«البدء بالصغير» و«التدحرج» مع الحرب… الدرس الحقيقيّ من «الجرف الصامد»
كتب آلِكس فيشمان في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبريّة:
الحرب هي عمل جدّي، ولكن في «كابينت» ـ هكذا يتبيّن من التسريبات ـ لم يجلس أثناء «الجرف الصامد» ما يكفي من الأشخاص الذين يأخذون هذا العمل بجدّية. جلست هناك عصبة من السياسيين، لم يجتهد بعضهم كي يعدّ فروضه البيتية، ولكنّهم يدّعون أنّ الآخرين أخفوا عنهم الحقيقة، وانشغل بعضهم في بحث صبيانيّ عن العناوية الرئيس كي يلذع «ربّ البيت» الذي لم يراهم من متر. هو أيضاً، رئيس الوزراء، لم يعتقد أنه يتعامل مع «كابينت» استراتيجي وطني يمكنه أن يبلور سياسة لإدارة الحرب. كلّ هذا سيرويه لنا مراقب الدولة ـ وخير أن هكذا. نقرأ، نلوي اللسان، والسياسيون سيواصلون عدم النظر إلى ما أبعد من أطراف أنوفهم.
مشكوك في أن يكون «كابينت» الحالي أيضاً قد أجرى نقاشاً عميقاً، لمشاركة أفضل العقول الأمنية في مسألة: كيف وصلنا إلى وضع تدير فيه «إسرائيل» معارك عسكرية طويلة وباهظة الثمن بهذا القدر وتصل إلى نتائج متوسطة بهذا القدر، سواء في الجانب العسكري أم في الجانب السياسي؟ لماذا يكون لازماً في نهاية كل معركة إعلامية يفترض أن تقنع الجمهور بأننا مع ذلك نجحنا؟ العدو لا يرفع عَلَماً أبيض، وعندها يشرحون أنّ هذه حرب «نقية» وأنّ هذا عدوّ غير تقليدي يعمل من تحت الأرض وغيرها من قصص الجدة.
لا ينبغي لـ«كابينت» أن يراه في كلّ مرّة يجتمع فيها هو جدول كبير على الحائط يقول على هذا النحو: حرب لبنان الثانية استمرت 34 يوماً، قتل فيها 166 جندياً ومدنياً، الكلفة المباشرة وغير المباشرة ـ نفقات عسكرية مباشرة، ضرر للاقتصاد وكلفة أضرار في الأملاك والأرواح ـ أكثر من 20 مليار «شيكل»، من 45 في المئة من ميزانية الدفاع السنوية و2.4 من النمو في الإنتاج السنوي. حملة «الجرف الصامد»: 50 يوماً قتالاً، 73 قتيلاً، الكلفة المباشرة وغير المباشرة للاقتصاد 15 مليار «شيكل»، هي 25 في المئة من ميزانية الدفاع و1.3 في المئة من الناتج السنوي.
هذه الأرقام معناها خلل مستمرّ، قصور ننجرّ إليه من حملة إلى حملة. قد يكون الاقتصاد والجبهة الداخلية «الإسرائيلية» متينين بما فيه الكفاية كي يصمدا أمام هذه المعطيات، ولكن السؤال هو: إذا كان هذا ضرورياً وإذا لم يكن هناك سبيل آخر؟
حسن نصر الله، الذي هو العدوّ «النقيّ» نصف عسكري ـ نصف إرهابي المركزي للجيش «الإسرائيلي»، قال في الماضي إن الانتصار على «إسرائيل» لن يكون بالاحتلال بل من خلال التآكل الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي والمعنوي. وإذا لم تجد المنظومة السياسية ـ الأمنية صيغة لكسر دائرة الاستنزاف هذه، والتي يجرّنا إليها العدو، فإنّ المواجهة العسكرية التالية ستكون أكثر بكثير ثمناً وألماً، لا سيما في الجبهة الداخلية. إذ لم يعد الحديث يدور فقط عن صواريخ غير دقيقة للمدى القصير والمتوسط بل عن كتلة من الصواريخ بعيدة المدى، بعضها جدّ دقيقة. إضافة إلى ذلك، لدى حزب الله و«حماس» اليوم قدرة على تنفيذ أعمال برّية مشوّشة في الجبهة الداخلية «الإسرائيلية».
خلف الكواليس، سواء في الجيش أم في القيادة السياسية، يفهمون أنّ جولات المواجهة العسكرية هذه لا يمكنها أن تستمرّ على مدى الزمن. وعندئذٍ القيادة السياسية تتذمّر من تحت «الشنب» من الجنرالات الذين لا يفكرون خارج العلبة، والقيادة العسكرية تدّعي أنّ السياسيين ليسوا على ما يكفي من الشجاعة ولا يسمحون للجيش بأن يستخدم كامل قوّته. الواضح أنّ دولة تعتبر نفسها، وعن حق، كقوّة عظمى عسكرية، لا يمكنها أن تسمح لنفسها بأن تنجرّ وتتآكل في جولات من قبل نحو 40 ألف مقاتل من حزب الله ونحو 30 ألف مقاتل من «حماس» ـ مهما كانوا «أنقياء».
وعليه، لا يمكن للجيش أن يعرض مزيداً من الخطط لجولات حربية لعدّة أسابيع. فشدّة النار التي تعرف «إسرائيل» وينبغي لها أن تنتجها، يفترض أن تنهي كل مواجهة في غضون أيام معدودة. أغلى بكثير، من كلّ النواحي، التلبّث أمام الانفاق لشهر كامل من ممارسة كامل القوة ضدّ الاهداف الاكثر حرجاً في اليوم الاول. كلّه إلا «البدء بالصغير»، و«التدحرج» مع الحرب. هذا هو الدرس الحقيقي من «الجرف الصامد»، لا ما قاله بينيت لـ«بيبي»، و«بيبي» لـ«بوغي» وهلم جرّا.