صحافة عبرية
كتب أبراهام بن تسفي في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبريّة:
إن أحد أنماط البنية السياسية الأميركية المتجذرة، الذي يتكرر في اعقاب نقل راية الرئاسة بين الحزبين، يكمن في سعي المنتصر إلى توصيل رسالة مصالحة وجسر للهوة إلى الشعب مباشرة بعد الانتخابات. وهذا بالتزامن مع محاولة وضع الأمة الأميركية على خط جديد يلائم مواقفه وأحلامه. هذه السياسة «النشوة بعد الانتصار» دفعت كثيرين من الرؤساء، بمن فيهم فرانكلين روزفلت وجون كنيدي وباراك أوباما إلى إدخال أشخاص من الحزب المعارض إلى مناصب هامة في «كابينت».
في هذه المرة اختار الرئيس دونالد ترامب الشذوذ عن هذا التقليد، وامتنع عن أي علاقة أو صلة مع فترة الرئيس الـ44 الذي يصمّم على الانفصال عنه بشكل فوري ومطلق. وبالفعل، الاسبوع الاول للرئيس الـ45 تميز بالعمل المكثف للبيت الأبيض من أجل فرض حقائق أساسية على الارض ورسم الخطوط العامة للنظام القومي والدولي الجديد، الذي يصمّم عليه في عدد من المجالات والمواضيع. هكذا يخرج ترامب إلى معركة حاسمة تهدف، كما وعد ناخبيه، إلى طرح بديل راديكالي للنظام القديم وهدم إرث سلفه في البيت الأبيض.
من خلال مراسيم رئاسية ومن خلال التشريع، ينوي الرئيس الأميركي الجديد شطب ثماني سنوات من الذاكرة الجماعية واغراقها في بحر النسيان. وبنظرة أولى، لا شك في أن هذه الظاهرة، ظاهرة القائد السياسي الذي يلتزم بجميع الاهداف التي تعهد بها أثناء ترشحه، والسعي منذ اليوم الاول في المكتب البيضوي إلى تحقيقها بشكل كامل وسريع، تستحق التقدير. هذا على رغم الضغط الداخلي والخارجي الذي يفرض في العادة على الساكن الجديد في البيت الأبيض سياسة التأقلم والحلّ الوسط التي تبعد سنوات ضوئية عن أهدافه الحقيقية. ورغم ذلك، على الأقل بحسب الاسبوع الأول في منصبه، يجب عدم تجاهل الصعوبات والأخطار التي تكمن في هذه الاستراتيجية التي تسعى إلى احداث التغيير الشامل من دون وضع أولويات ومن دون أن تخضع هذه المبادرات للفحص والدراسة.
في الوقت نفسه، بعض المراسيم الرئاسية التي نشرها البيت الأبيض منع دخول المسلمين من سبع دول إلى الولايات المتحدة ، عملية التنفيذ بدأت رغم أنه في ما يتعلق بسياسة الهجرة الجديدة من الدول الاسلامية، فان هذه الخطوة أثارت الاحتجاج الخارجي والداخلي، وهناك دعاوى قضائية ، الامور الاخرى مختلفة. فمثلا، يمكن أن مبادرة ترامب لفرض ضريبة بقيمة 20 في المئة على ما يتم استيراده من المكسيك من اجل تمويل الجدار على طول الحدود، قد تفشل. لأنها تناقض اتفاق التجارة الحرة الذي صادقت عليه ادارة كلينتون عام 1993. الرئيس الجديد يطمح إلى إلغاء هذا الاتفاق، الامر الذي يمكنه أن يشعل حرباً تجارية بين الولايات المتحدة وجارتها في الجنوب.
إن قرار رئيس المكسيك، أنريكا فانيا نايتو إلغاء اللقاء المتوقع مع الرئيس الأميركي على هذه الخلفية، هو علامة أولى على أن المسار الذي يؤدّي إلى تنفيذ جميع الاهداف في فترة ترامب، قد يكون أكثر تعقيداً وأكثر صعوبة مما هو متوقع.
مغامرات «بيبي» دَين حتى لو لم يكن جنائياً
كتب إيتغار كارت في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية:
التقيت الأسبوع الماضي غير قليل من الأشخاص ممّن فوجئوا من هجمات بنيامين نتنياهو التي لا تتوقف على الشرطة وعلى المستشار القانوني وتساءلوا لماذا، بحق الجحيم، يواصل تطوير نظريات المؤامرة التي لم يعد كثيرون من ناخبيه يؤمنون بها، بينما يمكنه ببساطة أن يسكت. إذن هذا هو، لا يمكن لنتنياهو أن يسمح لنفسه بأن يسكت.
نتنياهو ليس رئيس الوزراء الأول الذي يتعرض للتحقيق، ولكنه ينجح في أن يحظى بسهولة بلقب «رئيس الوزراء الذي يحقق معه في هذا القدر الكبير من التحقيقات على التوازي» ـ تحقيقات تغطي طيفاً واسعاً من السلوك الفاسد. ومثلما في مغامرات «البطل الوطني الإسرائيلي الآخر»، دنيدين الذي يرى ولا يراه أحد، لدى نتنياهو أيضاً يدور الحديث عن مسلسل ناجح وعدد الحلقات وليس
وهكذا نجد أنفسنا نتعرف على مغامرات «بيبي» في البيت التحقيق في منازل رئيس الوزراء ، مع الأصدقاء تحقيق الهدايا من ميلتشن ، في الصحيفة تحقيق موزيس وفي الغوص تحقيقات شراء الغواصات ، في الجيش تقرير مراقب الدولة حيث يتهم بإخفاء معلومات عن كابينت ، وحتى في باريس قضية ممران . والاستنتاج الواجب واضح: هذه إما مؤامرة أو تبويل طويل ومتواصل من القمة التي لا يكتفي فيها صاحب الحفل بالتبويل على المعايير العامة الثابتة، لا بل يحرص على التوزيع. وهكذا إذا لم يصرخ نتنياهو من على كلّ منصّة بأن المحسوبَين اللذين حرص على تعيينهما يحاولان إسقاطه بدوافع خفية وعلى ما يبدو يسارية، فإنه في واقع الامر يعترف بصمته بأنه نال كل هذه التحقيقات المتنوّعة بجدارة.
المشكلة هي أنه حتى لو أخذنا بنظرية المؤامرة التي يطرحها نتنياهو، تبقى أمور هو نفسه يعترف بها: فقد تلقى هدايا بمئات آلاف «الشواكل» من دون أن يبلّغ عنها، وعد صاحب صحيفة قوية بأن مقابل التغطية العاطفة سيمارس نفوذه في الصحيفة المنافسة، الصحيفة التي أعلن نتنياهو نفسه عنها في الماضي بأن ليس له أيّ صلة أو تأثير عليها. وهكذا فإنه حتى بحسب ادّعاء نتنياهو لا تجد مطاردته تعبيرها بتلفيق المحادثات التي سجلت واعترف بوجودها أو باختلاق الهدايا التي اعترف ايضاً بتلقيها وما شابه.
إذن، يعترف نتنياهو بالكثير من الحقائق التي دفعت الشرطة لأن تفتح التحقيقات ضده، ولكنه يدّعي بأن سلوكه فيها كلّها ليس جنائياً. وهنا مشوّق أن نسأل اذا لم يكن سلوكه جنائياً، فما هو بالضبط؟ جدير؟ نزيه؟ يحترم الأنظمة ويحترم مواطني الدولة؟ لا، سيقول نتنياهو، ولكن أيضاً كهذا ـ هذا لم يمنع أحداً بعد من أن ينتخبني. غير أنه عندما أجريت الانتخابات الاخيرة لم تكن معظم هذه التحقيقات قد تمّت بعد، والسؤال الكبير هو: هل حتى في السيناريو الذي يقترحه نتنياهو ـ والذي هو فيه ليس مجرماً بل مجرّد كاذب، مستغلّ ومحب للاستمتاع وقع ضحية لإحباط اليسار السافل ـ فهل هو قادر حقاً على الادّعاء بأن كل أولئك الناخبين الذين صوّتوا له قبل نحو سنتين كانوا سيصوّتون له الآن أيضاً؟
ثمة سبيل واحد فقط لحسم هذه المسألة: استقالة الحالة والتوجّه إلى انتخابات جديدة. هكذا فقط سنتمكّن من الاستيضاح بالشكل الأكثر نزاهة إذا كان الجمهور في «إسرائيل» يريد للمغامرة التالية في المسلسل واسع التغطية ستكون نتنياهو انتخب مرة أخرى مع ظهور الضيف دونالد ترامب أم نتنياهو يذهب إلى البيت.
هل يشمل ترامب الأخوان المسلمين في قائمة منظمّات الإرهاب؟
كتب تسفي برئيل في صحيفة «هاآرتس» العبرية:
السؤال الجديد الذي يقلق إدارة ترامب الآن هو: هل يجب اعتبار حركة الأخوان المسلمين حركة إرهابية؟ بعد أن وقّع على أمر رئاسي يمنع دخول المسلمين من سبع دول عربية إلى الولايات المتحدة وبعد أن أعلن أنه سيعطي إذن بفتح سجون سرّية في العالم ويسمح بالتعذيب، فإنه قد يحقق أمنية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتحويل خصومه الالداء أعضاء حركة الأخوان المسلمين إلى نشطاء إرهاب، والذين هم هدف في أرجاء العالم.
مشكلة دونالد ترامب هي الحاجة إلى الاثبات أن الحركة فعلاً تستخدم الإرهاب وأنها ليست فقط عدوّ سياسي للنظام المصري. إذا اكتفى بإثباتات تقدّمها مصر سيكون لديه الكثير من المواد المؤيدة لقراره لكنه سيضطر حينها إلى مواجهة بعض المشاكل السياسية الصعبة. أولها هي الموقف التركي الذي يمنح الرعاية للحركة ويسمح لنشطائها بالتحدث في محطات التلفاز حيث يتحدّثون عن بشائع النظام المصري وأعمال الجيش ضدّ المواطنين، وتركيا أيضاً تمول الميليشيات المتمرّدة في سورية والتي هي تابعة للأخوان المسلمين وتعتبرهم حلفاء المستقبل حين يقوم نظام جديد في سورية.
التعاون الوثيق بين تركيا والأخوان يشكل أيضاً أساس الانقطاع الدبلوماسي بين مصر وتركيا منذ 2013. قال صحافيو مصر إنه في حوار هاتفي بين ترامب والسيسي بعد أداء القَسم تحدّث عن تأييده صراع الرئيس المصري ضدّ الإرهاب، ومن هنا فإنه قد يساعده في الحرب ضدّ الأخوان. ولكن هل سيضغط ترامب على تركيا من أجل تسليم نشطاء الأخوان لمصر كما يطالب السيسي؟
في تركيا قد يقترحون صفقة دائرية: مقابل وقف نشاط الأخوان في تركيا سيطلب رجب طيب أردوغان من ترامب تسليم فتح الله غولن رجل الدين الذي يتهمه أردوغان بتخطيط محاولة الانقلاب في تموز 2016. ولكن من أجل أن تحدث صفقة كهذه، سيكون على مصر وتركيا إصلاح العلاقات بينهما. وهذا يتطلب اعترافاً كاملاً من أردوغان بنظام السيسي، حيث يعتبره زعيماً غير شرعي بعد أن قام بإسقاط حكومة الأخوان المسلمين بالقوة، أما السيسي فمطلوب منه استئناف العلاقات الاقتصادية مع تركيا والتي قام بإلغائها قبل ثلاث سنوات.
للوهلة الأولى يبدو أن فرصة حدوث ذلك ضعيفة. الزعيمان معروفان بعنادهما والأنا الخاصة بهما. الاتهامات المتبادلة في السنوات الاخيرة تشبه تلك التي كانت بين أردوغان ورؤساء حكومة «إسرائيل» قبل المصالحة. وقد ثبت أن الاتهامات لا تمنع المصالحة حين تكون المصالح الاستراتيجية على المحك. فقد تصالح أردوغان ليس فقط مع «إسرائيل» بل مع روسيا أيضاً والتي فرضت عقوبات صعبة على تركيا بعد إسقاط الطائرة الروسية وغيّر أيضاً موقفه من الأسد، ومع بقائه كرئيس لسورية في الفترة الانتقالية. مصر مهمة لتركيا ليس فقط لأنها تستثمر بخمسة مليارات دولار ـ مصر تشكل رأس جسر بين تركيا وأفريقيا. هذا هو أيضاً السبب الأساس لأهمية تركيا في نظر مصر.
من الممكن ملاحظة إشارة التغيير من خلال الزيارة المتوقعة هذا الاسبوع لوفد تجاري تركي للقاهرة، إذ إنّ أعضاءه سيلتقون مع قادة مصريين ومن ضمنهم وزير الصناعة. على رأس الوفد التركي سيقف رفعت هيسارجي كليأولو، وهو رئيس اتحاد مكاتب الصناعة والبورصة في تركيا حيث أن معظم الشركات التركية تخضع لأمرته. صحيح أن زيارة مشابهة تمت عام 2015 ولم تؤدي لنتائج فورية خاصة بسبب الاسفين الذي وضعه أردوغان للسيسي من خلال وضع تمثال ليد ترفع أربع أصابع وهو شعار حركة الأخوان المسلمين على طاولته. ولكن يبدو أن الزيارة هذه المرة تحظى بغطاء الرئيس التركي.
الحجر الذي ألقاه ترامب إلى بركة الإرهاب قد يثمر بنتائج سياسية مهمة ولكن أين سيكون الصراع ضدّ الإرهاب؟ يمكن التشكيك بفرضية أن شمل الأخوان المسلمين في قائمة منظمات الإرهاب أو وضع جدار دفاعي حول الولايات المتحدة لمنع دخول المسلمين قد يفيد. العمليات في الولايات المتحدة وأوروبا لا تتم من قبل الأخوان المسلمين، وفي مصر ايضاً معظم العمليات تتم على يد نشطاء «القاعدة» أو «داعش». يجب الانتباه إلى أن السعودية وأفغانستان لم يعتبرهما ترامب دول إرهاب، ولم يمنع دخول مواطنيهم إلى الولايات المتحدة. هذا رغم أنّ منفّذي عملية 11 أيلول جاءوا من السعودية، وأن افغانستان هي مركز «القاعدة». يبدو أن الحرب ضد الإرهاب تحظى أيضاً بالليونة السياسية.