جنيف 4 على المحك مع قرار الرياض استبعاد القاهرة… والحلول بعد الباب؟ عون يلوّح بالاستفتاء لمواجهة الاستعصاء… وبري: لا فراغ ولا تمديد ولا ستين

كتب المحرّر السياسي

بينما عادت باريس إلى الأضواء بضغط المخاوف من العمليات الإرهابية مع حادثة متحف اللوفر، بقيت تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تضرب خبط عشواء بالتصعيد مع إيران، بلغة لا تزال في دائرة العقوبات، التي ردت عليها إيران بمثلها، وبتذكير ترامب بأن عليه أن يعرف قوة إيران قبل أن يتمادى، ووصلت شظايا مواقف ترامب إلى موسكو بإعلان مندوبته في مجلس الأمن ربط رفع العقوبات عن روسيا بانسحابها من شبه جزيرة القرم التي يصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببوصلة الأمن القومي الروسي.

الضبابية في المشهد الدولي وبالونات الاختبار من جهة، وازدواجية مساعي الإدارة الأميركية للخروج من الحروب والتصعيد، وفقاً لوعود ما قبل الانتخابات، ومقابلها لإرضاء جمهور اعتاد ثقافة التعالي بمظهر الرئيس القوي، يجعلان الشهور المقبلة مشحونة بالتوترات حتى تتوضح الصورة مع اللقاء الأول بين الرئيسين الأميركي والروسي وتبلور صورة العلاقة بين موسكو وواشنطن، علاقة تجاذب، كما كانت في عهد الرئيس جورج بوش أم علاقة تعاون كما وعد ترامب، أم جمع ملتبس بينهما كما كانت في عهد الرئيس باراك أوباما؟

المشهد السوري الذي بقي ساحة صناعة التوازنات الحاسمة في الأحجام والأدوار الإقليمية على مفترق سياسي وعسكري، فسياسياً تعقُّد صورة مؤتمر جنيف الرابع الذي دعت الأمم المتحدة لعقده، وتسعى لجعله جامعاً أطياف المعارضة التي فقدت أذرعها العسكرية الموزّعة بين ما وضعته تركيا تحت إبطها رسمياً باسم درع الفرات، وما تتبنّاه أميركا في ظلال حمايتها من خلال قوات سورية الديمقراطية، وبين ما تلتهمه جبهة النصرة في الميدان، ويبدو مؤتمر الرياض مرتبكاً وعاجزاً عن تلبية مقتضيات التأقلم مع الوضع الجديد، خصوصاً مع قرار سعودي باستبعاد القاهرة عن المشاركة في الحل السياسي والمساهمة الأمنية في ترتيبات وقف النار، برفض مشترك قرره في اجتماع انقرة قادة الفصائل المسلحة وأركان مؤتمر الرياض لما ورد في البيان المصري عن استعداد للمساهمة في مسار أستانة وإنجاحه.

عسكرياً، تبدو مدينة الباب وقد احتلت المكانة التي مثلتها حلب في مرحلة ما قبل أستانة، حيث تجهد تركيا لتحقيق إنجاز عسكري في بلوغ وسط المدينة قبل الجيش السوري الذي يسجّل تقدماً سريعاً في أسابيع عجزت تركيا والميليشيات العاملة تحت عباءتها عن تحقيق مثله خلال شهور، وتقول مصادر عسكرية متابعة لوضع مدينة الباب أن مستقبل جنيف الرابع أو الخامس سيتقرّر على ضوء نتائج معارك الباب ومَن الذي سيبسط سيطرته عليها، فالرهان التركي على إمساكها يمنح أنقرة فرصة التحكم بمستقبل الوضع الكردي لوقوع الباب بين عين العرب وعفرين معقلي الأكراد الكبيرين، ولا يزال الملف الكردي يشكل هماً أولَ لتركيا، بينما دخول الجيش السوري إلى الباب يعني نهاية ما يسمّيه الأتراك بدرع الفرات من ميليشيات تابعة لهم باسم المعارضة، لتكون القوى المسلحة في الجغرافيا السورية قد حصرت بالجيش السوري وداعش والنصرة.

لبنانياً، لا يزال قانون الانتخاب الجديد بين اللاءات التي رفعها رئيس مجلس النواب كما نقل زواره وردّدت محطة أن بي أن، «لا للتمديد ولا للفراغ ولا للستين»، من جهة، واطمئنان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من جهة أخرى، وفقاً لما نقلته محطة أو تي في، لوعود رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة سعد الحريري بإرادة التعاون وإنجاز قانون جديد للانتخابات، بينما كان الرئيس عون يلوّح باللجوء للاستفتاء الشعبي لحسم مصير الخيارات الشعبية بين قانون جديد على أساس النسبية أو قانون الستين أو أي صيغة أخرى، بما فيها التمديد للمجلس النيابي الحالي.

يبدو لبنان والمنطقة والعالم على موعد مع التوترات حتى شهر أيار المقبل.

الاستفتاء أحد خيارات بعبدا

لا جديد على صعيد قانون الانتخاب بانتظار اجتماع اللجنة الرباعية مطلع الأسبوع المقبل، والتي ستتابع من نقطة الصفر، بحث صيغ القوانين المطروحة وسيأتي أركانها بمعايير وقواعد تقسيم وتوزيع جديدة لنقاشها بعد اجتماعات ثنائية تُعقد بعيداً عن الأضواء.

وبعد إعلان رئيس الجمهورية بأنه سيختار الفراغ النيابي على إجراء الانتخابات المقبلة على قانون الستين، استشعر العماد ميشال عون طغيان المصالح السياسية والانتخابية على المصلحة الشعبية في طروحات اللجنة الرباعية، ولوّح أمس باللجوء الى الاستفتاء الشعبي في حال سدت الأبواب أمام إنجاز قانون جديد. واعتبر عون خلال استقباله نقيب المحررين الياس عون على رأس وفد من النقابة أنه «ما لم يتم التوصل الى قانون انتخابي يمثل كل شرائح الشعب اللبناني، فلن تقوم عدالة ولن يكون هناك استقرار سياسي في البلد»، ودعا إلى «اعتماد المعيار الواحد في أي قانون يُقرّ»، لافتاً الى أنه قد «يطرح الاستفتاء في حال أقفل الأفق أمام إنجاز قانون جديد».

ورد الرئيس عون على رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط من دون أن يسمّيه بالقول: «ثمة من قال حدودكم هنا ولا يمكن أن تتخطوها، ولحمي لا يؤكل. أنا أسأل «مين عم يأكل لحم الآخر؟ عم تاخد حقك وبزيادة». وأكد أن «لا خلاف مع الرئيس سعد الحريري، واصفاً علاقتهما بالممتازة»، ومشيراً الى أنه «سيطالب ببحث ضمان الشيخوخة وإقراره».

وقال مصدر مطلع في التيار الوطني الحر لـ»البناء» إنّ «رئيس الجمهورية لن يقبل بقانون الستين لأن أي انتخابات هي لأربع سنوات وعادة في العامين الأخيرين من عهد رئيس الجمهورية يبدأ التضييق عليه، وبالتالي إذا لم يُقرّ قانون انتخاب في بداية العهد، فمن الصعب أن يقرّ في نهايته».

وأضاف المصدر أن عون لم يقل يوماً كلمة وتراجع عنها، ولو اتفقت القوى السياسية على إجراء انتخابات على الستين، فإن رئيس الجمهورية لن يوقع على هيئة الإشراف على الانتخابات، ولا انتخابات من دون الهيئة التي تكون من ضمن قانون الانتخاب وتوقيعه يعني إجراء الانتخابات على القانون النافذ، إلا إذا كانت مرفقة بقانون انتخابي جديد، وبالتالي الهيئة تشكل على أساس القانون الذي يُقرّ».

وأوضح أن «المرسوم العادي يوقع عليه الوزير المختص ورئيسا الجمهورية والحكومة ولا يستطيع أحد أن يواجه رئيس الجمهورية في بداية عهده بتفسيرات دستورية مختلفة، ونحن كتيار وطني حر لم يعُد لدينا ما نطرحه وقدّمنا الكثير من الأفكار منذ اللقاء الارثوذكسي الى اليوم وقوبلت جميعها بحملات الرفض».

ورأت مصادر نيابية لـ»البناء» أنه «لو لم يتخذ الرئيس عون مواقف حاسمة حيال قانون الانتخاب، لكنا ذاهبين باتجاه إجراء الانتخابات على قانون الستين، لكن عون ألزم نفسه بالموقف الذي أدلى به والتراجع هو انتكاسة لعهده»، ولفتت الى أن «الحكومة لا تسقط في حال الفراغ النيابي بل تتسلّم مهام المجلس النيابي وتصرف الأعمال وتصبح لديها صلاحيات استثنائية».

وتفاعل طرح رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الانتخابي في الرباعية في الساحة المسيحية، وردّ وزير الأشغال العامة يوسف فنيانوس على باسيل من دون أن يسمّيه قائلاً: «إن القيادات الوطنية لا تتعامل مع الناس على أنهم أرقام ولا تفصل قوانين انتخابية على قياسات وحسابات رقمية. إن القيادات الوطنية تضحّي بنفسها من أجل ناسها ولا تضحّي بناسها من أجل قادتها».

وبعد أن بات الاستفتاء الشعبي أحد الخيارات في بعبدا، سيطرح على بساط البحث في اللقاء الرباعي من خارج جدول الأعمال، كما سيفرض نفسه خلال اجتماعات الكتل النيابية، فقد علمت «البناء» أن الأمر سيكون موضع نقاش جدي في كتلة المستقبل خلال اجتماعها المقبل كما ستعلن كتلة التنمية والتحرير موقفها حياله في أول اجتماع لها.

قانون مقنّع بـ«الستين»

وقالت مصادر في كتلة التنمية والتحرير إن «الكتلة ستدرس مسألة الاستفتاء حول قانون الانتخاب من كل جوانبه، لكن الاستفتاء يحصل على القضايا الخلافية الكبرى والمعقّدة، وعندما نصل بموضوع قانون الانتخاب إلى مرحلة معقّدة، فربما يصبح الاستفتاء أحد المخارج»، ولفتت لـ»البناء» إلى أن «مشروع ميقاتي بعد فشل الصيغ المختلطة ربما يكون حلاً، لأنه لا بد من التغيير وتمثيل القوى السياسية كافة والشعبية»، جازمة بأن رئيس المجلس نبيه بري لن يقبل بانتخابات على الستين الذي أصبحت عظامه مكاحل». موضحة أن أي «إخلال بوعود الرئيس عون بالقانون، سيكون صدمة ونكسة للعهد ولإعادة بناء المؤسسات واستكمال حالة التوافق التي ولدت مع سد الفراغ في الرئاسة الأولى وتشكيل حكومة جديدة».

وأشارت الى أن «قانون المختلط المعروض في اللجنة الرباعية مقنع بـ«الستين» يهدف إلى الغاء بعض القوى السياسية»، وشددت على أن «بري لا يخشى الفراغ ولا يريده ولن يحصل ويعتبر أن حديث عون عنه هو الحث على التوافق على قانون جديد واعتماد المعايير الموحّدة وليست المزدوجة، وأن لا يفصَّل على مقاس أحد ويتناسب مع مصلحة اللبنانيين». ولفتت الى أن بري صاحب مبادرات وطنية متجددة وتراعي الميثاقية وربما هناك أفكار جديدة لديه للخروج من المأزق.

وعن هواجس النائب جنبلاط، قالت المصادر: «ليست قضية مراعاة أو جوائز ترضية، بقدر ما هي مسألة توافق وطني، لذلك بري مصرّ على أن لا يكون أي قانون موجهاً ضد طرف معين، بل يراعي هواجس الجميع، إن كان جنبلاط أو غيره من القوى السياسية».

«المستقبل»: لن نصل إلى الفراغ

وقالت أوساط نيابية في المستقبل إن اقتراح الاستفتاء الذي طرحته بعبدا أمر قابل للبحث وسيناقش في اجتماع الكتلة، لكن يجب أن نعرف تفاصيله، وهل سيكون على الساحة المسيحية فقط أم على المستوى الوطني وما هي آلياته التنفيذية والقانونية؟ ومن هي الجهة الراجحة للإشراف على الاستفتاء وإصدار نتائجه؟ موضحة أن «الدستور لم ينص على الاستفتاء لكنه لم يمنعه في الوقت نفسه، وكل شيء جائز إذا لم يمنعه الدستور وإذا توافقت القوى عليه، لكنها تساءلت مَن سيدعو إلى الاستفتاء؟ رئيس البلاد أم الحكومة مجتمعة أم المجلس النيابي؟

وأشارت الأوساط الى أن «قانون الانتخاب المختلط يؤمن مصلحة الأحزاب السياسية وليس مصلحة الشعب، لكن لا يعني ذلك أن الستين يؤمن المصلحة الشعبية، بل يجب التوصل الى قانون يؤمن صحة التمثيل للشرائح الشعبية كافة وليس فقط الحزبية»، ولفتت الى أن «اللجنة تدرس كل الصيغ المقترحة سابقاً للانطلاق من مكان ما لصياغة قانون جديد، لكن الأمور غير واضحة حتى الآن والاتفاق ليس محدوداً بمهلة زمنية معنية وربما يتم التوافق في أيار المقبل»، وأوضحت أن لا شيء في الدستور اسمه الفراغ في السلطة التشريعية وتهديد رئيس الجمهورية به هو من باب الضغط على القوى السياسية لإقرار القانون، وجزمت المصادر بأننا لن نصل إلى الفراغ لسببين الأول هو أن الفراغ يقرّره المجلس النيابي الذي هو سيد نفسه ولن يفعل ذلك، الثاني هو حتى لو دخلنا في الفراغ لفترة معينة فسنعود إلى انتخابات على أساس الستين لعدم وجود مجلس نيابي ذي صلاحية لإقرار القانون الجديد بعد انتهاء ولايته، وبالتالي الفراغ يردّنا الى الستين».

ولفتت إلى أن «المستقبل لا يوافق على قانون الرئيس نجيب ميقاتي، لأنه يعتمد النسبية الكاملة التي يتعارض تطبيقها في ظل السلاح ولا تؤمن المساواة والعدالة للمناطق كلها»، ورأت الأوساط في القوانين المختلطة التي طرحت بأنها مفصلة على قياسات البعض ولا تراعي المعايير الموحّدة إلا في معيار واحد، وهو اعتماد ثلثي الناخبين على النسبية في الدوائر كافة، لكن لا يكفي معيار واحد لإقراره». وكشفت الأوساط أن «كل الأطراف تسعى إلى تمرير القانون الذي يتناسب مع مصلحتها، وليس فقط ثنائي التيار الوطني الحر والقوات، أما الحل فهو إقرار قانون يسمح لكل الشعب من غير الحزبيين أن يتمثل».

حمدان: قانون مزوّر

وفي غضون ذلك، حذّر أمين الهيئة القيادية في حركة الناصريين المستقلين المرابطون العميد مصطفى حمدان من مخطط لإقناع رئيس الجمهورية بقانون انتخاب بصيغة مختلطة مزوّرة وإثارة خلاف في المجلس النيابي حوله، الأمر الذي يؤدي الى تمديد تقني مقنّع للمجلس الحالي، وبالتالي الإطاحة بالانتخابات حتى إقرار القانون في المجلس الذي ربما يطول لأشهر أو سنة، وأبدى حمدان استغرابه في حوار لـ»البناء» نشر اليوم حيال محاولات البعض تفصيل قوانين هجينة لا تمتّ الى عدالة التمثيل والدستور بصلة، هدفها تحقيق المصالح السياسية للطبقة الحاكمة وتأجيل الانتخابات، وتساءل: لماذا يتم ربط إقليم الخروب بمنطقة الشوف في قانون النسبية الكاملة؟ مؤكداً أن أهالي الأقليم لن يرضوا بأن تضمّ منطقتهم الى ساحل الشوف، ودعا حمدان حركة أمل وحزب الله الى إعلان موقف واضح برفض أي قانون إلا على النسبية الكاملة التامة وعدم الدخول في تسوية في هذا الأمر، ولا مراضاة هواجس أي طرف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى