شطحات ترامب: رُبَّ ضارَّةٍ نافعة!
خليل إسماعيل رمَّال
يمكن للقارئ اللبيب أنْ يُدرك بسهولة أنَّ دونالد داك ترامب هو رئيس فارغ، من «القرار التنفيذي» الذي أصدره بحظر السفر إلى الولايات المتَّحدة من قبل رعايا سبع دول عربية إسلامية، استثنى منه مملكة بني سعود وباقي مشيخات الخليج التي عبَّر عن احتقاره لها خلال حملته الإنتخابية وأيّد بشدَّة قانون «جاستا» لمقاضاتها قانونياً بسبب هجمات أيلول 2001 الارهابية. لكنه سرعان ما اتصل بمليكهم سلمان هاتفياً ليتفق معه على إقامة «مناطق آمنة» في سورية وفي اليمن حيث مجازر «التحالف» تُرتَكْب هناك بحق الأطفال وباقي المدنيين العُزَّل بدعمٍ أميركي. وبدل أنْ يوقِف ترامب المذابح السعودية، أدرج اليمن على لائحة الحظر للإمعان في حصار وقتل الشعب اليمني ومنع الحالات الإنسانية من الخروج من أتون الحرب. وعلى الهامش، ماذا عن السودان التي باعها البشير لبني سعود من أجل العدوان على اليمن ولم يستطع سلمان أنْ يفعل له شيئاً؟!
إنَّ قرار ترامب الغبي بمنع المسلمين من دول لم يرتكب مواطنوها أعمالاً إرهابية ضدّ أميركا وعدم شمول دول لديه مصالح اقتصادية فيها، هي خير تعبير عن نذير الشؤم في هذه الإدارة التهريجية. لكن للأسف لم يتحرَّك رئيس عربي أو غربي اللهم إلا… الرئيس ترودو في كندا الذي دعا المواطنين المسلمين واللاجئين الذين تلفظهم إدارة ترامب للجوء إلى بلده، فكان أشرف من أنظمة العرب! لكن لِمَ نتحدث هنا عن أجداث عربية محنَّطة؟! فالوضع العربي فالج لا تعالج.
وبعد اللغط والهمروجة والفوضى التي أعقبت حظر ترامب للمسلمين من السفر إلى أميركا، وهو حظر سفر المسلمين مهما حاول ترامب تغيير الصفة لأنه اتصل بجولياني وسأله كيف يمكن إصدار قراره من دون أنْ يبدو وكأنه حظر على المسلمين، وبعد سيل الدعاوى القانونية ورفض وزيرة العدل بالوكالة منذ أيام إدارة أوباما الدفاع عن قراره ثم طردها من منصبها، ارتأى بانون الرجل العنصري القوي في إدارة ترامب تحويل الأنظار إلى الخارج تماماً كما فعل هتلر عندما حوَّل الهزيمة إلى نصر. ومَنْ أفضل من إيران لجعلها محط اهتمام الإدارة بحجَّة القيام بتجربة صاروخية باليستية بينما يترك كوريا الشمالية تختبر صواريخ عابرة للقارات ويهدّد كوريا الجنوبية الحليفة بسحب الجنود الأميركيين من المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين إذا لم تتحمّل نفقات وأعباء انتشارهم؟!
إلا انّ ترامب المهرّج والطريّ العود لا يعرف بعد أنَّ ايران ليست كأيّ نظام عربي ولا تخشى التهديدات الأميركية التي خبرتها لأكثر من 36 عاماً. لهذا لن ينجح في تحوير المشكلة وهو غارق حتَّى أذنيه في العداء مع الجميع حتَّى رئيس وزراء استراليا وقادة أوروبا الذين لم يعرفوا صنفاً يشبه هذا المخلوق في عالم السياسة ممَّا يؤكد ما قلناه في مقالة سابقة بأنّ أميركا في عهده قد تصبح دولة مارقة!
المَثَل العربي يقول «إذا ما كبرت ما بتصغر»، و»ربّ ضارة نافعة»، فلعلّ أسلوب ترامب المدمِّر والخطِر قد يعيد الصواب إلى عقل العالم الواعي فتنشأ الأحلاف القديمة لمجابهة جنكيزخان البيت الأبيض الجديد أو معمَّر ترامب كما وصفه البعض على السوشال ميديا. وبسبب سياسة ترامب الحمقاء قد يستعيد العالم دولة الصين للدفاع عن العالم الثالث وتبتعِد أوروبا واليابان عن نير واشنطن وقد تنمو من جديد كتلة عدم الانحياز كما كانت في أيام عزّها.
لكن للأسف، على صعيد آخر، الأزمة التي خلّفها ترامب أثبتت فشل القيادة العربية في الداخل الأميركي وفي الشرق الأوسط. وعلى الصعيد المحلي في ميشيغن، حيث الكثافة العربية، تبيَّن عدم وجود قيادة حقيقية رغم ظهور عنصر الشباب النشط، لذلك بدأت الدعوات من أجل إعلان القيادات المترهّلة القديمة المُتْعَبَة عن تقاعدها وإفساح المجال أمام دم جديد وجيل جديد من الطلاب والناشطين والمحامين المستقلين من الشباب الذين لم تلوّثهم سياسات الشرق الأوسط بأوزارها ولا الانحياز لأيّ من الحزبين الأميركيين، لكي يأخذوا زمام الأمور ويناضلوا من أجل حقوقنا في المحاكم ولدى الإعلام وأمام الرأي العام وحتَّى داخل الحكومة والبيت الأبيض كي لا نؤخذ على حين غرة ونصبح لقمة سائغة لعنصريّي ترامب مثل ذاك العنصري الأبيض المقيت جاريد تايلور الذي تقيأ بكلامه الحاقد ضدّ الأقليات متبجّحاً علناً وبكلّ صلافة تفوُّق عرقه على باقي الأعراق أمام صحافي لاتيني وداعياً لطرد غير البيض. اليمين العنصري الموتور هو الذي أوصل ترامب للحكم ولذلك سيبقى مديناً له ولن تغيّر التظاهرات والاحتجاجات، على أهميتها، شيئاً والحلّ هو بتحالف العرب المسلمين والمسيحيين في أميركا، لأن لا فرق عند العنصريين بين مسلم ومسيحي عربي، مع الإسبان والأفارقة وباقي الأقليات وكلّ الأميركيين الذين تعبّأوا ضدّ نهج ترامب، ثم ترشيح أكبر عدد ممكن من شبابنا إلى المناصب العامَّة. بهذا نكفل حقوقنا وإلا سنصبح مثل العرب الذين خسروا إسبانيا وظلوا يبكون كـ»النساء على مُلكٍ لم يحافظوا عليه كالرجال»!