نتائج أستانة: حيرة غربية

حميدي العبدالله

ما أسفر عنه لقاء أستانة، ولا سيما لجهة البيان الختامي الذي توصلت إليه كلّ من روسيا وإيران وتركيا، انعكس على الغرب وعلى بعض دول المنطقة التي ساهمت بقوة في الحرب على سورية، حيرة وارتباك. في الغرب عبّرت مراكز الأبحاث، وتعليقات الصحف الغربية، وحتى تصريحات المسؤولين عن هذه الحيرة. بل أكثر من ذلك ثمة قلق لدى بعض الحكومات الغربية من نجاح كلّ من روسيا وإيران بجذب تركيا نحو محورهما، وبالتالي فقدان الدول الغربية وبعض حكومات المنطقة لأهمّ قوة مؤثرة في الحرب على سورية.

لا يبدو أنّ قلق الغرب من دون مبرّر. فالغرب ذاته اليوم مربك إزاء سورية. ترامب قطع وعوداً أثناء الحملة الانتخابية تفيد بإعادة النظر بالسياسة الأميركية التي اعتمدتها إدارة أوباما، لا سيما لجهة الاستثمار في الإرهاب، كما أوضح وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري قبل أيام قليلة من نهاية ولاية إدارة أوباما، وضعف محاربة داعش وتنظيم القاعدة. كان مجلس العموم البريطاني أول من عارض السياسة الغربية في سورية عام 2013 عندما صوّت ضدّ أيّ تورّط بريطاني في الحرب على سورية، واليوم يتسابق المرشحون للانتخابات الرئاسية في فرنسا، سواء في معسكر اليمين أو في معسكر اليسار في توجيه الانتقاد للسياسة الفرنسية في سورية التي راهنت كثيراً على إسقاط الدولة السورية وتنحّي الرئيس الأسد عن سدة السلطة.

الدول الغربية الثلاث التي كان لها الدور الأكبر في قيادة التحالف الدولي والإقليمي الذي خاض الحرب على سورية مربكة الآن، وبديهي أنّ هذا الإرباك سوف ينعكس على الدول الحليفة للغرب في الحرب على سورية، كما أنّ القلق من الجهد الروسي الإيراني لاجتذاب أو تحييد تركيا هو قلق له ما يبرّره. أولاً تركيا لديها مصالح ورؤية قد تختلف عن حلفائها، لديها مصالح اقتصادية ضخمة مع روسيا وإيران، وهي ليست بوضع يدفعها للتخلي بسهولة عن هذه المصالح، كما أنّ الفوضى العسكرية على الحدود السورية التركية التي تصل إلى حدود 850 كم يقلق تركيا، وهذا هو الذي دفعها لإقامة جدار عازل على الحدود، كما أنّ سيطرة أكراد سوريين موالين لحزب العمال الكردستاني في تركيا على المقطع الأطول من الحدود السورية التركية لا يسرّ المسؤولين الأتراك الذين يرون فيها تهديداً جدياً لأمنهم القومي، بل إنّ وحدة تركيا مهدّدة جراء مطالبة الأكراد بحقوقهم في المحافظات الجنوبية والشرقية، كلّ ذلك قد يدفع تركيا فعلاً لأن تكون في وضع لا تتماهى فيه مصالحها مع مصالح الغرب وبعض الحكومات الخليجية، وبالتالي تحييدها أو جذبها إلى المحور الروسي – الإيراني، وهذا من شأنه أن يعمّق مأزق الغرب في سورية ويزيد من إرباك السياسات الغربية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى