قالت له

قالت له: إن الجمال والمال يطغيان في علاقات النساء والرجال، وخصوصاً مال الرجل وجمال المرأة. وإنّ قلق النسوة من أن المرأة الجميلة كلّما تقدّمت في السنّ فقدت من جمالها، والرجل الميسور كلّما تقدّم في السنّ زاد ماله. وإنّ ما يكتشفه الناس عن الحبّ في البدايات سرعان ما يبدو تبريراً لجعل توقيت الاختيار وفق معادلة المال والجمال، قد توقف بعد الارتباط بينهما. لأن الاستقرار شرط للشعور بالراحة والاطمئنان.

فقال لها: أنا لا أريد نفي ما تقولين، لكنّني أضيف إليه بعض الماكياج، ليس تجميلاً بل توضيح للمعالم. وأوله أن الاختيار القابل للحياة بين الرجل والمرأة لا يصنعه العقل الواعي، بل هو أفعال العقل اللاواعي بفعل تراكم معايير الخبرة والمقاييس التي صارت تسمّى ذوق الإنسان ومفضّلاته. فتحدث تلك الطفرة العصبية التي نسمّيها نقرة وتر القلب. وهي إشارة نبض تقول: «هذا هو» أو «هذه هي». وفي داخلها بالتأكيد سعي المرأة إلى خيار يولّد استقراراً، ومن شروطه مال وأمان وقدرة وجاه ولو بحدود القدرة على الحماية من غدر الزمان كما يقال. وسعي الرجل إلى الفرح وفيه حياة مع امرأة يزيّن جمالُها بيته وحياته ويجذبه إليها كجسد ونبض حياة ونضارة حضور. وعندما يتحوّل هذا اللاوعي إلى وعي في مقارنات ومعايرات وانتقاء، صار الارتباط صفقة تجارية معرّضة للاهتزاز وسقطت الهالة التي يمنحها نقر وتر القلب الذي يصير حبّاً مع قدر من الرعاية والتمسّك والتعلق. وهي مشاعر تنتج عن اللاوعي مرّة أخرى، ومصدرها في البدايات حنان الرجل، وتمنع المرأة وفي النهايات حنان المرأة وفروسية الرجل.

فقالت: وأين تقع الغيرة ويقع الوفاء هنا؟

فقال لها: العلاقة بين الرجل والمرأة حال حرب بمثل ما هي حال حبّ. حرب داخل كلّ منهما وحرب بينهما. حرب بين مشاعر الخيبة كي لا تصير ضعفاً والقوة كي لا تصير جفاء مرّة وانفعالات، الغضب كي لا يصير نفوراً والتسامح كي لا يصير ذلّاً مرّة، والسعي إلى الحرّية بقوّة خفيّة وأشكال تتغير وتتبدل وبعضها يخدش الحبّ ويصيبه، لكن جوهرها واحد نقيض الأحادية ولو بهوامش صداقات خفيفة الظلّ موازية للحبّ، وينازع الحرّية تأكيد أولوية الحبّ بالمقابل وكلّ هذه الحروب التي تنتهي بالفراق رغم بقاء الحبّ، تعني سوء الإدارة. وإن استنفدت خميرة الحبّ عند أحد الحبيبين، فذلك دليل على سوء تقدير الآخر وسوء الإدارة لهما معاً. أما إن استنفدت الحبّ عندهما معاً فما كان لم يكن حبّاً، ومن يقول عن حبيبين يتركان ويعودان يتحدّث عن مراهقة الحبّ وقشرته الخارجية كحال الجلد الذي تعالج حروقه وجروحه بالمطهّرات. أما الحبّ الناضج فيعالج بذاته حروقه وجروحه من داخله كاللسان. فقالت: كما نحن.

فقال: كما نحن. وضمّها إلى حضنه وقبّل خصلة من شعرها وقعت في باطن كفّه وفاح منها بعضٌ من عطرها وعطره معاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى