بين مسودة اقتراح الدستور والمناطق الآمنة…
جمال محسن العفلق
ليس بالانعطاف المهمّ ما حدث بعد أستانة، وكلّ ما نسمعه اليوم هو تصريحات ترتفع وتنخفض حسب تناول الإعلام لها والاهتمام بها، فمسودة الدستور لم تتلقّ أيّ ردّ رسمي علني من دمشق، ولكنها أخذت بعض الأهمية في الإعلام واعتبر البعض أن هذا الأمر يمسّ بالسيادة السورية بطريقة او بأخرى وإن كان الأمر لا يحتاج الى كلّ هذا الانفعال ما دام الشعب السوري هو صاحب القرار الأول والاخير في اقرار الدستور من عدمه، ولا اعتقد أن تقدم دولة صديقة استشارة او رأي بقضية هو امر يمسّ السيادة الوطنية ما دام هذا الأمر ضمن عنوان واحد هو اقتراح وليس أمراً واقعاً واجب التنفيذ. والجهة الوحيدة المخولة بالردّ على هذا الاقتراح بالرفض أو القبول هي الحكومة الشرعية في سورية، ولها الحق أن تحيل هذه المسوده للدراسة او ان تهملها، مع العلم أنّ المشرّع السوري لديه القدرة على صياغة دستور وقوانين بما يتناسب مع مصالح البلاد وأهلها.
ولا حاجة لأن نرفض الاقتراح رسمياً، لأنّ اطياف المعارضة السورية سترفضه ولن تقبل به، فنحن في سورية، وأنا هنا أمثل نفسي ولا أعلم مَن يوافقني هذا الرأي، أنّ معارضة الخارج لا يحق لها قبول او رفض المقترح الروسي لا من قريب ولا من بعيد، لأنّ السوريين في الوطن ابتلوا بمعارضات خارجية مرتبطة بالعواصم التي تقيم فيها، فلدينا معارضة الدوحة والرياض وأنقرة والقاهرة وموسكو وباريس ومكتب في لندن وآخر في برلين وعمان وتل أبيب في فلسطين المحتلة، وكذلك بيروت لها حصة وأكثرهم تمتلكهم جماعة الاخوان المسلمين والممثلة على الأرض بداعش والنصرة، جناحيها العسكريين، وما يدور في فلكهما من كتائب إرهابية، فكيف لمن يرفض علمانية الدولة ان يقبل بدستور يقال إنه ديمقراطي؟ وعلى ذمة الراوي.
في بداية الحرب على سورية كان هدف الحرب الاول قبل التدمير والتخريب هو إدخال سورية في فراغ سياسي وتفتيت مؤسساتها العسكرية والأمنية والاقتصادية كاملة، ومَنْ لم يستطع ان يحصل على هذه النتيجة بالحرب، فلن يحصل عليها بدستور يهدّد البلاد بالفراغ ويعطي الصلاحية لمن لا يصلح لها. فالديمقراطية ليست دستوراً مكتوباً إنما هي ثقافة وفعل على الأرض.
اما المناطق الآمنة وترامب الذي أراه اليوم، ومن خلال الأيام العشره الماضية، أنه يشبة مدير شركة متسلّط لا يعترف بوجود المساعدين ولا المستشارين ولا مجلس الإدارة، يعتقد أنه على حق دائماً ويعتني الرجل بالعرض التلفزيوني وتهمّه الصورة الاعلانية، فعرضه الاول اثناء التوقيع على مراسيم إبطال البرنامج الصحي ومراسيم أخرى يكشف لنا مدى تعلق الرجل بالأضواء. وبالنهاية لا تهمّنا سياسة البيت الابيض اذا ما تعارضت مع مصالحنا، فهذا ما يقتضيه الواجب الوطني على كلّ حرّ في العالم، والمناطق الآمنة التي يتحدث عنها ترامب لحماية المدنيين، على حدّ زعمه، تتعارض تماماً مع قراره بمنع حَمَلة سبع جنسيات شرق أوسطية ومن ضمنها الجنسية السورية من دخول الولايات المتحدة، ولكن الاقتراح الذي نفاه البنتاغون عاد من جديد بعد اتصال ترامب بالعاهل السعودي، وكأنه يقول إننا وجدنا المموّل للمشروع، وهذا بحث آخر لا يعنينا، ما دمنا قادرين على رفض هذا المقترح الذي يمثل بداية التقسيم فإذا كان هناك مدنيون يريدون الحماية من الإرهاب، فيمكنهم اللجوء الى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، فلا مناطق أكثر أمناً من تلك المناطق. واعتقد تجربة السوريين في مخيمات تركيا والاردن أكبر دليل على ان المناطق الآمنة ليست بمخيمات اللجوء التي جهزت لسرقة الشعب السوري وانتزاعه من أرضه. ولم نسمع طوال فترة الحرب على سورية أن هناك سورياً واحد هرب من ويلات الحرب والإرهاب الى مدينة سورية آمنة وتعرض لأيّ نوع من الإذلال.
وكما كنا نتحدث دائماً وسنبقى نقول: سورية ليست بحاجة لمناطق آمنة تحت حراسة دولية وأجنبية. سورية تحتاج إلى أن تتوقف أميركا عن دعم الدول الداعمة للإرهاب والمموّلة له، الادّعاء الدائم والذي أصبح اسطوانة إعلامية وإعلانية مملّة أن تلك الدول وعلى رأسها الولايات المتحده الأميركية هي دول تحارب الإرهاب، هو سخرية من العقول.
إنّ المطلوب اليوم دخول المعركة السياسية المقبلة بالأسلحة كلها، وأهمّها قرار الشعب السوري الرافض للتقسيم وأيّ إملاءات عليه، المطلوب اليوم كشف الأوراق وفضح المعارضة الخارجية وتفعيل قانون التخابر مع جهات أجنبية معادية للوطن، ومحاكمة من أعلنوا أنهم حلفاء للصهيونية وتغزلوا بها ووعدوها بما لا يملكون. لا بدّ من تفعيل القرار الشعبي والقاضي برفض دخول أيّ من مجرمي الحرب والداعمين لها، فبعد إعلان الدوحة أنها مستعدة لتمويل محكمة جرائم الحرب في سورية فعلى الدوحة أن تقدّم ما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن لهذه المحاكمة قبل حاملي السلاح على الأرض. ومحاكمة الذين ألقوا خطابات تعتبر جبهة النصرة «بنادق شريفة» ومحاكمة من لم يُدِنْ إرهاب داعش ومحاكمة مَن فجّر مدارسنا بالمفخخات ويرقص فرحاً، كلما قتل أبرياء.
ليس رأياً شخصياً هذا، عندما أقول نحن أمة منذ سبعة آلاف عام ونحن أهل هذه الأرض متجذرون في التاريخ كما في الأرض، ومن لا يعجبه هذا فليشرب من البحر، لقد حملنا عن هذا العالم عبء محاربة الإرهاب وقدّمنا آلاف الشهداء لا نرفع علم الانتداب أو علم الصهيونية في دمشق بل ليبقى علمُنا مرتفعاً. فالأمانة تقتضي أن نحفظ العهد لدم شهداء سورية.