تغير العالم كثيراً… فهل تعي أميركا ذلك؟
محمد شريف الجيوسي
جرب الغرب بقيادة واشنطن سيناريوهات تخريبية عدة لتنفيذ مخططه كاملاً في المنطقة العربية وبخاصة في سورية، لكنه رغم كل التدمير الذي ألحقه بسورية وليبيا ومصر واليمن والصومال والسودان وإلى حد ما في تونس وحاولوا تحقيقه في الجزائر، إلا أنهم فشلوا في إنجاز النتيجة النهائية للمخطط حتى الآن، المتمثلة في إقامة شرق أوسط جديد أو كبير وفي تسييد الإسلام السياسي الأميركي المذهبي المتطرف التكفيري الوهابي الإخوني، وحرف البوصلة نهائياً باتجاهٍ مختلف سني ـ شيعي وعربي ـ فارسي.
قد يستهجن البعض هذا الاستنتاج، ولكن دعونا نستعرض النتائج. أولاً، فقد الغرب بقيادة واشنطن صدقيته نهائياً في المنطقة العربية وأصبح أكثر كراهية، وتقاربت ونمت قوى قومية ويسارية عربية كانت في حالة سبات.
وسقطت أنظمة كانت محسوبة على واشنطن وبعض من لحق بها ممن هيئته واشنطن بالتحالف مع مكتب الإرشاد العالمي، بغرض استباق تغيرات عربية جذرية من جهة، ولتنفيذ الجانب الأهم في المخطط من خلال حرف بوصلة الصراع الحقيقي تجاه العدو الصهيوني إلى صراعات مذهبية إثنية وطائفية.
وتعرت أنظمة الرجعية العربية نهائياً وبخاصة معظم الخليج، من خلال دعمها للإرهاب بكل أشكال الدعم بل وبالضغط على بعض الدول للقيام بهذا الدور، ومن خلال التنسيق مع الكيان الصهيوني، وهو ما كشفت عنه وسائل إعلام غربية عديدة.
في المقابل نضجت تحولات وتيارات وقوى جديدة على صعيد الإقليم والعالم، فمثلما كان التحالف الغربي عابراً للقارات، تكون في المقابل تيار عالمي ليس من لون سياسي أو ديني أو اقتصادي أو قاري واحد، لكن تربط بين مكوناته تقاطعات ومصالح وأفكار ومصائر ترفض الاستقواء على الشعوب والدول والأمم والحضارات الإنسانية، وتعمل على دعم كل ما من شأنه تحقيق حرية واستقلالية وحقوق وأمن وسلم الدول والأمم والشعوب الساعية إلى الاستقرار والحوار والكرامة، والرافضة للحروب ولسياسات الاستئثار بالثروات وشن الحروب وفرض الطغيان والتكفير والهيمنة والغطرسة.
تحالف الشر العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ومن ضمنه الكيان الصهيوني، يرفض الاعتراف بالفشل الذريع سياسياً وعلى الأرض، على رغم أنه ألقى كل حباله في ساحات صراعٍ عديدة على مدى سنوات سبقت ما زعموا أنه «الربيع العربي»، ويحاول الآن عبر داعش وكذبة واشنطن المستجدة «خراسان» تحقيق خلط جديد للأوراق في المنطقة، لعلها تحقق ما فشلت عن تحقيقه على مدى سنوات في سورية بخاصة، فتحقيق شيء ما على الأرض السورية قد يتيح للغرب الارتداد على الجبهات الأخرى وانجاز ما فشلت عن تحقيقه سياسياً وعسكرياً.
ما لا تريد واشنطن إدراكه أن الدولة الوطنية السورية الآن أقوى منها عند بدء الحرب عليها على رغم كل ما أوقعته بها آلة الحرب الغربية التكفيرية الأردوغانية، من حيث أن الجماعات الإرهابية والليبرالية العميلة فقدت البيئات السورية الحاضنة التي خدعت في البدايات، فاكتشفت عبر المعاناة أن الدولة بما هي عليه قبل الأزمة حتى ومن دون الإصلاحات التي أجرتها أفضل بما لا يقاس مما هو مطروح عليها من الجماعات الظلامية الجهالية ومن جماعات فنادق الـ 5 و7 نجوم في عواصم الغرب والسعودية وقطر وتركيا.
كما أن الجيش السوري الذي كان يراهن على تفككه، ازداد تماسكاً بخروج العناصر المهتزة منه كأفراد وليس كانشقاقات، وفي أن اكتسب الجيش السوري خبرات قتالية جديدة تتواءم مع العقيدة العسكرية التي بدأ يعمل عليها منذ حرب تموز 2006.
لقد أصبح إسقاط سورية مستحيلاً، لأن إسقاطها يعني إسقاط الشعب السوري وليس إسقاطاً للنظام أو حتى الدولة فحسب، ولأن إسقاطها إسقاط لقوى عديدة أخرى في المنطقة من بينها المقاومتان اللبنانية والفلسطينية، وهما المقاومتان اللتان أصبح إسقاطهما دونه المستحيلات بدليل ما حدث منذ عام 2006، فضلاً عن أن إسقاط سورية يعني المقدمة الأولى لإسقاط العراق وإيران.
وأكثر من ذلك فإن روسيا فلاديمير بوتين وديمتري مدفيديف لن تسمح بأن يسخر الغرب منهما مرة ثانية، وبخاصة أن الغرب تصرف مع موسكو في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي بفعل فاعلين غربيين، بمنتهى الكراهية والحقد والتشفي.
والصين الشعبية لم تكن تاريخياً على أي وفاق مع الغرب، الذي ما زال يعمل على الحيلولة دون استعادتها كامل ترابها الوطني، ويحول دون اضطراد تطورها الاقتصادي، وقد أصبح خُنّاق الدولار الأميركي بيد بكين.
لقد تغير العالم كثيراً جداً، فهل تعي أميركا ذلك وتحل مشكلاتها الداخلية العديدة جداً والمتفاقمة إلى حد أن فيها مناطق لا يقدر الجيش الأميركي على دخولها! وفي أوروبا العجوز أيضاً ما يكفيها من مشكلات لم تعد أسراراً. ولدى الكيان الصهيوني من الاختلالات الداخلية والهزائم المتتالية ما يستدعي من قياداته النازية المتصارعة أن تعيد قراءة الواقع قراءة دقيقة.