استثناء لبنان من قرارات ترامب؟
روزانا رمّال
التغير المنهجي بشكل العملية السياسية وإدارتها في البيت الابيض بدأ يأخذ حيزاً واسعاً من الجدل في الأروقة الدبلوماسية الأوروبية والدولية «القلقة» من مغبة الإخفاق في مسألة التعاون مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب, فالفرنسيون والألمان والكنديون يُجمعون على الحذر الذي يسود التعاطي السياسي مع واشنطن هذه الايام ما يرفع من منسوب التفكير في أمرين: الاول توقع الاشتباك مع الادارة الأميركية عند اكثر من محطة لا يتفق فيها اللاعبون الدوليون مع سياسة ترامب, او الإبقاء على «التبعية» الكاملة للموقف الأميركي خصوصاً، للدول التي تعتمد سياسة واشنطن الخارجية بشكل أساسي والتي انضوت ضمن معادلات أميركية أسست للاتحاد الأوروبي ولحلف الناتو ولتعاون مشترك في إدارة هيئة الأمم المتحدة ومقررات مجلس الأمن برمزية الدول الغربية المشاركة.
قرار منع مواطني سبع دول، بأغلبها ذات أكثرية إسلامية دخول الولايات المتحدة لمدة 3 اشهر، بالتأكيد اظهر حساسية المرحلة الحالية، وكشف عن اعتراض كبير من محلي ودولي اي ان الاعتراض الذي برز بمواقف صريحة من حلفاء أميركا باستثناء «إسرائيل»، كان واضحاً كثيراً حتى أن دولاً عربية وخليجية غير مشمولة بالقرار «عنوة» مثل قطر عبّرت عن انزعاجها من إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام.
يلفت استثناء لبنان عن لائحة القرار الأميركي، مع العلم ان فيه منظمة «حزب الله» المصنفة إرهابية في البيت الابيض، والتي حذا حذوه الاتحاد الأوروبي بالتصنيف، وما أخذ من سجال حول جناح عسكري او سياسي حينها. وهنا يجزم مرجع بارز مقرب من المقاومة لـ«البناء» أن استثناء لبنان ليس سهوة أميركية، خصوصاً أن ترامب وضع أمامه لائحة من الدول ودرس مسألة العزل واستثنى لبنان منها بالتالي فإنها رسالة موجهة مباشرة اليه رسمياً أولاً ولحزب الله ثانياً، فماذا لو لم يستثنَ لبنان من القرار؟ يسأل المرجع. من دون شك يجب التوقف عند ما هو مفترض من رئيس جمهورية بشخصية وخصوصية الرئيس ميشال عون الذي كان ليبادر فوراً بردٍّ مباشر يعلن فيه بالحد الأدنى عن المضي بقرار المعاملة بالمثل. وإذا لم يحصل أي تطور خلال 48 ساعة على سبيل المثال، فإنه سيعلن أنه مضطر كرئيس دولة اتخاذ قرار مناسب فهل تتحمل أميركا «دولة صغيرة» بحجم لبنان أن تتحدّاها؟
ثم ماذا عن «إسرائيل»؟ بالتأكيد لكانت اعتبرت ذلك انتصاراً بحدّ ذاته في هذا التوقيت بعد تقدم حزب الله في سورية، ولكان هذا الامر أثر سلباً لجهة استغلال خصوم المقاومة في الداخل المسألة، حيث كانت ستتوجه التهم نحو حزب الله من جديد واعتباره السبب في عرقلة حياة اللبنانيين المغتربين في الخارج و«قطع أرزاقهم» على غرار الاتهامات التي سيقت بعد اتخاذ دول خليجية إجراءات مشابهة بوجه اللبنانيين.
اذاً، لماذا لم يشمل قرار المنع لبنان بالنسبة لترامب؟
يؤكد المرجع نفسه، وهو المطلع على أجواء حزب الله لـ«البناء» من الواضح أن ترامب «لا يريد إعطاء إسرائيل الكثير حالياً»، خصوصاً أن مسألة المنع هي فرصة لخدمة «إسرائيل» بحد ذاتها، مؤكداً أنه لا يمكن ان يكون قد غاب لبنان عن بال الادارة الأميركيةـ خصوصاً أنها وضعت لائحة دول واختارت. وهذه علامة أن ترامب يترجم في مسألة الحرب على الإرهاب ما قاله السفير جيفري فيلتمان للنائب وليد جنبلاط عندما زاره عام 2015 قائلاً «نحن نصنّف حزب الله إرهابياً، لكننا ننظر بعين التقدير لما قام به بوجه داعش, واشنطن عامل استقرار في لبنان والمحيط وسنتعامل معه على هذا الأساس. نصيحتي أن تقرأ بلسان العقل».
ويختم المرجع «سيبقى حزب الله على ثوابته في التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة، لأنه لا يبني على «المفرَق» بالمواقف، بل ينطلق من مسألتين أساسيتين بالنظر لترامب وباقي الإدارات: الاولى «إسرائيل»، حيث لا يزال موقف ترامب شديد التعاطف معها، والثانية قضية الحرب على الإرهاب والخطوات الجدية التي ستخطوها لجانب روسيا عملياً في العهد الأميركي الجديد، كما روّج ترامب قبل انتخابه، حيث لا تزال تحوم حول الخطوة الكثير من الأسئلة. والحزب لم ير أي شيء واقعي حتى الساعة».
وبغض النظر عن موقف الادارة الأميركية من حزب الله يبقى ان استثناء لبنان هو إشارة إيجابية للتعاطي الأميركي مع الرئيس ميشال عون ورسالة داعمة للعهد، باعتبار أنه يمثل مرحلة «وازنة» في لبنان لا يمكن التعاطي معها بـ«استضعاف» اي لا يمكن ان تتوقع الادارة الأميركية التي تراقب عن كثب مسار العهد التوافقي والمبدئي بما يخصّ مسائل السيادة والكرامة الوطنية، كما يظهر الرئيس عون «بخفة» من دون الأخذ بعين الاعتبار أن أي خطوة نحو لبنان تحمّل تكاليف سياسية من الآن فصاعداً.
تبدو واشنطن مهتمّة بعامل الاستقرار السياسي في لبنان في هذه المرحلة لسبب «ما»، قد يتعلّق بتغيّر المرحلة ومعطياتها، وربما التوافق الذي أرخى أرضية يمكن التأسيس عليها إقليمياً بين السعوديين أو الإيرانيين، كما دعا وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف. بالتالي ينتظر لبنان مراقبة مسألة الحفاظ على هذا النموذج من «الحل اللبناني» المأمول تطبيقه على اكثر من ملف إقليمي من اللاعبين الدوليين.