جنبلاط يُشهر تطبيق الطائف وإلغاء الطائفية بوجه النسبية الحوار حول قانون الانتخاب معطّل… والبدائل صفر

كتب المحرّر السياسي

تبدو موسكو وحدها مهتمة بالتحضيرات لمؤتمر جنيف الذي سيجمع بعد أسبوعين وفود الحكومة والمعارضة في سورية. فتركيا كشريك في أستانة مرتبكة بين تعطيل وفد موحّد للمعارضة منعاً لمشاركة كردية لا يمكن تفاديها في هذه الحالة، وبين دورها كراعٍ يفترض أن يقرأ نجاح المؤتمر نجاحاً لرعاته أولاً، بينما إيران المنجذبة للتوتر المتصاعد في علاقتها مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب تراقب مواقف واشنطن من جنيف وتعاملها الباهت معه كمسعى ضمني لإفشاله أو ربطه بمكاسب تسعى واشنطن لتحقيقها في الرقة بمعزل عن أي جهد وعدت به إدارة ترامب بتعاون دولي إقليمي في الحرب على الإرهاب، ولغة لا تتناسب مع مثل هذه المساعي في مخاطبة المعنيين، خصوصاً مع الكلام الأميركي عن العقوبات على روسيا ربطاً بمصير شبه جزيرة القرم، أو بتصعيدها بوجه إيران، بينما تبدو المباحثات الجدية بانتظار حسم الرهانين التركي والأميركي على تحقيق إنجاز عسكري من وراء ظهر الدولة السورية في كل من الباب والرقة، حيث يسابق الأتراك والأميركيون الزمن، من دون تحقيق تقدم بينما الجيش السوري يُنجز المزيد من الانتصارات في ريف حلب الشرقي على مقربة من مدينة الباب، وفي خراج مدينة السخنة باتجاه الرقة بعدما حقق نجاحات هامة في فتح الطريق بين مدينة دير الزور والمطار العسكري في خراجها.

لبنانياً، تنقل ملف قانون الانتخابات النيابية، من مرحلة البحث بقانون وسط يرضي جميع الأطراف إلى التلويح بقانون الستين بداعي سقوط المهل القانونية، ليوصله رئيس الجمهورية إلى محطة التلويح بالفراغ لمن يريدون مقايضة الستين بالتمديد، ليرسو على إشهار النائب وليد جنبلاط لاتفاق الطائف والدعوة لإلغاء الطائفية رداً على الدعوة لقانون انتخاب يعتمد النسبية، بانتظار ما سيردّ به رئيس الجمهورية على دعوة جنبلاط بعدما لوّح الرئيس باللجوء للاستفتاء، بينما تجمّدت أعمال اللجنة الرباعية بعد استنفاد البدائل الممكن تداولها للبحث، وبدأ الحديث عن مهلة تمتدّ لمنتصف حزيران بدلاً من منتصف شباط، لإنضاج القانون الجديد، وعندها التمديد للمجلس الحالي لشهور معدودة تمهيداً لدعوة الهيئات الناخبة وفقاً للقانون الجديد.

الرباعية تنتظر عودة باسيل

فيما تعود اللجنة الرباعية المخصصة لبحث قانون الانتخاب الى لقاءاتها بعد عودة وزير الخارجية جبران باسيل من الخارج منتصف هذا الأسبوع، لاستكمال تشريح مشاريع القوانين المطروحة، يواصل خبراء من أمل وحزب الله وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر اجتماعات شبه يومية لإخضاع القوانين لفحوصٍ تفصيلية وتقنية مركزة وتقسيمات الدوائر والتوزيع النيابي في مختبراتهم.

وبعيداً عن التشريح السياسي، خضع رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، لعملية استئصال مرارة ناجحة، وكان بري أمس الأول قد أجرى عملية جراحية أزال خلالها حصى من المرارة بالناظور. وصرّح مصدر مسؤول في مركز كليمنصو الطبي أنّ الوضع الصحي للرئيس بري جيد وطبيعي.

وأجرى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، اتصالاً هاتفياً برئيس المجلس اطمأن فيه إلى صحته وتمنى له الشفاء العاجل ودوام الصحة والعافية، كما زاره رئيس الحكومة سعد الحريري مطمئناً إلى صحته.

جنبلاط: جراحة للستين أو الطائف

في غضون ذلك، خرج رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط من المنطقة الرمادية أمس، وحسم موقفه حيال قانون الانتخاب بإعلانه التمسك بالقانون الحالي وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، أو الستين معدلاً أو العودة الى اتفاق الطائف، لكن جنبلاط يُدرك أنّ زمن الستين قد ولّى وأن لا العمليات الجراحية تستطيع إعادته الى الحياة ولا عمليات التجميل أو الاستئصال قادرة على تحسين صورته في العهد الرئاسي الجديد وفي ظلّ التطورات المحلية والإقليمية المستجدة.

ومع إصرار رئيس الجمهورية على موقفه وضغوطه لدفع القوى السياسية لإقرار قانون جديد على أساس النسبية وإشهار سيف الاستفتاء في وجه سكين الستين، لوّح جنبلاط في مقابل ذلك بتطبيق دستور الطائف بشكلٍ كامل أو على دفعات من خلال إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلسي النواب والشيوخ.

ولفت جنبلاط خلال كلمة في افتتاح مؤتمر عام الحزب التقدمي الاشتراكي، الى «أننا نستطيع إلغاء الطائفية مع الحفاظ على العُرف الأساس وأن يبقى رئيس الجمهورية رئيساً مسيحياً وعندما نلغي الطائفية ويصبح المجلس لا طائفياً يصبح بإمكاننا درس النسبية، مع العلم أنّ النسبية لم ترد في اتفاق الطائف وهذا ردّنا على أننا لم نقدّم أيّ صيغ أو طروحات».

وأكد جنبلاط أننا منفتحون على الشراكة والتعدّد والتنوّع في لبنان، ولا لنقل مقاعد نيابية، لأنّ ذلك يقضي على التنوع والتعدد، مشيراً الى أنّ الشراكة موجودة حالياً مع القوات والأحرار والمستقبل وحركة أمل وحزب الله و»الديقراطي اللبناني». ونحن نشدّد على الشراكة مع التيار الوطني الحر، ولكن التأكيد على مصالحة الجبل أهم من مقاعد المجلس النيابي.

لكن ما هي التعديلات التي يريدها جنبلاط على القانون النافذ؟

أوساط مطلعة في الحزب الاشتراكي قالت لـ«البناء» إنّ «رئيس الحزب فتح بطرحه باباً للنقاش ولسنا مصرّين على صيغة معينة، كما أننا لسنا متمسكين بصيغة الستين الحالية، لكن الثابت لدينا هو أن يكون الشوف وعاليه دائرة انتخابية واحدة وضمّ بعبدا الى المتن الشمالي في أي تعديل على الستين، وهذا الطرح هو تجاوب من جنبلاط لمطلب الآخرين بالتوافق على صيغة لإرضاء الجميع وإلا الذهاب الى الطائف».

وأوضحت المصادر أنّ الحزب تراجع عن قانون المختلط بعد أن تخلّى عنه حزب القوات الذي تحالف مع التيار الوطني الحر على صيغ أخرى، وأشارت الى أنه وخلال جولة الحزب على القوى السياسية لم نصل الى قواسم مشتركة حول القانون ولم يحصل أي تقدم لا باللجنة الرباعية ولا في الاجتماعات الثنائية». وتضيف المصادر الإشتراكية «أننا لسنا في مواجهة مع أحد، بل متمسكون بمبدأ الشراكة في الجبل إن كان مع القوات والاحرار والكتائب والمستقبل ولدينا شراكة وطنية مع أمل وحزب الله بمعزل عن الخلاف السياسي حول الملف السوري وغيره».

ونقلت المصادر عن جنبلاط تخوّفه من الفراغ النيابي مع اقتراب موعد المهل الدستورية من دون الاتفاق على الملف الانتخابي، ولذلك يدعو جنبلاط الى ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها تجنباً للفراغ وهناك توافق مع رئيس المجلس نبيه بري وحزب الله حول هذه النقطة».

وعن العلاقة مع بعبدا، أوضحت المصادر أن «توجّهاتنا السياسية منذ انتخاب الرئيس ميشال عون هي التعاون. وقد أبلغ جنبلاط عون في بعبدا بأنني سأكون الى جانبك وسأسهّل الى أقصى الحدود انطلاقة العهد، لكن للأسف الأداء السياسي تجاهنا كان معاكساً». وتحذّر المصادر من أنه «إذا لم نفعّل عمل المؤسسات ونسهل عملية النهوض الاقتصادي، سيؤدي ذلك الى أزمات اقتصادية وسياسية».

ومع تسريب تهديدات من المختارة بتعطيل الانتخابات في بعض المناطق المحسوبة على الحزب الاشتراكي إذا ما تمّ فرض الانتخابات على قانون يعارضه جبنلاط، لفتت المصادر الى أن «رئيس الحزب كان واضحاً أمس، بأن لا استهداف لأحد ولا نريد إطلاق تصريحات وشعارات طائفية ومذهبية تستفز الجمهور والجمهور الآخر، وندعو الآخرين الى تلقف مبادرة جنبلاط والتفاعل معها».

وترفض المصادر رفضاً قاطعاً طرح رئيس الجمهورية الاستفتاء الشعبي حول قانون الانتخاب، وتشدد على أن «الاستفتاء يحتاج الى قانون في المجلس النيابي، وبالتالي أي قانون يحتاج الى توافق، ولو توافر هذا التوافق لكنا اتفقنا على قانون للانتخابات. فهناك قوانين في البلد ومهل دستورية يجب احترامها ولا يبرر الخلاف على موضوع معين كقانون الانتخاب تعطيل استحقاقٍ دستوري كالانتخابات النيابية». وترى بـ»أن الحل هو التقيد بالمهل وإنجاز الاستحقاق النيابي والاستمرار بالسعي في موازاة ذلك للاتفاق على قانون جديد».

وفي حين ستزيد مواقف جنبلاط مزيداً من التعقيدات على عمل اللجنة وتصعّب التوافق حول القانون العتيد، قالت مصادر نيابية مطلعة لـ«البناء» إن «كلام جنبلاط ليس جديداً ومتوقعاً وأسرّ به في أحد مجالسه منذ أيام قليلة، وبعد أن وجد نفسه في مأزق يحاول فك الطوق عن المختارة، شعر بأنه لا يستطيع الاستمرار في المواجهة في ظل كلام رئيس الجمهورية والقوى السياسية التي تضغط باتجاه إقرار قانون جديد على النسبية يسمح للقوى السياسية العلمانية بأن توصل كتلة نيابية بلا حواضن الطوائف والمذاهب، كما أيقن جنبلاط أن مواقف عون ليست مجرد كلام».

وأوضحت المصادر أنه «صحيح، النسبية لم ترد في اتفاق الطائف، لكن ورد قانون الانتخاب الأكثري على أساس المحافظة، أي الدوائر الانتخابية وفقاً للمحافظة. وفي هذا القانون يتقلص حجم كتلة جنبلاط الى حد كبير ويصبح جزء كبير من النواب الدروز يستولدون في كنف طوائف أخرى»، مشدّدة على أن «النسبية الكاملة هي القانون الأفضل والذي يحفظ حقوق جنبلاط والدروز وكل الطوائف ويتيح للقوى العلمانية أن تصل بقوتها وانتشارها الى الندوة البرلمانية»، ولفتت الى أن «الدروز أكثرية مقبولة في الشوف، لكن لا يستطيع جنبلاط التحكم بنواب الدائرة من دون الصوت السني من خلال التحالف مع المستقبل».

بينما رجّح مصدر في تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» الوصول الى الفراغ النيابي، إذا ما أصرّ بعض القوى على مواقفه، وبعد سقوط خيار انتخابات على الستين عند معظم القوى ونهاية زمن التمديد»، مؤكدة أن «رئيس الجمهورية لن يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وإن أدى الى تعطيل الانتخابات».

الوفاء للمقاومة: مُصرّون على النسبية

وأكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد «أننا نريد للانتخابات النيابية أن تجري في موعدها المقرر ونرفض التمديد وقانون الستين ونؤيد قانون انتخاب جديد. وهذا الأمر نُصرّ عليه مع عدد من حلفائنا السياسيين في هذا البلد، وعندما نتفق على قانون انتخابي جديد ونرى أن تعزيز الاستقرار يستلزم تعزيز تحالفات لطمأنة البعض، فهذا أمر إضافي يفيض عن القانون الانتخابي الذي يعطي لكل ذي حق حقه. وشدّد على إصرار حزب الله على صيغة النسبية مع اعتماد الدائرة الواحدة أو الدوائر الموسعة، مشدداً على انها أفضل صيغة متلائمة مع الدستور ومع وثيقة الوفاق الوطني وتعطي لكل فئة حقها وتعبر عن حجمها الحقيقي.

وفي سياق ذلك، اعتبر النائب علي فياض أن «الحل الأمثل والأسهل والأقل تعقيدا لإقرار قانون انتخابي يستند إلى معايير واضحة ومفهومة، هو اللجوء إلى نسبية بسيطة كاملة مع دوائر موسعة».

وفي ما يُصرّ تيار المستقبل على رفض النسبية الكاملة، أكد عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري لـ«البناء» أن «أقصى ما يمكن أن يقدمه تيار المستقبل هو الصيغة الثلاثية نتيجة تسوية بين القوات الاشتراكي والمستقبل والمسيحيين المستقلين والذين يمثلون تقريباً نصف المجلس النيابي»، مضيفاً لا يمكن أن نسير بالنسبية البسيطة بأي شكل من الأشكال، فالنسبية في ظل الأحزاب الطائفية والسلاح غير واردة، كما لن نقبل بقانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى