أحدّثك عن الحبّ… فحدّثْني عنه
فؤاد العكلة
أسير مع من عشقت حبّه، كهدير الحبّ بأعماق أوعية الحبّ المندثرة. أطير فرحاً حين أشعر بمسقط نظري سائحاً بعينيه اللتين يفيض منهما السواد كبئر من الماء المشتعل الأسود، كطائر رُبِط جناحيه المثرثرين. رُمي من أعالي ضفافِ نهر نجومٍ في سماء تصعد إليها أرواح أناس، لأرواحهم البقاء والسلام.
وإن طالت مدة سياحةِ مسقط نظري بعينيه اللتين يميل لونهما إلى لونِ طفلِ دبّ بديع الملمسِ ماتت أمّه بسيف صيّاد أعور اقتلعت عينه دبّة بيضاء اللون دفاعاً عن صغيرها، سيعيش قلبي في جنان من البريتان.
إن لمستُ شعره الذي يشابه خريطة تجاعيد امرأة طاعنة في السنّ، قتلها الحبّ يوماً، ولم أتعلم منها عدّ مساوئ نجوم سواد الليل سيطرق باب أفكاري الإحساس قائلاً: أبعدي يدكِ عن شعره، يكاد مخزون أحاسيسك أن ينتهي، فتصبحين كشجرة معمّرة في فصل الخريف. كبيرة ضخمة إنّما من دون أوراق، فما فائدتك من دون الأوكسجين؟ حينذاك تُقطّعين إرباً وتصبحين حطباً في البيوت الفاخرة، أي في بيت زوجك، خادمة تُحرق دهون جسمها لا غير فأُبعد يدي خوفاً من أن أصبح عديمة الإحساس، لأنّي بعدئذ لن أشعر بحبّ كحبّ الأمّ لابنها، لن أشعر بغيرة تضاعف غيرة البعير على زوجته الناقة بعشر، لن أشعر بحنين كحنان الشمس المضيئة للقمر، الذي لا يبدو لنا إلا كتشبيه لمن نحبّ. لن أشعر عند بعدي عنك بحزن مغتربٍ قتله الحنين لوطنه، ولم يقبّل ترابه منذ عشر سنين، أي لن أشعر بشيء تجاهك. طبعاً، خوفي الذي يضاهي مخافتي من الموت.
في أحد الأيام، أيقظتني أمّي من نومي تخبرني أنّ اليوم هو يوم فرحي بالمنزل الذي سيكون في هذه الليلة منزل حبّي، بعد زواجي ممّن أحبّ. عندئذٍ خُيِّلَ إليّ أنّ المنزل تحوّل إلى كوخٍ أعمدته الغزلان وسقفه الورود الملوّنة، وكلّ حائطٍ فيه مُحاكٌ من شبكة عناكب عقدها عنكبوتان ملوّنان يعشقان بعضهما كما نعشق بعضنا أنا وعشيقي.
ارتديت فستاني الثلجيّ الذي صنعته امرأة أحبت ثلاث مراتٍ وتزوجت العشّاق الثلاثة، فتأكدت أنّ زواجي محقّق.
عندما بدأت مراسم الزفاف، لم أرَ إلا أطياف الحبّ تغازلني وتداعب وجنتيّ، لم أسمع إلّا أصوات بلابل تُعرف بِاسم العاشق والمعشوق.
مرّت لحظات الاحتفال كثانية تركض مئة جزءٍ من بعضها، ارتدينا الخواتم الذهبية اللمّاعة التي إن رآها قطيع من الغربان تُستأنف معركة طاحنة بين صفوفه للحصول على الخواتم. وعندما أتت اللحظة التي تتلامس به شفتاي الورديتان وشفتاه اللتين صارتا داكنتَي اللون من كثرة إحراقه السجائر، أيقظتني أمّي من النوم. حينذاك أدركُ أنّ مجرّد حلم سيُحوّل يومي إلى أفظع كابوس.
والآن… الآن أعلم فقط أنّني لا أحبّ من تحدّثت عنه، بل غارقةٌ في بحرٍ، جزيئات قطراتِ مائه تتكوّن من كلمتين: أعشقك وأعشقُ عشقي لك.
صديقي، حدّثتك قليلاً عن الرجل الذي عشقت روحي تفاصيل روحه. أرجوك تحدّث لي عن عشيقتك التي لم تُعرّفني بها بعد!