الاستيطان لن يتوقف لأنه جزء من الإيمان والحق لا يعود بالتوسل وما أخذ بالسيف بالسيف يُستعاد
اياد موصللي
بناء المستوطنات وتوسيع الاستيطان وتجاوز كلّ القرارات التي صدرت من الأمم المتحدة وجهات دولية والتي حذرت «إسرائيل» من عمليات الاستيطان وعدم مبالاة «إسرائيل» بهذا المنع والمضيّ في المخطط الموضوع… أمر من صلب التكوين والإيمان والمعتقد اليهودي الصهيوني..
المستغرب هو أننا لم نستوعب ونفهم الفكر الصهيوني فندخل معه في مفاوضات ومحادثات ومباحثات حول إنشاء كيان سياسي فلسطيني يمنح ما تبقى من أرض فلسطين وإقامة دولة او حكومة ترفع العلم الفلسطيني… كلّ خطوة تخطوها «إسرائيل» مبنية على معتقدات إيمانية تعتبر لدى الصهاينة إرادات سماوية وأوامر إلهية، لذلك يسيرون بهديها ووحيها وتوجيهها. فبناء المستوطنات لإسكان اليهود في فلسطين لن يتوقف ولن يتجزأ.
هكذا يؤمنون بما قاله الرب لهم ويؤكد ذلك ما ورد في المؤتمر الصهيوني السابع والعشرين إذ جاء فيه:
«أ – تجميع الشعب اليهودي في وطنه التاريخي أرض إسرائيل عن طريق الهجرة من كافة البلدان.
ب – تقوية دولة إسرائيل القائمة على رؤية أبناء التوراة.
ج – الحفاظ على هوية الشعب اليهودي من خلال التربية اليهودية والتعاليم اليهودية وتعزيز القيم الروحية والحضارة اليهودية.
ولذلك فإنّ العنصر اليهودي يشكل المادة البشرية لهذه الحركة والعنصرية في الذات اليهودية، وللأفراد الصهاينة والأحزاب الصهيونية عبر وسائل تغذية لتلك الذات اليهودية العامة. والذات اليهودية تنطوي على رؤية لنهاية العالم، تتلخص في اليهودية القديمة، بإعادة بناء هيكل سليمان، كي يقيموا عرشاً لداود يتبوأ عليه أمير من نسله في أورشليم، يقول «يهوه» إله بني اسرائيل: «كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشت، هكذا أفتقد غنمي وأخلصها من جميع الأماكن التي تشتت اليها… اخرجها من الشعوب وأجمعها من الأراضي وأتي بها الى أرضها… وأرعاها على جبال اسرائيل وأقيم عليها راعياً واحداً، فيرعاها عبدي داود، وهو يكون لها راعياً، وانا يهوه أكون لهم إلهاً وعبدي داود رئيساً في وسطهم «سفر حز قيال 34».
ويهوه الرب اختار بنفسه صهيون لتكون مسكناً له، فهي ليست عاصمة داود السياسية فحسب، وانما هي العاصمة الدينية التي لا يمكن لإ له ان يستقرّ، او يسكن، او يعبد، الا فيها «الرب اختار صهيون اشتهاها مسكناً له «مزمور 132». والذات اليهودية مجبولة من اعتقادات خلاصتها انّ اليهود يمثلون دونما أدنى ريب، أنقى عرق وأعرق أمة بين جميع الأمم المتمدّنة.
والذات اليهودية مبنية على فكرة تفوّق اليهود، وتعاليهم على البشر واليهود يشعرون بأنهم متفوّقون أخلاقياً على جميع الأمم، وهذا الشعور يجسّد ذاته في فكرة الشعب المختار «آحادها عام».
ويصف ناحوم غولدمان اليهود بأنهم «شعب فريد في تاريخ البشرية، والشعور بالتفرّد يستتبع الشعور بالتفوّق على شعوب اخرى، ولا غرو في ذلك لأنّ مفهوم «الشعب المختار» يشكل جانباً أساسياً من الدين اليهودي».
وهذا الزعم بالاختيار والتفوّق والتميّز راسخ في نفوسهم بفعل نصوص التوراة «العهد القديم» التي يبشر بها الطفل اليهودي مع نشأته في أحضان البيت والمدرسة والمعبد، وكتاب التوراة يزخر بالنصوص التي تضفى على عنصرهم صفات القداسة والاختيار والتميّز… خذ مثلاًقول إلههم لهم: «اتخذكم لي شعباً، واكون لكم إلها «سفر الخروج 6»، وتكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب مملكة كهنة أمة مقدسة، سفر الخروج 19
«لأنك أنت شعبٌ مقدس للرب إلهك، إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له أخلص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض» سفر التثنية 70» .
انّ العدوانية والحقد والكراهية في نفوسهم ليست وليدة نزوة او حالة هستيرية يصابون بها في لحظة ما انها عقيدة إيمانية في نفوسهم مستمدة من تعاليم دينية غذّت في نفوسهم كره الشعوب الأخرى كرهاً بلغ حدّ القتل دون رحمة للشيخ والمرأة والطفل…
والصورة التي حملها بنو «إسرائيل» في نفوسهم عن يهوه، هي الصورة التي شكلوا خطوطها من أهدافهم، ومزجوا ألوانها من أطماعهم، وحدّدوها بإطار من الروح التي حملوها في صدورهم أرادوا ليهوه ان يكون إلهاً قاسياً مدمّراً، يملي على شعبه الخاص دروساً في الحقد والوحشية، ولذلك أنت تتمثله، في قراءتك لكتاب التوراة العهد القديم قائداً يخطب في إحدى محاضراته الحربية بروح عنصرية ساخطة ناقمة حاقدة على جميع الشعوب وكأنه قائد مقهور يروي غليله، وحقده العنصري يتمثل دماء اعدائه تسقي الجبال، ونتانة جيفهم تصعد في الهواء ويلجم أنياب الانتقام التي تنهش صدره برؤية سيفه المتخم بلحم أعدائه وسهامه السكرى بدمهم، يقول اشعيا «إنّ للرب سخطاً على كلّ الأمم، ومحواً على كلّ جيشهم، قد حرّمهم. دفعهم للذبح فقتلاهم تطرح، وجيفهم تصعد نتانتها، وتسيل الجبال بدمائهم «سفر اشعيا 34». فهل هذه صفات رب البشرية الذي تؤكد الأديان أنه رب الرحمة والغفران وانه سبحانه هو الرحيم على عباده؟
ونتمثل «ربّ الجنود يعرض جيش الحرب «سفر اشعيا» فيرتاعون ويبهتون لأنّ يوم الرب قادم قاسياً يسخط وهو غضب، ليجعل الأرض خراباً… يزلزل السماوات وتتزعزع الأرض في سخط رب الجنود، وفي يوم حمو غضبه.. فيكونون كظبي طريد، وكغنم بلا راع.. يحطم أطفالهم امام عيونهم، وتنهب بيوتهم، وتفضح نساؤهم «سفر اشعيا 13».
شعب هذه عقيدته الوطنية والدينية.. هل يجابه.. بالمفاوضات والتوسل من أجل الحصول على الموافقة لإقامة حكومة محمية وفق شروط مفروضة… والمؤسف انّ الطلب يأتي من صاحب الحق الى المغتصب…
«إسرائيل» ماضية في تنفيذ مخططها السياسي – الديني غير عابئة بأيّ عقبة تعترض طريقها لأنها تذللها إما بالقوة او بالسياسة معتمدة على قوى عالمية متسترة مثال فرنسا وبريطانيا ودول عربية كالسعودية وتوابعها… او اميركا الحليف الدائم..
حقنا في فلسطين هو حق قومي نشأ مع نشوء أمتنا، واذا لم نرسم طريق استعادة هذا الحق انطلاقاً من إيماننا بأننا قوم لا نلين للبغاة الطامعين، واننا ننتمي إلى أمة أبت ان يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة… كان اليهود يزحفون من أجل الحصول على دعم الدول النافذة في العالم من أجل تسهيل دخولهم وإقامتهم في فلسطين رغم وجود أهلها فيها.. ونالوا الوعود والدعم والتأييد وجاؤوا من أنحاء العالم حيث كانوا مشرّدين فسلبوا الأرض من أهلها وطردوا سكانها وأقاموا فيها وأسّسوا دولة وحكومة لهذه الدولة.. وطردوا الفلسطينيين أبناء البلاد مشرّدين لاجئين يسكنون الخيام…
وبدلاً من ان ننشئ أجيالاً مؤمنة بأرضها وحقها، وبأنّ ما أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ، ومن الايمان بأننا إذا لم نكن أحراراً من أمة فحريات الأمم عار علينا…
بدلاً من هذا تسكعنا على أبواب الدول والمؤسسات الدولية التي كانت السبب الأول في سلبنا بلادنا، وبدأنا نتسوّل الرأفة والعطف من أجل منحنا محمية حكومة… انني أسأل: الصهيونية أسّست عام 1925 الجامعة العبرية لتعليم أتباعها تاريخهم قبل ان تنشأ دولتها وتستولي على أرضنا.. فأية جامعة او مدرسة أسّسنا منذ النكبة الى اليوم.. اية كرّاسات دورية أصدرناها عن تاريخنا ونكبتنا والمؤامرات التي تعرّضنا لها بشكل يومي يسهل على ايّ فلسطيني او مواطن ان يقرأها ويفهمها ولا نعني المجلدات والمؤلفات الكبرى.. اين هي الصحيفة الفلسطينية التي تعنى فقط بتاريخ فلسطين وانتمائها وتوزع على المخيمات والبيوت ليقرأها الجيل الناشئ فيعرف تاريخه الحقيقي ويعرف معنى وقفة العز…
ونعود بعد كلّ هذا ونقول لهذه القيادات ما قاله سعاده:
«اننا لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى ان نكون طعاماً لأمم أخرى، اننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به وانني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين الى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها وكلّ امة ودولة اذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق».