الشرق الأوسط القديم… الجديد
بلال شرارة
أُشبع موضوع القرارات المتعلقة بالهجرة التي أصدرها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب والموجّهة الى مواطني ست دول عربية، بالإضافة إلى إيران، مواقف وتعليقات. وهو كذلك مادة تجاذب قانوني في الولايات الأميركية نفسها. ما سأتطرق اليه هو ما لم يتغيّر في واقع السياسات الأميركية في الشرق الأوسط وأساساً السياسة الأميركية تجاه قضية الشرق الأوسط، بما يحقق أولاً حلّ الدولتين – مسألة الاستيطان الإسرائيلي التي باتت تتناقض أساساً مع الشرعية الدولية، خصوصاً قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، ففي القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأميركية والمتعلقة بأمن بلاده والاقتصاد، لا يبدو أنه لا يختلف عن الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان بأنه يريد أن تكون أميركا مدينة مضاءة على تل.
فقط يختلف معه بأنه لا يريد للعالم أن يرى الجنة الأميركية بأمّ العين حتى من شقوق الجدار الذي ستقيمه بلاده مع المكسيك وردود الفعل تتكامل مع المواقف من قراراته إزاء كندا بالترافق مع القرارات المتعلقة بتنظيم علاقة بلاده بأوروبا، بخاصة المانيا. وهو رغم أنه لم يرفع العقوبات ضدّ روسية الا انّ همساً يدور في الأروقة الدبلوماسية حول تحالف مقبل يعيد إنتاج الجغرافية السياسية على غير مساحة ويسيطر على 57 من اقتصاد العالم، يبقى أنّ الرئيس ترامب سيكون له كلام آخر مع الصين.
ما نتابعه هو هل من متغيّرات سياسية في ممارسات عمل وعمليات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ هل من تغيير في سياسة الولايات المتحدة إزاء الملف النووي الإيراني؟
بالنسبة إلى الملف النووي وباستثناء ما صدر خلال حملة ترامب الانتخابية، فإنه لا كلام جديد سوى ما تضمّنه الاتصال الهاتفي الذي أجراه ترامب مع العاهل السعودي، والذي وجّه ضمنه كلام إلى إيران والسعودية عبر كلامه عن: الإجراءات الصارمة لتطبيق الاتفاق النووي ومنع التدخل لزعزعة استقرار الدول، ومن جهة ثانية الكلام الموجه للملك ليس بشأن الحرب العسكرية على الإرهاب، وإنما بخصوص تجفيف مصادره.
وبما يخصّ السياسة الأميركية الخاصة الجديدة المتصلة بالشرق الأوسط، فإنّ ما أبرزه الرئيس ترامب خلال الاتصال الهاتفي نفسه وخلال تصريحات سابقة هو الإشارة الى إقامة مناطق عازلة في سورية واليمن.
طبعاً، يسجل أمران هامان لا يميّزان سياسياً ترامب عن أوباما بقدر ما يشيران إلى التشدّد في تنفيذ الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط ولا تزال هي هي، فمن جملة ما يصبّ في السياسة نفسها إنشاء قاعدة عسكرية أميركية جديدة في سورية ليصبح عدد القواعد في سورية ستاً وتوقيع الرئيس ترامب لأمر عمليات بشأن عملية الإبرار الجوية في محافظة البيضاء اليمنية والمعلومات حول رفع عديد القوات الأميركية الى 15000 في العراق ليحدّد اكتمال وصولهم استمرار العمليات لاستكمال تحرير الموصل.
حتى الآن لم تتنازل الإدارة الأميركية عن استراتيجية الفوضى البناءة التي لا تزال تعصف ببلداننا وشعوبنا. طبعاً ترسيم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لن يكتمل قبل الزيارة المرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبناء قناعة حول اعتبار الإخوان المسلمين تنظيماً مارقاً ومهدّداً للسلام والأمن الإقليميين والدوليين. وهذا الأمر يعبّر عن قناعة مصرية قبل أن تتبناه إدارة الرئيس ترامب.
ويبدو شرق أوسطياً وأفريقياً، فإنّ هناك دوراً مصرياً مرتقباً على خلفية تحييد السودان وإبعاد دورها عن تدريب وتسليح المجموعات الإرهابية التي كانت قد فتحت جبهة جديدة لزعزعة استقرار مصر، فيما ينتظر كذلك دور أميركي في تطبيع العلاقات المصرية التركية مع الإشارة إلى زيارة وفد اقتصادي تركي إلى القاهرة هذا الأسبوع.
طبعاً المواضيع المتصلة بالشرق الأوسط القضية الفلسطينية والسلام السوري سيكون فيهما رأي للعاهل الأردني الذي زار واشطن هذا الأسبوع.
إذاً، لا جديد قبل إجلاء الغموض الذي يكتنف أسلوب عمل والعمليات في الشرق الأوسط، فيما المنطقة تمضي نحو مزيد من التأزّم. ففي اليمن فشل الهجوم العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية في احتلال المخا ومينائها . وهي منطقة تقع على باب المندب٠ بل إنّ الجيش والحوثيين عبّروا عن انتقالهم الى الهجوم وقصفوا بارجة سعودية قبالة السواحل الغربية وهو الأمر الذي يشير الى انتهاء المهل الأميركية للسعودية لإحداث تغيير على مساحة العمليات . وفي سورية وبعد النجاحات التي تحققت في حلب استطاعت قوات النظام تحرير وادي بردى ما مساحته نحو 400 كلم . وهي تواصل عمليات القضم على وقع الغارات الروسية في دير الزور. وفي هذا تشير المعلومات الى انّ الجيش السوري مصمّم على تحرير كتل جغرافية عدة في الغوطة الشرقية وأكبر كتلة يحتلّها المسلحون في ريف حمص الرستن ، واستكمل تحرير الكتل التي يتحصّن فيها المسلحون في الزبداني بلدة مضايا وبقين ، فيما تتواصل حرب العصابات الإرهابية الدائرة بين المجموعات المسلحة في سورية والمعبّرة، ربما عن تهميش الدورين السعودي والقطري وعدم دعوتهما للمشاركة في اجتماع أستانة. وفي العراق حرّر الجيش والحشد الشعبي شرق الموصل ويستعدّ لاستكمال تحرير المدينة. وفي المغرب العربي يبدو انّ هناك قناعة أميركية – أوروبية – عربية تتشكل من أجل زيادة دور المشير حفتر وهزيمة الإرهاب قبل سلوك الطريق لحلّ الأزمة الليبية.
في لبنان، لا زال الانتظار سيد الموقف رغم الاجتماعات والاتصالات، إذ يبدو أنّ الإدارة الأميركية تسلك طريق الإدارة السابقة نفسها في مراقبة الاستقرارين النقدي والأمني إلا أنها لا تبدو مهتمّة باستكمال الحلّ اللبناني، وهي تكتفي بوجود رئيس للبلاد وحكومة ولا تهتمّ على أيّ قانون ستُجرى الانتخابات، ما تهتمّ له هو موقع جبهة لبنان في أيّ حرب مع «إسرائيل» سواء على الجبهة السورية لتحديد الثمن «الإسرائيلي» للسلام السوري أو على جبهة غزة أو على جبهة لبنان نفسه.
حتى الآن لم تبرز الإدارة الأميركية اهتمامها بنفط المتوسط وترسيم الحدود فيه.
شرق أوسطياً، النظام السياسي العربي والإقليمي يحبس الأنفاس ويده على الزناد في مختلف الاتجاهات. ترى هل ستمضي واشنطن بعد كلّ هذا الموت في ترسيم شرق أوسطها الجديد؟
وماذا نريد نحن…؟