنا هو ما يُعرف بالرابط بين الخيال العلمي المستخدم منذ الأزمة والذي تطلبه سيناريوات هوليوودية وبين الرسائل التي تجعل إشارات الاستخبارات والتجنيد مترجمة عبر أقلام معنية بالمطلوب «تنفيذه» .
واذا كانت مسألة إطلاق النار من حارس الأسد الشخصي للوهلة الاولى مضحكة, فإن أي أمني يعرف أن هذا الأمر يمكن أن يشكل رسالة تجنيد غير مباشرة وطريقة استدراج جدية لحراس الأسد في محاولة لاستمالتهم أو شراء ما أمكن من ضمائرهم.
. سيناريو اغتيال الرئيس السوري على يد أحد حراسه، ليس الاول من نوعه فمنذ الأزمة السورية تكرر هذا النص أكثر من مرة ما يعني أن النص المذكور خرج عن الإطار الصحافي ودخل لعبة الاستخبارات والرسائل المتبادلة.
رواية الاغتيال روّج لها في شهر آذار من عام 2013 موقع «إسرائيلي»، فنقلت عنه «لو بوان» الفرنسية «افتراضياً» الخبر بدورها من دون تأكيده.
وهذا ما نشره منذ أربع سنوات موقع عبري يدعى «نيوز وان» «أطلق ضابط يُدعى «مهدي اليعقوبي»، إيراني الجنسية النار على الأسد، وهو حارسه الشخصي فتم نقله إلى مستشفى الشامي في حالة خطيرة». وتوقف بث التلفزيون متوقعاً أن يكون السبب في ذلك هو محاولة السلطات السورية التعتيم على الأمر، حتى يتم الاتفاق على خليفته. مجلة «لوبوان» الفرنسية عزّزت الخبر حينها، فقالت إن احتمالات مقتل الرئيس السوري باتت كبيرة، مع تزايد الإشاعات حول تعرّضه لاغتيال على يد حارسه الشخصي.
اليوم تعيد المجلة الفرنسية الأسبوعية « لو بوان» نشر الرواية على «ذمة المواقع العربية»، من دون تعديل مع تأكيد وقوعها… وفي البحث نجد أن الرواية ليست موجودة على موقع «لو بوان» الفرنسي الرسمي، ولا اثر لها سوى أن مواقع عربية نقلت عن «لو بوان» الفرنسية.
إذاً، أصل الرواية «إسرائيلي» منذ أعوام واليوم تتجدد بلسان مواقع سعودية ما يعني أن هذا الأمر غير محصور في مسألة إطلاق إشاعة بقدر خطورتها وما تعنيه من إمكانية التأثير على فريق عمل الأسد مثلاً أو زرع الشك في نفس الأسد وهي أساليب «إسرائيلية» معروفة تعاطت بمثلها مع حزب الله ونشرت روايات عديدة عن السيد نصرالله.
باتت قصة قتل الرئيس السوري على يد حارسه دعوة أو رسالة لتنفيذ هذا النوع من الاغتيال، إذا أتيحت الفرصة في حالات، كقيام الرئيس بتوجيه خطاب ما أو ما شابه وهو ما يستدعي «استنفاراً» جدياً للقيادة السورية التي لا يجب أن تُحاكم على أساس نيات تشويش صحافي فقط خالية تماماً من الدس، مع ما تود الأجهزة العبرية من تعميمه عن ضعف الأسد واعتماده على ايران حتى على مستوى حارس شخصي أي «انعدام» الثقة المتبادلة بينه وبين عسكريي بلاده.
اليوم تروّج المصادر نفسها رواية أخرى في اليوم نفسه تسعى فيها إلى تعزيز فكرة «سلخ» نصرالله عن لبنانيته، وهي هدف «دائم» بحد ذاته، وتتويجه قائداً لـ«ميليشيات» ايران في المنطقة كلها، حسب رواية صحيفة سعودية أي الحشد الشعبي العراقي وحزب الله السوري وأنصار الله اليمني وغيرهم ..
الروايتان تتضمنان في التوقيت نفسه عنصراً «إيرانياً» يسعى لتكريس الأسد ونصرالله عميلين لإيران خارجين عن رغبة جمهوريهما وبلديهما ومنشقين عن المصلحة الوطنية بمحاولة لزرع فتن محلية بأسلوب مستنفز وركيك.
الهدف «الإسرئيلي» مفهوم عكس العناد السعودي اللافت في عدم تلقي المتغيّرات السياسية والتقدم نحو إيران للحلول. وهو ما فاق المنطق سياسياً ونفسياً, ليطرح السؤال الأساس عن الرؤية السياسية في قراءة مسؤولي المملكة للوقائع: كيف يمكن مثلاً لنظام دولة أن يقود نفسه نحو الهاوية سياسياً بهذه الطريقة، متجاهلاً ما جرى منهجياً في المشاريع والنتائج التي فرضت نفسها في ايران أولاً بعد التوقيع على الملف النووي مع الغرب، وفي سورية ثانياً؟
لا مانع لو انعطفت الحكومة السعودية قليلاً أو بدّلت وتحوّلت باستراتيجيتها مثل ما فعلت الحكومة التركية، بعدما انكشفت الأمور على ما هي عليه اليوم في الميدان السوري، خصوصاً بعد الواقعة الحلبية. ربما لا يحتاج النظام السعودي لمخططات من خصومه لينهار أبداً، وربما لا يسعى خصومه لهذا, يكفي استمرار هذه العقلية التي لا تتعاطى مع المتغيرات لتدمّره تدريجياً من دون أن يبذل أحد جهداً في ذلك.
في كل الأحوال وبحالة نصر الله يغيب عن المعنيين في السعودية أن المجموعات المسلحة المذكورة كلها التي تسميها ميليشيات إيرانية تجد فيه «سلفاً» قائداً روحياً لقضيتها من دون تنصيبه رسمياً أو منحه «لقباً» وهو رابط أقوى بكثير في الحساب الاستراتيجي والعقائدي والنفسي، بناء على تجربته مع «إسرائيل» بالنسبة اليهم.