سورية… اقتتال «المتمرّدين» والخسائر التركية تساعد الحكومة وحلفائها

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

نشر موقع «Moon of Alabama» تقريراً جاء فيه:

في اليوم الأخير من إدارة باراك أوباما، قصفت القوات الأميركية معسكر تدريب واسعاً لتنظيم «القاعدة» في محافظة إدلب في سورية ومن المعروف أن هذا المعسكر كان مخيماً لتدريب المقاتلين الأوروبيين. أسقطت قاذفات «B 25»الاستراتيجية وابلاً من القنابل على المعسكر، ما أدّى إلى مقتل أكثر من 100 شخصٍ في الهجوم وقد كان معروفاً منذ عام 2013، أن الولايات المتحدة لم تكن لتتدخل في مثل هذا الهجوم على المعسكر، على رغم إمكانية عدم كونه المكان المحدّد والمقصود، في حين اقترح البعض الآخر أن هدف الهجوم اقتصر على تدمير الدليل على تعاون الولايات المتحدة مع «القاعدة» في الداخل السوري.

وافقت الحكومات التركية، الروسية والإيرانية على إجراء المحادثات في أستانا في كازاخستان بين وفود المجموعات العسكرية «المعتدلة» في سورية وبين الحكومة السورية. كما وُجهت دعوة أيضاً إلى مجموعة «أحرار الشام»، التي تقف موقفاً إيديولوجياً وسطاً بين «القاعدة» و«المعتدلين». بينما تراجع المشتركون عن قبول دعوة «جيش فتح الشام»، المقرّب من «جبهة النصرة»، والمعروف بِاسم «تنظيم القاعدة في سورية».

تقترح روسيا إجراء محادثات مع نيةٍ لفصل المعتدلين التكفيريين الإرهابيين ممن يخضعون للسيطرة التركية. ولم تسفر هذه المحادثات عن نتائج فورية غير أنها لا تزال تحقق الغرض منها. وبعد وقتٍ قصير من بدء المحادثات، هاجمت «القاعدة» مجموعة «أحرار الشام»، لتشمل هذه الهجمات في ما بعد، محافظات إدلب وحلب، ضدّ تنظيم «جند الأقصى»، وهي جماعة منشقّة عن «داعش»، وكذلك مجموعة «نور الدين زنكي»، المنظمة المدعومة من وكالة الاستخبارات الأميركية «CIA» التي تزوّدها دوماً بصواريخ «TOW»، فضلاً عن أن مسؤولية هذه المجموعة عن قطع رأس الطفل الفلسطيني. وهناك واقع لا يمكن التغاضي عنه، وهو أن تنظيم «القاعدة» ـ التنظيم الإرهابي الأكبر في سورية ـ يحارَب من قبل تنظيم إرهابيّ آخر، ليستمرّ القتال بين هذه الفصائل قائماً على أشدّه.

وكانت روسيا قد طلبت من الولايات المتحدة منذ أكثر من سنة، مساعدتها على فصل «المعتدلين» عن الإرهابيين، غير أن كلّ الاتفاقيات الروسية مع وزارة الخارجية قد أُتلفت من قبل «CIA» والجيش الأميركي، فضلاً عن ادّعاء الولايات المتحدة اختلاط المجموعات الأخرى أيضاً مع تنظيم «القاعدة»، لتمييزها من غيرها من المجموعات. وسوف يجري هذا الانفصال في نهاية المطاف – حتى من دون الحاجة إلى تدخل الولايات المتحدة الأميركية.

تعتمد المجموعات «المعتدلة» على الإمدادات التركية وتقاتل حالياً تنظيم «القاعدة»، الذي تعدّه عدواً مشتركاً لها إلى جانب الحكومة السورية. وسوف تسعى روسيا بكلّ تأكيد إلى بناء دبلوماسيتها على حساب الطبقة العامة. ينسحب كلّ من الجيش السوري والجيش الروسي من المنطقة تدريجياً ينبغي للمرء عدم إزعاج العدوّ عند ارتكاب الأخطاء. فليقاتل التكفيريون بعضهم البعض. فما سيتبقى منهم بعد هذا الاقتتال سيسهّل عليهم مهمة التخلّص منهم.

لا يزال الوضع في سورية ينذر بالسوء. فبعدما قُطعت إمدادات المياه من وادي بردى التي يرتوي منها حوالى ستة ملايين من سكان دمشق. عٌقدت عدّة اتفاقيات لوقف إطلاق النار هناك، لكن، تمّ خرقها من قبل التكفيريين وعناصر تنظيم «القاعدة». وخلال الاتفاق الأخير الذي عُقد، قُتل المفاوض السوري برصاص قنّاص تنظيم «القاعدة»، وذلك خلال زيارته للمنطقة. حوصر الجيش السوري في الوادي، ودار قتالٌ عنيف في ما بينهم بغية تحرير آبار المياه المحتلّة.

يبدو أن استعدادات أخرى في الجنوب لا تزال جارية لإعادة تسليح الجماعات التكفيرية عبر الأردن. وكانت الحكومة السورية قد اعترضت خلال الأيام القليلة الماضية على تهريب صواريخ «تاو» فضلاً عن كميات كبيرة من أنواع الذخائر الأخرى. وقد يكون لدى أحدهم بعض الخطط لإشعال الحرب على الجبهة الجنوبية التي كانت هادئة طوال السنة الماضية.

ولا يزال الجيش التركي فيب منطقة الباب الواقعة شرق حلب، يحاول أخذ المدينة بالقوة من «داعش». يعتمد الأتراك على بعض مجموعات المشاة المكوّنة من بعض الجماعات المتمرّدة السورية التي ضعفت بسبب عمليات التطهير التي مورست من قبل جيش أردوغان وسلاح الجوّ التركي، حيث طُرد أكثر من ثلث الطيارين من الخدمة، فيما يخضع آخرون للتحقيق. ولا يبدو أن الجنود الأتراك يمتلكون الدافعية للقتال. فقد فشل منذ مدّة قصيرة حوالى 34 جندياً في الظهور في جلسة استماع في اسطنبول بسبب مشاركتهم المزعومة في الانقلاب ضدّ إردوغان. إنهم يقاتلون في مكان ما قرب الباب، كما أنهم لم يتلقوا أيّ إشعار بهذه الجلسة. حققت الشرطة مع بعض طياري القوات الجوية عند بدء الأزمة مع «داعش»، وعليهم أن يخضعوا للجولة الثانية من هذا التحقيق فور عودتهم. لا يُسمح لهم بمغادرة البلاد، بل لا يزالون يتلقون الأوامر بقصف سورية. فليس من المستغرب إذ ذاك – أن يفشل هذا الجيش في أدائه لمهامه بالشكل المطلوب. فتركيا لا تحقق أية مكاسب في الباب، بل تداوم على خسارة الرجال والعتاد.

بدأ الجيش السوري مهمة تنفيذ عملية جراحية جنوب الباب، لتطهيرها من مقاتلي «داعش» في المنطقة الواقعة بين الكويرس والمدينة. ومن الطبيعي أن تصل الباب من ناحية الجنوب قبل وصول الأتراك اليها من الشمال.

وعلاوةً على ذلك، فقد دعم الولايات المتحدة منطقة الشرق بقوات الدفاع الكرديّ القريبة من سدّ الفرات غرب الرقة عاصمة تنظيم «داعش». فالاستيلاء على السدّ سيكون عملية صعبة وخطيرة. وقد أرسل «داعش» إنذاراته بفتح بوابات السدود لتفيض وتؤذي المناطق المحيطة، وسيؤدي بالتالي تفجير هذا السدّ إلى نتائج كارثية على سكان شرق سورية، وأيضاً سكان العراق.

كذلك، تتزايد وتيرة القتال في دير الزور. حيث تُحاصر المدينة من قبل مقاتلي «داعش»، ويتمّ التحضير لهجوم كبير، يهدف إلى تقسيم حامية الجيش السوري في المناطق التي يتجاوز عدد سكانها الـ 100 ألف نسمة والواقعة تحت حماية الحكومة، حيث استحالة حصول الإمدادات الجوية.

إن حملةً جويةً روسيةً ستساعد في دحر قوات «داعش». فما يزيد على مئة ضربة في اليوم الواحد، سيعيق حكماً مدفعية «داعش» وطائرات الهليكوبتر لجلب إمدادات وتعزيزات مرة تلو الأخرى. وقد يتلقى السكان بعض الإمدادات الغذائية من طائرات نقلٍ كبيرة. وكانت القاذفات الروسية قد حلّقت منذ أيام قليلة فوق دير الزور واستهدفت مراكز «داعش» هناك بقصف مكثف، فضلاً عن أن هذا القصف سيساهم في الحجر على التعزيزات القادمة من الرقة وتدمر قبل وصولها إلى المنطقة. قد يبدو لوهلة أن دير الزور أُنقذت من كلّ هذا، غير أن بقاءها على قيد الحياة مرهونٌ في المحاولة الأخيرة المرتقبة لاقتحامها من قبل «داعش».

تنتشر في مختلف المناطق السورية تكوينات مختلفة من الأعداء والحلفاء المتحاربين مع بعضهم البعض. وهذه الحالة تتجه يوماً بعد يوم – إلى مفاصل أكثر سوءاً والى المزيد من التعقيدات، في الوقت الذي تغيّر فيه كلّ من تركيا والولايات المتحدة مواقعهما ونواياهما. فبينما تدعم الةلايات المتحدة «المعتدلين» في الشمال لمحاربة تحالفات تنظيم «القاعدة» السابقة، ويتلقى «المعتدلون» في الجنوب الإمدادات على الرغم من تحالفها المحلي الحميم مع تنظيم «القاعدة». تخوض الولايات المتحدة حربها ضدّ تنظيم داعش عبر حلفائها الأكراد، لكن ليس عبر حليفتها في الناتو أي تركيا. في الوقت الذي تدعم الولايات المتحدة تنظيم «داعش» في حملتها ضدّ الجيش السوري.

فقدت تركيا الأمل. فهي بالكاد تتمكن من السيطرة على «المعتدلين» في الشمال، وأيّ قتال ضدّ تنظيمَي «القاعدة» و«داعش» سوف يتردّد صداه على أنه سلوك وحشيّ ضدّ الإرهاب في المدن السورية. إن الحملة العسكرية ضدّ الباب سوف تتعرّض للمزيد والمزيد من الخسائر. فكم سيتطلّب هذا الواقع من أردوغان كي يستسلم أخيراً، ويتخلّى عن أحلامه ببناء الإمبراطورية العثمانية مجددّاً على الأرض التركية الجديدة في سورية؟

قد يأمل أحدنا أن الإدارة الجديدة للولايات المتحدة الأميركية سوف تجد أنه من الملائم الدخول في ائتلاف مع سورية وروسيا للقضاء على جميع التكفيريين المتواجدين على الأراضي السورية كـ«داعش» و«القاعدة» وأيّ من الفصائل الإسلامية الأخرى «المعتدلة» التي ترفض الحوار من أجل السلام. غير أن إدارة ترامب ليست مجهّزةً لغاية الآن بما فيه الكفاية للخوض في غمار هذا كلّه. وترى بعض الأطراف داخل الإدارة الأميركية أن أولوياتها تنحصر في محاربة إيران، إذ إنها ترى أن هذا القتال سيوصل إلى إحلال السلام في سورية وكذلك في العراق، أفغانستان وربما أيضاً في اليمن. البعض الآخر، يركز على ضرورة محاربة «القاعدة» و«داعش»، بينما يشدّد آخرون على أن روسيا هي العدوّ الأكبر. لذا، فإن فتح جبهات القتال جميعها في وقت واحد، هو ببساطة أمرٌ مستحيل، وعلى المرء أن يضع أولوياته أيضاً في الحسبان، لكن، من هو ذلك المؤهل للقيام بكلّ هذا؟ هناك بعض الاستراتيجيات للحلول الوسطى داخل الإدارة الأميركية، هي عبارة عن خليط فوضوي من التدابير التكتيكية التي من شأنها أن تتعارض مع بعضها البعض. وهذا ما نتوقع أن نراه.

قد تستغرق الأمور أشهراً إن لم يكن سنة على الأقلّ، كي نتعقّل ونستقرّ، وكي تدخل الخطط العقلانية حيّز التنفيذ. وحتى ذلك الحين، ستبقى سورية تتخبّط في فوضى قتالية، مع تزايد واضح لسيطرة الحكومة وحلفائها على أرض المعارك المفتوحة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى