هل دخل سياق أستانة نفقاً مظلماً!؟
سومر صالح
سريعاً تعرّت المواقف واتّضحت النوايا، فلم تمض أيامٌ معدودات على انتهاء الجولة الأولى، من محادثات أستانة، حتّى بدأت الفصائل العسكريّة المشاركة بالانقضاض على ما اتّفق عليه.
رغم النّبرة العالية والمتوتّرة، لتلك الفصائل في جلسات المؤتمر، إلّا أنّ مخرجات هذه المحادثات، كانت جليةً في إيضاح ضعف هذه الفصائل، أمام خيارات داعميها الإقليميين، الّتي تجسّدت حينها بنزوعٍ تركيّ نحو التّقارب مع روسيا وإيران، لبلوغ تسويةٍ للأزمة السورية فرضته وقائع الميدان السوري، وتوجس سعوديّ من نيّة الرّئيس ترامب التّعاون مع روسيا في سورية.
انعكس رضوخاً سعودياً، لواقع النتيجة العسكرية والسياسية لمعركة حلب، وما رافقها من تنامي الدّور التركي بمشيئة روسية كانت على حساب دور السعوديّة الإقليمي، باعتباره أحد متطلّبات الحلّ السوري.
ولكن مع انتعاش الدور السعودي مجدداً في المنطقة معززاً بطلب الرئيس ترامب من الملك سلمان دعم فكرة «المناطق الآمنة» في سورية، والتّأكيد على الشراكة الاستراتيجيّة الأميركية السعودية بخلاف نبرته الانتخابيّة، والتّوتر الحاصل في العلاقة الأميركية – الإيرانية على خلفية استياء الإدارة الأميركية الجديدة من «اتفاق فيينا النووي» ونيّتها التّعاون مع السعودية، في ما أسمته «معالجة أنشطة إيران الإقليمية الّتي تزعزع الاستقرار».
بدأت فصائل أستانة بالتملّص من مخرجات محادثات أستانة، فأصدرت البيان رقم 12 بتاريخ 1/2/2017 ، حاملاً الكثير من التناقضات وسوء الفهم المتعمّد لماهيّة محادثات أستانة، ومخرجاتها، الّتي أتت كنتيجةٍ لإعلان موسكو، وصيغة الترويكا الروسية الإيرانية التركية في رعاية المسار الجديد المسمّى «أستانة».
بدايةً، من الإصرار على أنّ إيران هيّ طرفٌ في الأزمة وليست ضامناً لمخرجات هذه المحادثات.
ثانياً، التّأكيد على أنّ هدف أيّ مفاوضات في جنيف، هو تشكيل «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة».
ثالثاً، التّأكيد على الهويّة الإسلامية لطابع الدولة الجديد، في خروج صارخ عن البيان الختامي لـ«محادثات أستانة» وحتّى صيغة القرار 2254 .
ليس مصادفةً تزامن هذه التّطورات في موقف الفصائل العسكرية مع اقتراب الجولة الثّانية من محادثات أستانة 6 شباط الحالي، التي يمكن اعتبارها اختباراً للنوايا الحقيقية، بفصل الفصائل العسكريّة عن الإرهابيّة.
إنّ التّطورات الحاصلة في مشهد الفصائل شمالاً كانت تسير إلى فصلٍ واضحٍ بين «النصرة» وبقية الفصائل تحت مسميي «جبهة تحرير سورية» بقيادة «أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام» الإرهابية بقيادة «النصرة». إلّا أنّ تطوّرات التّموضع السعودي قد تخلط الأوراق مجدداً وتطيح بتوقّعات أنقرة وحساباتها. وتضع مسار أستانة برمّته في عنق الزّجاجة، ويبقى حسم التّوجه السعودي رهناً بمستجدات العلاقة الأميركية – الروسية من جهة والأميركية – السعودية من جهة ثانية.
ومها تكن تطوّرات الموقف السعودي، فانتعاش موقعها الإقليمي، انعكس هجوماً من الهيئة العليا للمفاوضات، على المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ووصفته بـ«الخرف»، بعدما صرّح عن نيّته تشكيل وفدٍ موحدٍ للمعارضة السورية إلى جنيف 4 تطبيقاً للقرار 2254 . تصريحٌ هدفه الأساسيّ تصعيد الموقف مع روسيّا في أعقاب لقاء الخارجية الروسية، مع منصّات المعارضة السورية مؤخراً، واستشعار الهيئة العليا ومن خلفها السعودية طبعاً الخطر من خلال إدخال منصّات أخرى لتشكيلتها، بما يكسر احتكار الرياض الإقليمي، لدور تشكيل وفد المعارضة إلى جنيف.
وكان اللافت اعتبار وفد الفصائل إلى أستانة، نفسه ككيانٍ موحدٍ «جزءاً أساسياً» من الهيئة العليا للمفاوضات، وأنّ بيان «الرياض» هو «مرجعيّة وطنيّة»، في تطورٍ بل منعطفٍ حادّ، لتلك الفصائل عن سياق أستانة ومرجعياته الحاكمة إعلان موسكو واتفاق موسكو 30/12/2016 لوقف اطلاق النار ، أمرٌ لا يمكن توصيفه إلّا ارتماء كاملاً وارتهاناً مستجّداً، لأغلب تلك الفصائل في الأحضان السعودية المدعومة أميركياً بعدما كانت أغلب تلك الفصائل محسوبة على أنقرة مؤخراً. ولو قاربنا التموضع المستجد لفصائل أستانة لاتضح لنا، أنّ مسار أستانة قد دخل نفقاً مظلماً، قد يفضي إلى تصدّعات في مواقف أطرافه، نتيجة المستجدّات الإقليميّة والدوليّة، لا سيّما مع وجود تشكيلات عسكرية مشاركة في المؤتمر، تَدين بالولاء لواشنطن كـ»الجبهة الشاميّة»، والفرقة الأولى الساحليّة.
وبالتّالي التّقارب الأميركي – السعودي من المرجّح، أن يعيد تلك الفصائل إلى الحضن السعودي بعيداً عن أنقرة وحساباتها. ولا يخفى على أحد أنّ «جيش الإسلام» مدعوم سعودياً «مالياً وإيديولوجياً»، وهو قوّةٌ أساسيّةٌ في فصائل أستانة، وسريعاً بدأت إرهاصات هذه التّصدعات تظهر جلياً مع تحميل تلك الفصائل «الضامن التركي» تبعات عدم الإيفاء بتعهّداته، والهجوم الّذي شنّته تلك الفصائل على الضامن الروسي، بعدما صدرت تصريحات مثيرة للاهتمام عن تلك الفصائل في ختام مؤتمر أستانة، بأنّ روسيا بدأت تلعب دوراً «حيادياً» في الأزمة السّورية، مع التّوضيح أنّ الخلاف المستقبلي ليس على مبدأ وقف إطلاق النّار وتثبيته، بل على القوّة التفاوضيّة، الّتي يمثّلها هذا الوفد، ومرجعيّته السياسيّة الإقليميّة والدولية.
بالمحصّلة، يبدو واضحاً أنّ إدارة الرئيس ترامب بدأت بتجميع أوراق القوّة المبعثرة سابقاً في سورية، نتيجة التشظّي الذي أصابها بفعل تخبّط الإدارة السّابقة، والتفلّت الّذي مارسه حلفائها، بدأت بطرح «المناطق الآمنة» واستكملت بدعم أميركيّ لقوّات «سورية الديمقراطية» بمدرّعات، وصولاً لما أعلنه تيّار الجربا عن تدريب قوّة من 3000 مقاتل للاشتراك في معارك الرّقة.
وبغضّ النظر عن الشّكل، الّذي يمكن أن يأخذه هذا الانخراط الأميركي الجديد، سواء بالاشتراك مع روسيا أو التّحالف مع تركيا، أو عبر البوّابة الأردنية، والّتي تمّ بحث تفاصيلها في لقاء ترامب عبدالله الثاني في نيويورك 2/2/2017 ، فالثّابت أنّ متغيّراً مهماً قادماً إلى السّاحة السورية سيرخي بظلالٍ عميقةٍ على مخرجات مؤتمر أستانة.
قد تفقد احتكار ترويكا أستانة صفة الأطراف الأكثر فاعلية وتأثيراً في الأزمة السورية، هذا إن لم نقل أنّ البرغماتية التركية قد تراجع بعض حساباتها أيضاً، وضعيةٌ تراهن عليها أطراف فاعلة في وفد الفصائل إلى أستانة، ومن خلفهم دول إقليمية، لذلك الحديث عن جنيف 4 مؤثرٌ في مخرجاته، أو حاسمٌ في مسار الحلّ السياسيّ في سورية لا يبدو منطقياً، فالوضعيّة الّتي ستتخذها إدارة ترامب في سورية، سيكون لها تأثيرٌ واضحٌ على مجريات الأزمة، ومساراتها السياسية، والعسكرية. ولو أنّ العمليات العدائيّة الأميركية ما زالت خياراً مستبعداً حتى تاريخه، إلّا أنّ التّصادم الّسياسي، قد يكون سيّد المشهد المستقبلي أقلّه على تفسير القرار 2254 الحمّالة الأوجه، وصيغة سورية المستقبلية. وعلى الجميع ألّا يغفل أنّ الولايات المتحدة طرفٌ معتدٍ على أراضي الدولة السورية، وتقيم بها قواعد ومناطق إسناد لوجستية غير شرعية، وأنّ العلاقة الأميركية الروسية لم تصل بعد إلى مرحلة التّفاهمات فأيام العسل الأميركية – الروسية لم تُكمل شهرها الأوّل، وإدانة الولايات المتّحدة لما أسمته «العدوان الروسي على القرم» ومطالبتها بإعادة القرم إلى أوكرانيا كفيلة بتعقيد المشهد السوري.