دي ميستورا بين لافروف والجبير وغوتيريس

ناصر قنديل

– منذ توليه مهمته كمبعوث أممي في سورية كان ستيفان دي ميستورا وسيط تسويق الصيغة الطائفية لإعادة تنظيم الدولة في سورية، بقوة الحرب التي يشنها الحلف الممتد من واشنطن إلى تنظيم القاعدة وبينهما تركيا وفرنسا والسعودية و«إسرائيل»، لكنه عقد العزم ليكون لسان حال منطقة وسط هي الأشد عداء لسورية، بين تنظيم القاعدة ممثلاً بجبهة النصرة التي كان يحرص على ابتكار صيغ تبييضها، كما يتم تبييض الأموال العائدة من بيع المخدرات، ومن جهة مقابلة الثنائي السعودي «الإسرائيلي» الذي تربطه به علاقات تبدأ من المال وتنتهي بالعمل الاستخباري مع «إسرائيل» منذ كان مبعوثاً في لبنان يرعى العداء للمقاومة. ودي ميستورا هو صاحب نظرية انموذج اللبناني الملهم للحل السياسي في سورية، بدعوة لتسوية تثبت رئاسة الرئيس بشار الأسد، ولكن وفقاً لجعل المنصب الرئاسي لطائفته ونزع صلاحياتها، وجعل رئاسة الحكومة من موقع طائفي تتحكّم به السعودية وبصلاحيات تأخذ سورية لمسار شبيه بمسار لبنان بعد الطائف، ولكن من دون رعاية كالتي وفرتها سورية للبنان.

– كانت موازين القوى الحاكمة للمراحل الأولى من مهمة دي ميستورا تتيح لمشروعه فرص الحياة، ولذلك كانت فرصة ليكشف أوراقه التي لم تعد خافية على كل من تعاطى عن كثب بالملف المسمّى الحل السياسي في سورية، ولأن موسكو منذ ما قبل انخراطها العسكري في سورية تقف على بعض المساعي السياسية وتوظيف منع قرار الحرب في فلسفة السياسة، كانت تشهد مؤامرات دي ميستورا وتشتبك معها، وصولاً لمراحل كان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف المعني بمتابعة الملف السياسي لسورية، يضطر للحديث عن دي ميتسورا بلغة تحميله مسؤوليات الدعم للإرهاب والمماطلة بالقيام بالواجب والانحراف عن المهمة، وتوظيف صفته كمبعوث أممي بصورة غير نزيهة، وكثيراً ما عطّل دي ميستورا مبادرات روسية من نوع توسيع وفد المعارضة أو تخطّي الحديث عن هيئة حكم انتقالي للذهاب إلى سقف سياسي واقعي للحل ينطلق من الدستور السوري ويتضمّن تعديله وإجراء انتخابات على اساسه. ولم ينسَ لافروف مداخلات دي ميستورا في مجلس الأمن التي لم يتورّع خلالها عن اتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب، أما سورية فلا يمكن أن تنسى كل محطات التصادم مع دي ميستورا وسلوكه الخبيث ولا مؤامراته في الجوهر وفي التفاصيل.

– شكّل التزامن بين انتصار الجيش السوري مدعوماً من حلفائه في حلب، مع انتخاب أنطونيو غوتيريس كأمين عام جديد للأمم المتحدة، متغيّراً في وجهة الظروف المحيطة بعمل دي ميستورا، الذي تنتهي مهمته في الربيع ما لم يجدّدها غوتيريس. والمعلومات تقول إن التفاهم الذي سمح لغوتيريس بالفوز بالمنصب تضمّن اتفاقاً مع روسيا بإعفاء دي ميستورا من مهامه، وتسمية بديل عنه يتفق عليه مع موسكو. وفي مطلع العام تبلّغ دي ميستورا من الأمين العام إنهاء مهامه في الربيع، فتعهد بالتنسيق مع روسيا وسحب الفيتو عن مواصلة مهامه، ويبدو أن شيئاً من هذا قد حصل مع المواقف التي عبّر عنها دي ميستورا مؤخراً، وما تتضمّنه من تشكيل وفد جامع للمعارضة بالتراضي أو بالإكراه، ومن سقف سياسي يتضمّن حكومة ودستوراً وانتخابات. وما الحملة التي نظّمتها المعارضة المقيمة في الرياض عليه إلا صدى لصوت وزير الخارجية السعودية عادل الجبير لاستعادة المبعوث الأممي المتبدّل، بينما تدخل الأمين العام للأمم المتحدة لدعمه ليس إلا صدى التفاهم بين غوتيريس ولافروف.

– انتقل مجدداً مع انتصار حلب ومسار أستانة، دور المبعوث الأممي والأمم المتحدة ليكون تحت الاختبار لدرجة ملاءمته للمتغيرات، ينجح دي ميستورا أو يفشل!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى