لتصويب منطق الضحية «لسنا حبتين» أو أكثر..

هاني الحلبي

كان لافتاً أن يصرّح الوزير والنائب مروان حمادة باسم وفد اللقاء الديمقراطي خلال جولته الماراتونية على القوى السياسية، هذا الأسبوع، إثر لقائه مرجعية حكومية، بـ«أننا لسنا حبتين»!

كان هذا التصريح إشارة مباشرة ومؤثرة إلى اعتمال الشعور بالحيف السياسي او الانتخابي، لدى مكوّن سياسي كبير، يصف نفسه أنه ممثل لطائفة كبرى مؤسِّسة للبنان.

وملاحَظ انتشار منطق الضحية بين الطوائف، كلٌّ يرى حقوقه مهضومة ومستلبة من آخر، أو من آخرين كواسر عليه، لا يتركون لهم «من الجمل أذنه»، حتى بات اللبناني بين الحيف الحقيقي والواقعي وبين ادّعاء الحيف، ضائعاً بين أدوار ممثلين كثر على مسرح سياسته!

لكن المدلول النفسي لفكرة الحبّة، ينقل التحليل إلى حقل الأوهام النفسية، وحينها يستحكم الوهم ويتعقّد التواصل ويستحيل العلاج، إذا كان كلّ فريق سيرى نفسه حبة، او حبتين، او ثلاث، أو الحَبّ كله، حتماً فإنه سيرى إلى الطيور كافة أنهم أعداء بالفطرة، وستكون أزمة التواصل بين الأعداء أعقد بكثير من التواصل بين متحاورين حول قانون انتخاب.

مع العلم، أنه في بحث وطني مسؤول وجادّ يمكن تبيّن حجم الورم الانتخابي والسياسي لبعض القوى على جانبي المحورين الكبيرين، جراء قطف ثمار دانية لمرحلة سياسية ما، وبذريعة التوهّم من أكل الحبة فتغدو الحبة المتلاعبة على جينات الأصناف والأنواع ديكاً مفترساً يحاول فرض سيطرته في مساحة المزرعة المسوّرة بأسيجة الطوائف الانتخابية الشائكة والمكهربة بالخوف من الآخر والتخوّف من الذوبان فيه وتشوش الهوية الذاتية للجماعة النازلة من السماء بقفة من ذهب!

هذه المزارع التي يغامر فيها ديوكُها ببصمتهم المؤسسة في التاريخ، عندما يتشبّثون بما هو زائل بمنطق التغيّر الاجتماعي، فمهما كثرت البدع والحيل ومهما تحجّرت المتحجرات، فهم وهي، في ناموس التغيّر السرمدي، لن يكونوا عصاة على تسونامي التغيير الطبيعي والاجتماعي الحتمي!

أيُّ خطر على الدروز، على سبيل المثال، كما أنّ أيّ خطر على المسيحيين، على سبيل المثال، وكذلك على غيرهم من الطوائف، التي لم تقدّم نماذجها الرسمية حتى وقت قريب، سوى بأبشع النماذج التي يمكن أن توصف بأنها الأفسد في التاريخ البشري في هذا المشرق، وربما في العالم كله: كيف تًنسب دولة لفرد، كيف تُسمّى بأسماء مسؤولين طائفيين وفاسدين مؤسسات تبنى من أموال المكلّفين المقهورين بالتعسّف السياسي الطائفي والتحاصص الحزبي الفئوي، فيُرى ظلَّهم في كلّ مكان من مساحة الدولة اللادولة؟!

أين العام في غابة الخاص المستأسد على كلّ خاص وعلى العام كله!

ولمّا ترتفع صرخة مواطن مثلاً «سكّر خطك»، تستعدّ الوزارة ولفيفها للاستنفار أنها مستهدفة وأنّ تيارها السياسي مستهدَف، بينما المطلوب خفض كلفة الاتصال وعدم الشحن الشهري للخطوط، بحيث يستفيد هذا الخط الوقور نفسه، وذلك الوزير العتيد نفسه، من مطالب الحملة الشعبية، التي يسعون لإجهاضها بتسييسها أو اعتبارها استهدافاً شخصياً لا أساس له!

.. ورغيف الخبز، وفواتير الكهرباء، وفواتير الماء، وفواتير الهواتف، وأقساط المدارس والجامعات، وسوء النقل العام، والغنج على الواهبين سلاحاً للجيش بينما الاستعداد لأيّ شروط لتحريك بقايا الهبة السعودية المتوهّمة للجيش لقاء شروط سياسية مستحيلة!

ما زال المسؤولون يفكّرون منذ سنة ونصف في كيفية دعم الصحافة الورقية التي تُسرع في اضمحلالها وبعض مما تبقى منها ينتظر تفعيل الارتزاق لتقديم صحافة الملك!

ماذا فعلت الطوائف كافة للبنانيين سوى توسيع «مغارة علي بابا وآلاف الحرامية» من المحاسيب والأزلام ومعظم الحوار الدائر والسجال الهادر لحماية نسق الفساد ومنظومته وحماية مزاريب الهدر على المحاسيب هبات وأعطيات ووظائف وحمايات لا يمكن أن تبني وطناً.

مش قصة حبّة قصة نعمل من الحبّة قبّة! .. ونغلق على أنفسنا أبواب الضوء والثقة الوطنية والانفتاح البناء في وطن الإخاء، ولا نقفل الطرقات ولا مداخل القرى بالدواليب المشتعلة حماية للكانتونات التي كانت يوماً مشروعاً قدراً للبنان، وها هي أثراً بعد عين.

فتأمّلوا! اتركوا بصمتكم حتى لا تزولوا!

باحث وناشر موقع حرمون haramoon.com

وموقع السوق alssouk.net

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى